ملخص
يعمل المئات في #غزة على #تربية_الدواجن فوق أسطح منازلهم إذ انتشرت هذه المشاريع كجهد فردي من بعض العائلات للتغلب على الظروف القاسية التي يمر بها سكان القطاع
أحب الفلسطيني خليل الطيور وعالمها إلى درجة التعلق ودفعه شغفه إلى تحويل سطح بنايته إلى "قن كبير" يربي فيه مئات الأنواع من الدجاج ليعيش طقوسه المفضلة مع فراخه وتكون أيضاً مصدر دخل يسد من عائداته رمق عائلته الكبيرة.
ومن شدة تعلق خليل بعالم الفراخ، كان يطلق اسماً على كل واحدة منها، فينادي على الدجاجة الحمراء ذات الأرجل الطويلة "نفيسة" لتحمل اسم جدته وحضورها الملائكي، وكلما ضجر الرجل هرع إلى طيوره ليتبادل معها الحديث، كان يشعر بأنه يجيد لغتها. يختصر شغفه هذا قائلاً "أصبحت أباً لهذه الدجاجات".
تحسين أوضاع
مثل خليل، هناك المئات يعملون على تربية الدواجن فوق أسطح منازلهم، إذ انتشرت في غزة هذه المشاريع متناهية الصغر، كجهد فردي من بعض العائلات، في محاولة للتغلب على الظروف القاسية التي يمر بها سكان القطاع.
في غزة يستغرق الفرد أثناء البحث عن فرصة عمل نحو 120 يوماً، وعادة ما تبوء محاولاته هذه بالفشل بسبب ضخامة عدد الأيدي التي وصلت إلى 350 ألف وقلة فرص العمل نتيجة الحصار المفروض على القطاع، مما أدى إلى ارتفاع مؤشر البطالة إلى 71 في المئة بحسب بيانات وزارة العمل، ونتيجة لذلك يعتقد السكان بأن المشاريع الصغيرة جداً مثل تربية الدواجن تعد حلاً لا بأس به لتوفير المال.
من بيع الدواجن بعد تربيتها يعيل خليل أسرته ويتخذ من سطح منزله المتواضع مكاناً لتنفيذ مشروعه. يقول إنه يحاول أن يحسن أوضاع أسرته الاقتصادية الصعبة وتأمين كلف دراسة أبنائه من هذه الحرفة، ولجأ إليها بعدما أصيب بالإحباط بعد خمسة أعوام من البحث المستمر عن فرصة عمل.
يقضي الشاب معظم يومه في رعاية أكثر من 30 نوعاً من الدجاج الغريبة المميزة، واعتمد هذا المشروع لسهولة تنفيذه إضافة إلى وفرة الإنتاج وسرعة النمو مع قلة الكلف.
وبين أن "القن" الذي شيده على سطح منزله تحول إلى مزرعة تحقق له ربحاً يومياً يقارب 30 دولاراً من خلال بيع البيض الناتج من الفراخ البياض والدجاج اللاحم إضافة إلى تسويق الدجاج الغريب الأجنبي، مشيراً إلى أن هذا الدخل القليل كان مناسباً لإعالة أسرته قبل عام، لكنه بات غير كافٍ عندما ارتفعت أسعار الأعلاف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلافات وأمراض
يعيش خليل في حي "التفاح"، وهو منطقة شعبية شرق مدينة غزة، وسط حارة مكتظة بالمنازل المتلاصقة نتيجة الكثافة السكانية العالية، وتضم هذه المنطقة التي تتجاوز مساحتها ثلاثة كيلومترات فوق أسطح بناياتها نحو 40 مشروعاً لتربية الدواجن، الأمر الذي سبب تذمراً لدى السكان بسبب الأخطار الصحية التي تنبعث من هذه المشاريع.
وبات سكان غزة يبدون انزعاجهم من وجود أقنان الدجاج على أسطح منازل الأحياء السكنية بعد أن أصيب أطفال بأمراض منقولة من الدواجن وعلى أثرها دخلوا المستشفيات لتلقي الرعاية الطبية، وأخيراً كثرت المطالب بنقلها خارج التجمعات السكنية إلى مناطق أخرى كالأراضي الزراعية.
تقول هناء واصفة عن معاناة حارتها اليومية من هذه المشاريع "بتنا نغلق نوافذ البيت طوال الوقت بسبب رائحة فضلات هذه الكائنات في المنطقة، حتى باتت نسمات الهواء مغموسة بالرائحة الكريهة على مدى الساعة، وأصيب طفلي بمرض الربو ويحتاج إلى هواء نقي دوماً، مما أثر سلباً في صحته، فضلاً عن انتشار الذباب والحشرات بشكل كبير في المكان وتطورت الأزمة إلى مشادة كلامية بين الجيران بسبب الدجاج".
في المقابل، يدافع خليل عن مشروعه بأنه مصدر دخله الوحيد. ويشير إلى أنه يدرك أن هذه المزارع تثير سخط الجيران والمواطنين "لكن ما باليد حيلة"، مضيفاً "لا أخشى من مسائلات الحكومة في حال حدثت لأنني سأطلب منهم إيجاد عمل لي قبل أن يطلبوا مني التوقف عن تربية الدواجن"، ويتابع "من يريد أن يغلق مصدر دخلي الوحيد فليتفضل ولينفق على أسرتي لأنني سأتحول بعدها إلى متسول في الطرقات وأصبح من جيش الفقراء الذين وصلوا إلى نحو 80 في المئة".
في هذا السياق، يؤكد الطبيب البيطري عامر جودة أن الحيوانات والطيور تنقل نحو 200 مرض معد، تعرف بالأمراض المشتركة التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، وهي أمراض بكتيرية وجراثيم تصل إلى الفرد القريب من الدواجن عن طريق اللمس أو الهواء.
الزراعة: لن نمنع
أما عن دور الجهات الحكومية، فيقول رئيس قسم الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة أسعد أبو طعيمة إن "توجه السكان إلى تربية الدواجن على أسطح المنازل لكسب الرزق بات ظاهرة من شأنها أن تسهم في الأمن الغذائي للأسرة الفلسطينية في ظل الحصار المفروض على غزة، لكن ذلك يجري من دون الخبرة الكافية للتعامل مع الدواجن وبلا أسس علمية في التربية وعدم الإلمام الكافي بالأمراض التي تنتج من ذلك والافتقار إلى التخطيط المسبق، مما يسبب مشكلات صحية للجيران الذين باتوا يشتكون بكثرة".
ويضيف "تلعب وزارة الزراعة دوراً توعوياً في هذا السياق من خلال توعية الناس بأخطار تربية هذه الطيور أعلى الأسطح وسط التجمعات السكانية، ومن الصعوبة التعامل بحزم ومنع هذه الأمور، بخاصة في ظل ازدياد نسبة البطالة وعدم توافر فرصة عمل لكل معيل أسرة في القطاع".