رسوم صحافية مصرية في مشهد تشكيلي استعادي

استضافت قاعة بيكاسو للفنون في القاهرة معرضاً مشتركاً لأعمال الفنانة الراحلة عطيات السيد وزوجها الفنان الدسوقي فهمي. أقيم المعرض تحت عنوان "الرسوم الصحفية وأعمال أخرى"، وضم العديد من أصول الرسوم والاسكتشات التي رسمها كلا الفنانين والمنشورة في الصحافة المصرية خلال الفترة من نهاية الستينيات وحتى بداية السبعينيات من القرن الماضي. إلى جانب الرسوم ضم المعرض أيضاً عدداً من اللوحات الملونة لكلا الفنانين.

تتيح زيارة المعرض الاطلاع على تجربتين مهمتين في التصوير المصري وعالم الرسوم الصحافية، لكنها توفر أيضاً إطلالة شيقة على الصحافة المصرية قبل ما يزيد على الخمسين عاماً تقريباً. إلى جوار كل رسم من الرسوم الصحافية المعروضة يوجد رمز رقمي، إذا ما مسحه الزائر بالهاتف سيحيله إلى صفحة الجريدة التي نشر فيها هذا الرسم. صفحات الجرائد المتاحة رقمياً يضمها كتابان بحجم متوسط واكب صدورهما انطلاق المعرض. تمثل صور الجرائد سجلاً للقضايا والسجالات الثقافية التي كانت مُثارة في تلك الفترة، وهو جانب لا يخلو من التشويق. نقرأ مثلاً مقالاً يوجه فيه كاتبه سهام النقد لنجم الغناء الراحل عبد الحليم حافظ لأنه ظهر في أحد البرامج وتعمد الترويج لحفلته الغنائية التي سيقدم فيها أغنيته الجديدة "قارئة الفنجان"، أو قد نلمح إعلاناً في صفحة أخرى لفيلم "الست الناظرة" لسعاد حسني وشكري سرحان. بين هذه الأخبار والسجالات الثقافية التي كانت محتدمة في ذلك الوقت، كانت الأعمال التي يضمها المعرض تشكل جانباً من هذا السجل المطبوع.

لوحة للفنانة عطيات السيد في المعرض (خدمة المعرض)

بين هذه المقالات والأخبار تبرز رسوم الفنانة عطيات السيد بمُصاحبة نصوص قصيرة تشرح خلالها الفنانة الراحلة انطباعاتها حول العناصر داخل هذه الاسكتشات السريعة والمرسومة بالأبيض والأسود. اسكتشات كثيرة تضم عناصر متنوعة من الشارع المصري: مآذن وبيوت وأطفال يلهون في الحارات الشعبية، وراكبو دراجات. وتضيء رسوم الفنانة عطيات السيد كذلك على بعض العادات والسمات الاجتماعية التي اندثر الكثير منها اليوم. أما الرسوم التي يضمها معرض الفنان الدسوقي فهمي، فترتبط بعدد من الأسماء اللامعة في عالم الأدب المصري، وكانوا وقتها يشقون طريقهم في مجال النشر. تصاحب رسوم الدسوقي فهمي نصوصاً أدبية مبكرة لأسماء من أمثال جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان ومحمود الورداني وجار النبي الحلو ويحيى الطاهر عبدالله ومحمد البساطي وآخرين غيرهم. بالإضافة إلى عدد من الترجمات الهامة لنماذج من الأدب العالمي من ترجمة الفنان الدسوقي فهمي، فإلى جانب كونه فناناً فقد عمل فهمي بالترجمة أيضاً، بل يعد واحداً من المترجمين المصريين البارزين، وقدم إلى المكتبة العربية عدداً من الترجمات المهمة بينها مثلاً الأعمال الكاملة لفرانتز كافكا.

من أعمال الدسوقي فهمي (خدمة المعرض)

يتوزع المعرض على مساحتين متجاورتين، إحداهما مخصصة لأعمال الفنانة عطيات السيد والأخرى لأعمال الفنان الدسوقي فهمي، وهما يشكلان معاً نموذجاً ناجحاً للثنائيات الفنية القليلة في تاريخ التشكيل المصري. إلى جانب هذه الرسوم الصحافية يضم المعرض أيضاً مجموعة متنوعة من اللوحات المرسومة بخامات مختلفة، وهي أعمال تعكس براعة الفنانين في التعامل مع الشكل وتطويعه.

تُبرز لوحات الفنانة عطيات السيد مهارتها في تجاوز الهيئة المباشرة للعناصر، فهي تنطلق من هذه الهيئة المُباشرة لعناصرها وتعيد صوغها من جديد في أشكال وصيغ متعددة. تتحول هذه العناصر والأشكال بقليل من المبالغة والتحريف إلى كائنات حية تتأثر وتشتبك مع مشاعر الفنانة ومزاجها الشخصي. أما أعمال الدسوقي فهمي فهي أشبه بدراسات للجسد والحركة، وهي أعمال تتسم بخطوطها السريعة والبراعة في التقاط الحركة والتفاصيل.

تخرجت الفنانة الراحلة عطيات السيد في المعهد العالي للتربية الفنية عام 1958 وعملت كرسامة في جريدتي "الجمهورية" و"المساء"، وتفرغت تماماً للفن في منتصف التسعينيات حتى رحيلها عام 2021. أما الفنان الدسوقي فهمي فيستند إلى خبرة واسعة في عدد من المجالات المتنوعة، فقد تخرج في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة عام 1963، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الآثار المصرية، كما عمل رساماً بهيئة الآثار المصرية، وقدم للمكتبة العربية عدداً من الترجمات الأدبية والفلسفية الهامة.