ملخص
أجور النواب والوزراء في #لبنان زهيدة جداً بسبب #الأزمة_ الاقتصادية لكن نمط حياتهم لم يتغير
انعكس الانهيار المالي الحاصل وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية على نمط حياة اللبنانيين عامة، وحصل انخفاض هائل في قيمة الأجور، لذلك حرصت معظم المؤسسات في القطاع الخاص على تصحيح طفيف في الرواتب، أما بالنسبة إلى موظفي القطاع العام، فلم تتسق تصحيحات الأجور مع الارتفاع الجنوني في سعر الصرف، وبطبيعة الحال كان كبار موظفي الدولة من المتضررين أيضاً، لكن السؤال الذي يطرح هنا ما إذا كان النواب والوزراء متضررين بالمستويات نفسها كبقية موظفي القطاع العام، الذين تحولت رواتبهم فتاتاً، وإذا كنا نشهد انعكاسات الأزمة الاقتصادية الواضحة على نمط عيش اللبنانيين، هل يواجه النواب والوزراء التحديات نفسها؟ الواقع لا يظهر ذلك، ولا يشير إلى أن مستوى نمط حياتهم قد تأثر بالأزمة، ما يؤكد أن مصادر دخل أخرى ساعدتهم على مواجهتها.
حفنة من الدولارات
في مقارنة بين أجور رئيس الجمهورية وتلك الخاصة بالنواب والوزارء في عام 1998، وتلك الحالية في أثر إقرار موازنة عام 2022، يوضح الباحث في شركة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أن راتب رئيس الجمهورية كان يصل إلى 12500000 ليرة لبنانية (156 دولاراً أميركياً على أساس سعر الصرف في السوق السوداء)، بما في ذلك الراتب الأساسي والتعويضات التي يستفيد منها من تعويض تشريفات وغيرها، أما أجر رئيس مجلس النواب فكان 11825000 ليرة لبنانية (148 دولاراً أميركياً) وهو نفسه لرئيس مجلس الوزراء النائب ولرئيس الوزراء غير النائب، فيما راتب الوزير النائب كان 8625000 ليرة لبنانية (108 دولارات أميركية) ومن ضمنه التعويضات كتعويض التشريفات وتعويض السيارة وتعويض التمثيل الذي يستفيد منه أيضاً، وهذا الراتب هو نفسه للوزير غير النائب، فيما ينخفض راتب النائب بمعدل بسيط إلى 8500000 ليرة لبنانية (106 دولارات أميركية).
وبعد إقرار موازنة عام 2022 أجريت تصحيحات للرواتب فحصل كل منهم على زيادة بلغت 12 مليون ليرة لبنانية شهرياً (150 دولاراً أميركياً) أضيفت إلى الرواتب السابقة وفق الجدول الخاص بمخصصات السلطات العامة وتعويضاتها، مع الإشارة إلى أن موازنة عام 1998 كانت قد أقرت زيادة تخطت الضعف للسلطات العامة من رئيس جمهورية، ورئيسي مجلسي النواب والوزراء، والنواب.
مستوى عيش لم يتأثر
يبدو واضحاً أن نمط عيش النواب والوزراء لم يتأثر كما حصل مع بقية الموظفين في القطاع العام من موظفين في الإدارات العامة والضباط وعناصر الجيش، الذين تدهورت قيمة أجورهم بشكل كارثي، فالكل يعلم أن تصحيحات الأجور في هذا القطاع لا تعد منصفة وليست كافية لمواكبة ما يحصل من ارتفاع في سعر الصرف، إنما من المؤكد أن لمعظم النواب والوزراء مصدر رزق آخر، فيحافظون بفضله على مستوى العيش نفسه الذي اعتادوا عليه ويستمرون بالاستفادة من الخدمات كافة، ويتابعون نمط الحياة المعتاد بكل ما فيه من رفاهية، بحسب المحامي الدكتور عادل يمين، استفاد النواب والوزراء من تصحيح الأجور تماماً كبقية الموظفين في الإدارة العامة، علماً أن رواتب النواب والوزراء متقاربة إلى حد ما، لكنهم لا يعتمدون على هذه الزيادة للحفاظ على مستوى نمط حياتهم، بل على مصدر رزق آخر هو مجال اختصاصهم الرئيس عادةً.
لا يمنع القانون اللبناني، أن يعمل النائب أو الوزير في مجال آخر أو يتعاطى الأعمال الخاصة، بشكل عام، لكن هناك استثناءات معينة تمنع الوزير من أن يعمل في مجال المحاماة أو القضاء أو في رئاسة المجلس الدستوري، لما في ذلك من تعارض مع مبدأ فصل السلطات، عدا ذلك لا مشكلة في بقية المهن، أو في أي من الأعمال الخاصة، أما النائب فيمكن أن يعمل حتى في مجال القانون فيكون محامياً، فيما لا يحق له أن يكون قاضياً، مع الإشارة إلى أن أحكام القانون في هذا المجال تختلف بين بلد وآخر، فإذا كان في القانون اللبناني استثناءات بالنسبة إلى النائب أو الوزير في العمل في الشأن الخاص، تعد الأعمال الخاصة مسموحة في الولايات المتحدة الأميركية من دون استثناء، وإن كان هناك تشدد في مجال المشاريع الخاصة بالدولة، منعاً لاستخدام النفوذ في هذه الاستثمارات، ويشير يمين إلى أن قانون العقوبات اللبناني ينص على ذلك أيضاً فيمنع إقامة أي عقد يمكن أن يكون فيه تعارض مصالح في حال تعاطي الشأن العام، لكن القانون لا يشكل عائقاً على أرض الواقع، كما يعلم الكل.
من جهته يشير الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة إلى أن هذه القوانين تختلف تماماً بين بلد وآخر، ويطبق كل بلد قوانينه الخاصة، ففي فرنسا مثلاً يمنع القانون من يتعاطى الشأن العام أن يعمل في الشأن الخاص، كما تبرز في فرنسا الشفافية العالية في هذا المجال وتتحول هذه الأمور بكل وضوح إلى الرأي العام، فيما لا يشكل القانون عائقاً في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، ويعلم الكل أن للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إمارة في مجال الأعمال وما من مانع قانوني في ذلك،و في لبنان أيضاً لا يمنع القانون النائب أو الوزير من تعاطي الشأن الخاص، وبحسب عجاقة، فإن نمط العيش الخاص بالسياسي في لبنان، لا يمكن تبريره بالراتب الذي يتقاضاه كنائب أو وزير فحسب، فكيف له أن يستمر بهذا المستوى المعيشي في الأوضاع الحالية خصوصاً في غياب مصدر دخل مرتفع آخر غير راتبه من الدولة؟ حتى بالنظر إلى مستوى عيش السياسي قبل الأزمة، لا يمكن تبريره بالراتب وحده، ولو وضع الفساد جانباً يبقى لكل من النواب الوزراء مصدر دخل في مجال اختصاصه هو الذي يعتمد عليه بشكل أساسي وليس على راتبه من الدولة.