وكان وزير الخارجية البريطاني جريمي هنت أبلغ نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أن احتجاز الناقلة الإيرانية جاء ضمن إطار القانون الدولي وأن بلاده مستعدة للإفراج عنها إذا أكدت إيران أنها لن تتجه إلى سوريا. لكن إيران راوغت، وتمسكت بادعاء قانونية احتجازها الناقلة البريطانية، الأمر الذي تراه لندن عملاً "عدائياً" و"أقرب إلى القرصنة"، بخاصة أن إيران سبق وهددت بعد احتجاز ناقلتها باحتجاز ناقلة بريطانية، وفشلت محاولة سابقة لها الأسبوع الماضي حين تصدت سفينة حربية كانت تحمي الناقلة البريطانية لزوارق إيرانية.
وفي ظل انسداد أفق الدبلوماسية، تجد بريطانيا نفسها أمام خيارات محدود لمعالجة الأزمة. ويرجع محللون بريطانيون ضعف موقف بريطانيا إلى وجود حكومة هي بمثابة "بطة عرجاء" في السلطة، بانتظار نتيجة تصويت حزب المحافظين الحاكم على اختيار زعيم له ورئيس جديد للوزراء، بين مرشحين أحدهما وزير الخارجية الحالي هنت جيريمي وسلفه في المنصب بوريس جونسون، وهو المرشح الأوفر حظاً.
وتتعالى أصوات في بريطانيا مطالبةً بمعاقبة إيران على الطريقة الأميركية، بإعادة فرض العقوبات عليها والخروج من الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، الذي هدفت منه بقية القوى الموقعة على الاتفاق النووي لتخفيف وطأة العقوبات الأميركية على طهران.
أزمة إيران قبل "بريكست"
ومع تسليم رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي مهام السلطة لخلفها خلال ساعات، سيكون أمام رئيس الحكومة الجديد ملف الأزمة مع إيران في موقع الأولوية متقدماً على مشكلة بريطانيا الأساسية التي أدت إلى أزماتها السياسية الأخيرة: الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وبما أنه من المرجح أن يكون بوريس جونسون رئيس الحكومة العتيد، فالمتوقع أن يكون رد فعله على الصلف الإيراني هو اتخاذ خطوات تعني عملياً خروج بريطانيا من الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة 5+1 (أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) عام 2015.
ويرى معلقون في وسائل الإعلام البريطانية أن جريمي هنت لم يدر الأزمة مع إيران بصرامة لتشتته بين دوره كوزير للخارجية في حكومة تيريزا ماي، وحملته لخلافتها منافساً لجونسون في انتخابات الحزب. ولأن جونسون أكثر حماسة لـ"بريكست" فسيكون قراره بشأن إيران تعبيراً عن سياسة خارجية بريطانية مستقلة عن أوروبا. وقد يصل إلى حد نسخ الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب العام الماضي، بالخروج كلياً من الاتفاق النووي. وكانت بريطانيا ملتزمة حتى الآن بموقف بقية القوى الموقعة على الاتفاق، القاضي بضرورة محاولة إنقاذه حتى تتفاوض طهران وواشنطن على اتفاق جديد. واتفقت بريطانيا في ذلك مع فرنسا وألمانيا، لكن جونسون قد يعلن تمايز موقف بلاده عن ألمانيا وفرنسا.
الخيارات العسكرية
أما العوامل التي سيصعب موقف رئيس الحكومة البريطانية الجديد في التعامل مع الأزمة الإيرانية أن الخيارات العسكرية لبريطانيا محدودة تماماً. ويشعر كثير من البريطانيين بالحرج مع إمعان إيران في الإهانة بنشر فيديو سيطرة قواتها على الناقلة البريطانية في عملية تشبه إلى حد كبير ما فعله مشاة بحرية الأسطول الملكي البريطاني مع الناقلة الإيرانية "غريس 1" في جبل طارق.
ونقلت قناة "سكاي نيوز" الإخبارية عن مصدر في وزارة الدفاع قوله عن الإيرانيين، "قالوا إنهم سيحتجزون سفينة وفعلوا ذلك، وهذا يجعلنا نبدو حمقى تماماً". ويشعر القادة العسكريون في وزارة الدفاع البريطانية بالإحباط، لأنهم وضعوا خططاً لخيارات عسكرية منذ احتجاز الناقلة الإيرانية في مطلع يوليو (تموز) الحالي، في جبل طارق، إلا أن تلك الخطط لم تحصل على موافقة سياسية. وأرجع البعض ذلك إلى غياب رئيس للحكومة في ظل استمرار رئيسة الوزراء المستقيلة حتى بداية الأسبوع لتسلم السلطة للمرشح الفائز في انتخابات زعامة حزبها.
ويرى الخبراء العسكريون أنه على الرغم من ضعف القدرات التسليحية، إلا أن وزارة الدفاع البريطانية تظل تملك واحداً من أكثر جيوش العالم تقدماً وكفاءةً. كما أن التحالف مع الأميركيين وحلفاء آخرين يوفر بعض الخيارات، لكن ذلك كان مناسباً للوقاية مما حدث أكثر من التعامل معه بعد حدوثه.
وكانت بريطانيا سارعت إلى إرسال قطعة بحرية أخرى، "أتش أم أس دنكان"، إلى الخليج هذا الأسبوع وتعتزم إرسال قطعة ثالثة في غضون أسابيع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراجع قوة الأسطول البريطاني
لكن ذلك لا يبدو كافياً لدرء الخطر الإيراني، بخاصة مع تصعيد إيران لعملياتها التخريبية لتعطيل الملاحة التجارية الدولية في ذلك الممر المائي الاستراتيجي. فبينما توجد فرقاطة بريطانية واحدة في الخليج، هي "أتش أم أس مونتروز" قبالة البحرين، تبحر 30 سفينة تجارية ترفع علم بريطانيا في الخليج.
وكانت الحكومات البريطانية المتعاقبة قللت تدريجاً الإنفاق العسكري وضغطت ميزانية وزارة الدفاع منذ نهاية الحرب الباردة. حتى أن مشروعاً لتطوير القدرات الجوية للأسطول الملكي وإدخال تكنولوجيات جديد، تأجل في عهد حكومة ديفيد كاميرون (محافظ) عام 2010.
ولوضع هذا التراجع في سياق مناسب، نشير إلى أنه في الثمانينيات شاركت بريطانيا في حماية ممرات الملاحة والتجارة الدولية في الخليج بمواجهة تخريب السفن التجارية والناقلات من قبل إيران والعراق وعملائهما إبان الحرب العراقية- الإيرانية. وكان لدى الأسطول الملكي البريطاني وقتها في الخليج 40 فرقاطة وأكثر من عشر مدمرات تجوب مياه المنطقة لحماية السفن.
أما الآن، يملك الأسطول الملكي البريطاني نظرياً (على الورق) 13 فرقاطة وست مدمرات، ليست كلها جاهزة للعمل الميداني من حيث القوة البشرية العسكرية والأسلحة وقطع الغيار.
وكان يمكن لطائرات المراقبة البحرية المساعدة في الحماية عبر توفير معلومات استطلاعية للسفن حول ما يدور حولها، لكن بريطانيا لا تملك مثل هذه الطائرات الآن. صحيح أن الأميركيين يملكون طائرات مماثلة تعمل بشكل نشط فوق مياه الخليج، وتشارك معلوماتها مع البريطانيين وغيرهم من الحلفاء، إلا أن ذلك لا يكفي في حالات الأزمات.
ولطالما حذر خبراء عسكريون من أن ضعف الإنفاق على القوة العسكرية البريطانية ستكون له عواقب وخيمة حين تحتاج بريطانيا لتلك القوة للدفاع عن مصالحها وحماية نفوذها.
بانتظار موقف أميركي