ملخص
يبقي السؤال المطروح هو: ماذا سيفعل #الجانب_الفلسطيني إزاء واقع مرير ما زال يشير إلى حال الانقسام في #الضفة_الغربية وقطاع غزة؟
تتحرك الحكومة الإسرائيلية في مساحة كبيرة من المهام والأولويات التي تعمل على إنجازها، وتنفيذ اتفاقات الشراكة داخل مكونها الائتلافي، وهو ما برز أخيراً في إعادة الحديث عن الأولويات في ملف الاستيطان، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن، والانتقال سريعاً لفرض استراتيجية الأمر الواقع، والتعجيل بتنفيذ مخطط 2050، وهو الأخطر في إطار ما سيجري من توافقات حقيقية ومهام كبرى تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية في الفترة المقبلة استثماراً لما يجري فلسطينياً وعربياً، وكرسالة سياسية.
تقييمات أمنية
رغم التخوف الإسرائيلي، وهو التخوف الممتد من تقييمات أجهزة الأمن الداخلي وبخاصة "الشاباك" إلى رؤية قيادات المؤسسة العسكرية وبعض الوزراء في "الليكود"، من أن استمرار المشهد الراهن من دون عودة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وتجديد مهام لجان الارتباط، التي أسست طوال سنوات ما بعد أوسلو، سيجعل ظهر إسرائيل مكشوفاً، وقد تتجدد العمليات بصورة دورية ولافتة وقد تحرج الحكومة الإسرائيلية أمام شعبها، الأمر الذي سيدفع إلى مزيد من حال عدم الاستقرار، ويعلي من توجه التشدد، ولعل هذا ما يفسره رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو شخصياً بأن المواجهة قادمة ومستمرة ولن تتوقف، كما أنه لن يخضع للمخربين على حد قوله، ومن ثم سيمضي في مساره من دون مراجعة أو توقف على رغم ما يجري.
وتزداد المخاوف الرئيسة من احتمال تجدد المواجهات مع قطاع غزة، بخاصة مع حال التربص الراهنة للفصائل، والتي تريد اختبار قدرة الحكومة الإسرائيلية على الرد، والتعامل الأمني مع تقدير أن موقف الحكومة الإسرائيلية إزاء ما يجري ارتبط بأمور عدة متوقعة، أولها التخوف من اندلاع أحداث أمنية غير مسبوقة في شهر رمضان من دون أن تمتد إلى انتفاضة كاملة، وثانيها الدخول في مواجهة مع الفصائل الفلسطينية، وبخاصة حركة "الجهاد"، في ظل عدم وجود اتفاق جمعي بين الفصائل الفلسطينية بما فيها غير المنضبطة والحكومة الإسرائيلية علي أساس مبدأ التهدئة مقابل التهدئة، والأمن مقابل الأمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم ما يجري من حال الترقب الإسرائيلي فإن الحكومة شرعت، قفزاً على ما يجري من تطورات أمنية وسياسية متوقعة، في إطار تنفيذ مخطط استراتيجية الأمر الواقع، بدليل إنشاء "إدارة للاستيطان" ستعمل على شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية، والدفع بالمشروع الاستيطاني خلال ولاية الحكومة الحالية، وستعنى "إدارة الاستيطان" بالعمل على حل الإدارة المدنية لسلطة إسرائيل في الضفة، ونقل صلاحياتها إلى الوزارات الحكومية المختلفة، كما سيتم تشكيل قسم قانوني خاص بالإدارة الجديدة لوضع خطط قانونية بهدف شرعنة المشاريع الاستيطانية في الضفة.
وارتباطاً بما سبق فقد صدقت حكومة نتنياهو على تشكيل قسم يعنى بدفع المشروع الاستيطاني يتبع وزارة ما يعرف بـ"تطوير النقب والجليل"، كما تم منح تراخيص بناء لما يقارب 12943 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس، وفي المقابل تم هدم 901 منزل ومنشأة.
واستكمالاً لما سبق، فقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على إقامة مستوطنة جديدة في منطقة متاخمة للحدود مع قطاع غزة، بناء على توصية المجلس الوطني للتخطيط والبناء، وستكون مستوطنة مختلطة تضم 500 عائلة دينية وعلمانية، كما صوت "الكنيست" على مشروع قانون يهدف إلى تمديد سريان فرض القانون الإسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية، والذي زاد بنسب غير مسبوقة منذ عام 1967، في حين بلغ عدد المستوطنين في الضفة بما فيها شرق القدس 726 ألفاً و427 مستوطناً، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية، أقيمت 10 بؤر منها عام 2022.
مخطط واضح
مع انتقال حزب "الصهيونية الدينية" بقيادة سموتريتش وبن غفير إلى موقع الكتلة الثالثة في "الكنيست" إذ حصل على 14 مقعداً، ومع زيادة عدد المقاعد بـ57 في المئة، وكون أكثر مصوتيه من بين أوساط الشباب والمجندين، باتت كتلة يمين اليمين بقيادة نتنياهو قريبة من فرصة تشكيل ائتلاف من 64 مقعداً، وتدعم هذه الكتلة فكرة إقامة الهيكل اليهودي.
هنا انتقلت إسرائيل إلى مرحلة خطيرة أهم أهدافها الاستراتيجية الانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى حسمه، ولهذا ليس غريباً أن يطرح الوزير المتطرف سموتريتش خطة كاملة متكاملة تحت عنوان "الحسم بدلاً من إدارة الصراع".
ومع إعلان السيادة الإسرائيلية على كل الضفة الغربية، وبخاصة في غرب نهر الأردن حيث توجد قومية يهودية واحدة، فإن غير اليهود سيعيشون كأفراد وليس كقومية، ويتمتعون بحقوقهم كأفراد بما فيها إجراء انتخابات محلية لست محافظات هي الخليل ونابلس وأريحا وبيت لحم ورام الله وجنين.
وفي المقابل، فإن عدد سكان إسرائيل، الذي يبلغ الآن 9.2 مليون شخص، سيصل إلى 15.68 مليون في 2050، من بينهم 8.62 مليون يهودي غير أصولي، و3.8 مليون أصولي، و3.24 مليون عربي، وذلك حتى عام 2050.
وحسب التقييمات فإنه حتى 2050 سيعيش هناك 3.7 مليون شخص. وستواصل منطقة تل أبيب النمو من 1.48 مليون شخص الآن إلى 2.26 مليون في 2050. وسيعيش في تل أبيب الكبرى وفي منطقة الوسط أكثر من 5.7 مليون شخص يشكلون 37 في المئة من عدد سكان إسرائيل المتوقع.
ولعل ما سيتم التركيز عليه والخاص بالقدس هو الأخطر خلال الـ35 عاماً المقبلة، إذ من المقرر الانتهاء من "خطة القدس" عام 2050، وقد سميت بـ"خطة 5800" حيث يوافق عام 2040 العام العبرى 5800، وهو العام الذي سيبدأ فيه المشروع، في ما بدأ التحضير له فعلياً قبل نحو خمس سنوات، واستثمر فيه حتى الآن خمسة ملايين شيكل (1.36 مليون دولار).
وقد وضعت هذه الخطة بمبادرة خاصة من متبرع يهودى اسمه كوين بريمستر، واللافت أنها لا تختص بحل المشكلات السياسية للمدينة، في ما اعتبر كثيرون أنها محاولة أولى من قبل اليمين لوضع مستقبل بديل لتقسيمها بين الدولتين، ومن ثم فإن القدس -وفقاً للمخطط- ستصبح في عام 2050 مدينة عالمية.
تفاصيل كاملة
الواضح أن الأمر ليس مرتبطاً فقط بمشروع ممتد على غرار مخطط التهويد لعام 2020 أو عام 2050، وإنما أيضاً بدعم المخطط الإسرائيلي الطموح بإقامة "الهيكل"، وفقاً لمزاعم إسرائيلية معروفة، والفرصة سانحة تماماً في القدس، ويستند المخطط الإسرائيلي الجديد 2050 إلى تغيير كامل لوضع المدينة، بما في ذلك المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى، وذلك عبر فتح الطريق الموصل إلى حائط البراق، وبناء الحي اليهودي في المدينة القديمة، وتنشيط الحياة في جبل المكبر وربطه بالقدس بواسطة مبانٍ سكنية، وبناء سور آخر حول القدس كجزء من عمل دفاعي، وتوطين سبعة آلاف يهودي كدفعة أولى في المنشآت الجديدة.
وتركزت عمليات البناء الاستيطانية أخيراً في محافظات القدس وسلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله، وفي هذا الإطار أُقر "مشروع القدس الكبرى" في نطاق استهداف المقدسات الإسلامية عبر توسيع حدود بلدية القدس لتشمل المناطق الممتدة من مدينة رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوباً، وقد أطلق على هذا المشروع اسم "مشروع الأب"، وهو يمثل الحزام الاستيطاني الثاني حول مدينة القدس، بعد أن اتضحت معالم الحزام الأول في الأحياء العشرة التي أقيمت ضمن نطاق أمانة القدس لعام 1967، بينما يضم الحزام الثالث 15 مستوطنة إضافية في محيط القدس الشرقية.
تهدف خطة "القدس 2050" إذاً لزيادة الاستثمار الخاص، وبناء طرق عالية الجودة للمواصلات، بما في ذلك خط سكك حديدية، وشبكة شاملة من المواصلات ووسائل النقل العام، واستحداث طرق سريعة وتوسيع الطرق القائمة، وطرق فائقة السرعة تقطع إسرائيل من الشمال إلى الجنوب.
تقترح الخطة أيضاً إنشاء مطار في وادي هوركانيا، بين القدس والبحر الميت، لخدمة 35 مليون مسافر سنوياً. وسيرتبط هذا المطار بطرق وسكك حديدية موصلة إلى القدس ومطار "بن غوريون" ومدن أخرى مجاورة.
وتسعى الخطة إلى جذب اليهود من شتى أنحاء العالم إلى القدس من خلال تطوير صناعتين متقدمتين: التعليم العالي والتكنولوجيا المتقدمة، ويرتبط تطوير صناعة التعليم العالي ارتباطاً وثيقاً بتطوير التكنولوجيا المتقدمة والمعلومات البيولوجية وصناعة التكنولوجيا البيولوجية، لذا تدعو الخطة إلى إنشاء جامعة للإدارة والتكنولوجيا في مركز مدينة القدس، وإلى مساعدات حكومية للبحث والتطوير في مجالات علمية وتقنية جديدة تخدم المجمع الصناعي العسكري والشركات الإسرائيلية المتعددة الجنسيات العاملة في مجالات متقدمة.
الخلاصات الأخيرة
من الواضح أن إسرائيل بدأت فعلياً تكثيف تنفيذ مراحل "الخطة 2050" لتهويد القدس وإنهاء الوجود الفلسطيني فيها بالكامل، وهذه الخطة الاستراتيجية ليست مجرد مشروعات سياحية أو تنموية، بل هي خطة كبيرة تستهدف إجراء عمليات تهويد و"ترانسفير" لعشرات من التجمعات الفلسطينية خارج القدس إلى مناطق أخرى، وتغيير الملامح الديموغرافية بالكامل، والعمل على إعادة توطين آلاف المستوطنين، وهو ما يفسر سبب دعم الحكومة الإسرائيلية مسار ما يجري، والسماح للمستوطنين بالتمركز بجوار "الأقصى" مع الاستمرار في مخططات التنقيب والبحث عن "الهيكل" تحته.
ستعمل إسرائيل على تسريع معدلات الاستيطان في القدس لفرض سياسة الأمر الواقع. ويبقى السؤال المطروح: ماذا سيفعل الجانب الفلسطيني، وماذا لديه من خيارات وسيناريوهات في التعامل مع واقع فلسطيني مرير ما زال يشير إلى حال الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة؟