ملخص
المعارضون للعملية السياسية في #السودان يريدون نظاماً شمولياً يحافظ على مقاعدهم في السلطة ووصول المبعوثين الغربيين إلى#الخرطوم ليس للنزهة
اتهم الناطق الرسمي لـ"قوى الحرية والتغيير" (المجلس المركزي)، رئيس الحركة الشعبية - التيار الثوري الديمقراطي في السودان، ياسر عرمان المجموعات المحسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير بالعمل على عرقلة العملية السياسية الجارية الآن لإدراكها أنها جاءت في الأساس لقطع الطريق أمامها حتى لا تعود مرة أحرى للسلطة، لكنه أكد أن العملية السياسية تسير في الاتجاه الصحيح على رغم تعقيداتها وعدم رغبة قادة انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) في الحل السياسي.
وأكد عرمان، في حوار مع "اندبندنت عربية"، أن الاتفاق الإطاري الذي وقعوه كمدنيين مع العسكر في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022 انتصار حقيقي لإرادة العمل المدني المقاوم الذي قام به الشارع السوداني على نطاق واسع بقيادة لجان المقاومة، معتبراً القوى التي اجتمعت في جوبا، في الأيام الماضية، لتقييم تنفيذ اتفاق السلام أنها منقوصة لعدم مشاركة قوى الثورة الحقيقية فضلاً عن تخلف بعض قادة المكون العسكري.
تحديات وعراقيل
وعن تقييمه مسار العملية السياسية وما يعتريها من مصاعب على رغم التوقيع على الاتفاق الإطاري لأكثر من شهرين ونصف الشهر، قال عرمان "في اعتقادي أن العملية السياسية تسير في الاتجاه الصحيح، وهذا لا ينفي أنها تواجه تحديات، فهي بطبيعتها عملية معقدة بخاصة أنها تتعلق بإنهاء الانقلاب، وهذا أمر صعب للغاية، فضلاً عن أن الانقلاب يضم قوى متعددة ومتناقضة في داخله لا ترغب في الحل السياسي وأحياناً لا تمتلك إرادة سياسية، والأهم من ذلك في النظرة السطحية التي توحي أن المشكلة بين المدنيين والعسكريين، لكن في الواقع أنها مشكلة بين القوى المدنية الراغبة في التحول المدني، والدولة العميقة ممثلة في مجموعات الإسلاميين التي حكمت البلاد 30 عاماً، وأن المؤسسة العسكرية بتشكيلاتها كلها ليست استثناء، فهذه المجموعات المحسوبة على النظام السابق هي التي تعمل على عرقلة العملية السياسية بشدة، لأنها تدرك أن هذه العملية جاءت في الأساس لقطع الطريق أمامها حتى لا تعود مرة أخرى للسلطة".
انتصار للمقاومة
وعما يثيره قائد الجيش وبعض أعضاء مجلس السيادة العسكريين من وقت لآخر من تحفظات حول الاتفاق الإطاري على رغم توقيعهم عليه، ما يوحي إلى عدم قناعتهم به، قال عرمان "في الحقيقة، إن المدنيين والعسكريين عندما تحاوروا وتوصلوا لهذا الاتفاق لم يكن ذلك خيارهم الأول، فالعسكريون كان خيارهم المفضل استمرار الانقلاب، بينما كان خيار المدنيين إسقاطه كلياً، فهذا الاتفاق جاء نتيجة ثلاثة عوامل، أولها أنه كاتفاق يعد انتصاراً حقيقياً لإرادة العمل المدني المقاوم الذي قام به الشارع السوداني على نطاق واسع بقيادة لجان المقاومة، بالتالي، فإن ما حدث يمثل الأساس الذي فرض هذا الواقع، ثانياً أن انقسام المكون العسكري لجهة اتخاذ الدعم السريع موقفاً مختلفاً قابلاً للتراجع عن الانقلاب لعب دوراً مهماً في دعم الاتفاق، وثالثاً أن هناك قوى إقليمية ودولية مهمة توصلت لاستنتاجات تشير إلى أن الانقلاب سيعيد الإخوان المسلمين للسلطة، إضافة إلى أن هناك قوى غربية مؤثرة تدعم التحول المدني الديمقراطي وأعلنت مراراً وتكراراً أنها مع تشكيل سلطة مدنية ذات مصداقية في السودان، فكل هذه العوامل مجتمعة أتت بهذا الاتفاق، لكن للأسف لا تزال هناك عراقيل توضع باستمرار وعدم رغبة من بعض الجهات بألا يصل هذا الاتفاق إلى محطته الأخيرة".
خانة المجهول
وواصل الناطق الرسمي لـ"قوى الحرية والتغيير" "أعتقد أن الحديث الذي يشوبه كثير من التردد وأحياناً عدم الالتزام من القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان لا يخدم العملية السياسية، ومثل هذا الحديث يضع الوضع السياسي في خانة المجهول، فالاتفاق الإطاري ربما يعد الوثيقة الأخيرة والوحيدة التي تعطي أجندة للعسكريين والمدنيين، لذلك أرى أن التصريحات الصادرة من البرهان التي تقول، إن أطراف الاتفاق من المدنيين ناقصة ولا بد من مزيد من التوافق وغير ذلك، فهذا حديث غير مفيد إطلاقاً، لأن أطراف هذا الاتفاق تم تحديدها بواسطة العسكريين والمدنيين معاً، ولم تحددها قوى الاتفاق الإطاري المدني وحدها، لذلك على العسكريين أن يتحملوا مسؤوليتهم في ذلك، لما يشكله الاتفاق من فرصة حقيقية، فأوضاع السودان لا تحتمل التلاعب بهذا الاتفاق لأن فشله سيؤدي إلى أوضاع أسوأ من تلك التي نحن فيها الآن بكثير".
خلاف معلن
وفي تفسيره تباين المواقف حول انقلاب 25 أكتوبر والاتفاق الإطاري بين قائد الجيش السوداني ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أجاب الناطق الرسمي لـ"قوى الحرية والتغيير" "طبعاً هناك خلاف معلن وثابت بين الدعم السريع والجيش، فقيادة الدعم السريع أعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب الاتفاق الإطاري والعودة إلى الثكنات، وفي رأيي أن الاتفاق يحقق في الأساس نتائج مرضية للجيش من منطلق أنه يضمن بوضوح أن المؤسسة العسكرية ستكون واحدة، وأنه سيتم دمج قوات الدعم السريع فيها، على عكس الوثيقة الدستورية التي وقعت في 2019 بين المكونين المدني والعسكري، وبالتالي، فهذه مكاسب حقيقية للجيش السوداني، لكن ما يحدث من تشويش في هذا الجانب ناتج من مجموعات النظام السابق سواء داخل القوات المسلحة أو خارجها".
اتفاق نهائي
وعن مدى صحة ما ذكره مجلس السيادة، أخيراً، بقرب الإعلان عن اتفاق سياسي نهائي بعد توافق الأطراف المدنية، قال عرمان "بالفعل تم الاتفاق على الإعلان السياسي بحضور كل من رئيس حركة تحرير السودان أركو مني مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ونائب رئيس الحزب الاتحادي الأصل جعفر الميرغني، ومعلوم أن هؤلاء الثلاثة لديهم ارتباطات مؤيدة للانقلاب، لذلك، فإن قضيتهم لا تتعلق بالقضايا التي يطرحونها بقدر ما يرغبون باستمرار الوضع الحالي لأنهم مستفيدون منه، فضلاً عن نواياهم لجهة إغراق العملية السياسية بأطراف توصل بالنهاية إلى اختيار رئيس وزراء ورئيس مجلس سيادة ضعيفين ولا يرغبان في تنفيذ الأجندة الوطنية، كما أنهم لا يريدون الاتفاق الإطاري بشكله الحالي لأن قوى الثورة تمثل الثقل فيه، فهم يريدون نظاماً شمولياً يحافظ على مقاعدهم وكراسيهم في السلطة، لذلك يحاولون ضم مزيد من القوى الداعمة للشمولية والانقلاب، التي يسمونها الكتلة الديمقراطية وهي عكس ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في حال عدم انضمام هذه المجموعة للاتفاق الإطاري، فهل سيتم تجاوز الأم؟ أجاب عرمان "نعم بالتأكيد سيتم تجاوزها في العملية السياسية الجارية الآن، وسبق أن تجاوزت قوى الثورة وجماهيرها نظام البشير، واستطاعت أن تتجاوز عقبات كثيرة، فهؤلاء، بخاصة مناوي وجبريل، باعتبارهما جزءاً من اتفاق سلام جوبا كان من الأفضل لهما أن يلحقا بالعملية السياسية، لكن في حال رفضاها، فالشعب لديه حركة مقاومة جبارة وقوية ستبلور اتجاهاً حاسماً للوصول إلى المدنية".
الضربة القاضية
وعن كيفية مواجهة الحكومة الجديدة المقبلة، التي سيتم تشكيلها بموجب هذا الاتفاق، المعارضة الواسعة من قبل اليساريين والإسلاميين ولجان المقاومة، تابع الناطق الرسمي لـ"قوى الحرية والتغيير" "أنا طبعاً أفرق بين أجندة اليساريين رافعي شعار التغيير الجذري، وقوى الثورة رافضة الاتفاق الإطاري وتطالب بما هو أكبر من هذا الاتفاق، فهذه القوى الثورية تريد إبعاد وإسقاط الانقلاب بشكل مباشر بالضربة القاضية، بينما نعمل نحن كقوى سياسية بطريقة النقاط، في حين يرغب الإسلاميون بالتشبث بالنظام القديم الذي انتهى فعلياً من غير عودة، وآن الأوان أن تأخذ هذه البلاد منحى واتجاهاً جديدين، وهذا ما يجري حالياً شاء الإسلاميون أم لا، وفي تقديري أن هناك قوى كافية تدعم الاتفاق، وهي تمثل الغالبية الحاسمة من الشعب، وتريد تغييراً يؤدي إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية، وكذلك السيولة الأمنية، وإصلاح مؤسسات الدولة".
عدم ثقة
وفي ما خص رفض لجان المقاومة الاتفاق، قال عرمان "الثورة مرت بمراحل كثيرة، ووقعت اتفاقيات من قبل مع العسكر، فهذه اللجان لا تثق أصلاً في العسكر وتعتقد أن الطريق الأمثل هو إسقاط الانقلابيين، وليس الحوار معهم، لكننا كقوى سياسية لا نتعامل بمعايير قيمية أن نثق أو لا نثق، نحن نثق في أنفسنا، وكذلك في شعبنا، وبأن العسكر ليست لديهم خيارات، فالانقلاب الذي قاموا به فاشل بامتياز ولم يحقق أهدافه، واعترف هؤلاء بفشله، ما أحدث انقساماً داخلهم، كما أن هناك ضغطاً جماهيرياً واسعاً ورفضاً إقليمياً ودولياً من بلدان مهمة لهذا الانقلاب، لذلك نعتقد أن زمن الانقلاب ولى ولا مستقبل له، لذلك جئنا للعملية السياسية كبديل لفشله".
المجتمع الدولي
ورداً على سؤال حول ما أحدثته زيارة المبعوثين الغربيين الستة للخرطوم، أخيراً، من ضغوط لدفع العملية السياسية للأمام، أجاب عرمان "ألقت هذه الزيارة مزيداً من الأضواء على أهمية الاتفاق الإطاري، وأجروا مناقشات مباشرة مع الأطراف الرئيسة في هذه العملية، وأبدوا رغبة المجتمع الدولي الواضحة بتنفيذ الاتفاق وبأنه سيكون شريكاً في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السودان، أيضاً، المجتمع الدولي لا يزور أي دولة على سبيل النزهة، بالتالي، فالأطراف التي ستعرقل العملية السياسية ستصطدم بهذا المجتمع وهو ما صرح به مساعد وزير الخارجية الأميركي بيتر لورد الذي جاء على رأس هؤلاء المبعوثين".
وفي شأن ما أبدته واشنطن من دعم لتحرك القاهرة لتسريع العملية السياسية في السودان ما يعتبر تناقضاً في مواقفها تجاه الحل السياسي في البلاد، أجاب الناطق الرسمي لـ"قوى الحرية والتغيير" "لا أبداً، لم تبدِ واشنطن تأييدها لتحرك القاهرة، فالولايات المتحدة قالت بصريح العبارة إن الاتفاق هو الأساس لأي عملية سياسية، والحكومة المصرية ممثلة في وزارة خارجيتها أصدرت بياناً أيدت فيه هذا الاتفاق بعد التوقيع عليه، لذلك لم تؤيد واشنطن مطلقاً ما ورد في ورشة القاهرة التي انعقدت في الفترة ما بين الثاني والسابع من فبراير (شباط) بعنوان: آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع".
العلاقة مع إسرائيل
وعلق عرمان على زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للخرطوم قائلاً "نحن في قوى الحرية والتغيير نقول إن أي ضمان للعلاقات الخارجية مع السودان واستمرارها يجب أن يكون برضى الشعب، ومن البديهي أن تخدم مصالحه، كذلك مهما ظن الانقلابيون أن المجتمع الدولي أو الإقليمي سيساعدهم فهم متوهمون، فإذا رجعوا إلى التاريخ القديم سيجدون أن مفهومهم خاطئ، فالرئيس الأسبق جعفر النميري حينما سقط في السادس من أبريل (نيسان) 1985 بواسطة انتفاضة شعبية كان قادماً من واشنطن التي ذهب إليها بزيارة رسمية بدعوة من الإدارة الأميركية، وعلى رغم ذلك تم إسقاطه، وعموماً، موقفنا واضح في شأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ نرى أن ثورة ديسمبر (كانون الأول) رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، ونحن نرى أن العدالة يجب أن تنطبق على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، فضلاً عن تمتعهما بالحرية والسلام، ويجب الاحتكام لقرارات الشرعية الدولية والبناء على أساس اتفاق سلام، هذا هو ما نراه، لكن إذا اعتقد العسكريون أنهم يستطيعون أن يستقووا بالخارج فهذا غير مفيد لهم وللخارج أيضاً".
وعما يشاع بأن واشنطن وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تربط ما يجري من عملية سياسية بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، قال عرمان "طبعاً وزير الخارجية الإسرائيلي نفسه قال إنهم لن يصلوا لأي شيء مع الخرطوم إلا بعد قيام حكومة مدنية، لذلك، موقف واشنطن واضح بالنسبة لنا، وأكدته الإدارة الأميركية، وأيضاً مساعد وزير خارجيتها في زيارته الأخيرة".
وعن رأيه في شأن ما يجنيه السودان من فوائد في حال توقيع السلام مع تل أبيب، أجاب "لا يستطيع شخص أو حزب أو أي جهة أن تقول رأياً واضحاً في شأن العلاقة مع إسرائيل في الوقت الحاضر، فهذا الأمر يجب عرضه على مؤسسات الدولة المدنية بعد تشكيلها، على أن يجري التشاور والنقاش بشكل موضوعي وواضح حولها، ونعتقد أن قادة الانقلاب ليس من حقهم إنشاء أي علاقات في هذا الخصوص مهما كانت الفوائد التي يظنونها، فهو حق أصيل للحكم المدني في البلاد".
ورشة جوبا
ورداً على سؤال حول الورشة التي استضافتها حكومة جنوب السودان لتقييم تنفيذ اتفاق سلام جوبا ومقاطعتهم لها، أجاب أيضاً "تعلم أنني شاركت في اتفاق سلام جوبا الذي وقع في ظل حكومة مدنية في الثالث من أكتوبر 2020 مشاركة حقيقية، لكن في ما يتعلق بورشة تقييم سلام جوبا، فهي في نظري ناقصة، بل إنها تتم مع الانقلابيين، وهذا يضعف جهود السلام، ومعلوم أنه لا يوجد سلام من دون ديمقراطية ولا توجد ديمقراطية من دون سلام، والسلام ارتبط في نظر البعض بأنه مجرد مقاعد منحت لأفراد، وسلام للنخب، لكن أين موقع ملايين النازحين واللاجئين وقضايا الحكم والمواطنة والأرض والترتيبات الأمنية من هذا السلام، وبلا شك أن مجمل هذه القضايا الأساسية لم ولن تتم في ظل حكومة الانقلاب، فالذين أيدوه من الموقعين على السلام يبحثون عن مقاعد لا عن حلول حقيقية، فالقوى التي اجتمعت في جوبا تعد منقوصة، لعدم مشاركة قوى الثورة الحقيقية، فضلاً عن تخلف بعض قادة المكون العسكري، وبالتالي، نرى أن اتفاق جوبا يحتاج إلى عمل بين قوى الثورة والذين وقعوا عليه، فلا يمكن تطبيقه بشكله القديم كما حدث في شرق السودان، كما أن الموقعين على المسارات لا يمثلون أصحاب المصلحة مثل مسار الوسط، لذلك يحتاج الاتفاق لقوة دفع جديدة وهي موجودة لدى قوى الثورة".