استفادت سوق المعادن، وتحديداً الذهب، كثيراً من الخسائر التي طالت البورصات وأسواق الأسهم العالمية والعربية خلال الفترة الماضية.
وفي الغالب، يلجأ المستثمرون إلى الذهب حينما ترتفع حدة التوترات وتسيطر الضبابية على مستقبل الاستثمار، سواء أسواق الأسهم أو السندات. لكن يضاف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط مع استمرار التهديدات الإيرانية واعتدائها المستمر على ناقلات النفط، بخلاف ظهور بوادر لحرب عملات والتي بدأت بالفعل مع الخسائر العنيفة التي تكبدتها عملات الأسواق الناشئة خلال العام الماضي، وما زالت تخسر حتى الآن.
هذا إلى جانب استمرار الحروب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سواء مع الصين أو الهند أو دول الاتحاد الأوروبي، والتي انتهت جميعها بركود حاد في حركة التجارة العالمية مع زيادة حالة الحذر والترقب، وأخيراً الاتجاه إلى الملاذات الآمنة وبخاصة الذهب، الذي صعد بقوة خلال الفترة الماضية.
وتُعرف الملاذات الآمنة بأنها الاستثمار الذي من المتوقع أن يحتفظ بقيمته أو حتى زيادة قيمته في أوقات اضطراب الأسواق، ويلجا المستثمرون إلى الملاذات الآمنة للحدّ من تعرضهم للخسائر في حال تراجعات الأسواق. ومع ذلك، فإن ما يُعتبر ملاذا آمنا اليوم يتغير بمرور الوقت مع تغير ظروف السوق، وما يبدو أنه استثمار آمن في سوق معينة بظروف معينة قد يُصبح استثماراً كارثيا في سوق أخرى بنفس الظروف.
وعادة يُعد الذهب ملاذا آمنا عندما تكون أسواق العملات متقلبة، وما تشير إليه البيانات الرسمية أو الدراسات والحديث عن هروب مليارات ضخمة من أسواق الأسهم، ربما يدفع المستثمرين باتجاه الذهب كأحد أهم الملاذات الآمنة في الوقت الحالي.
عمليات جني أرباح تهوي بالأسعار
في سوق المعادن، وخلال تعاملات صباح اليوم الثلاثاء، نزلت أسعار الذهب في الوقت الذي ارتفع فيه الدولار، وباع بعض المستثمرين المعدن الأصفر لجني الأرباح قبل اجتماع البنك المركزي الأميركي الأسبوع المقبل.
ونزل الذهب في المعاملات الفورية بنحو 0.7% إلى 1415.15 دولار للأوقية (الأونصة). وتراجع الذهب في العقود الأميركية الآجلة بنحو 0.8% إلى 1415.40 دولار.
وارتفع مؤشر الدولار بنحو 0.2% إلى أعلى مستوى في أسبوعين تقريبا، مما شكّل ضغطا على أسعار الذهب، إذ يزيد ذلك تكلفة المعدن الثمين على حائزي العملات الأخرى.
وتجاوزت أسعار الذهب لفترة وجيزة مستوى 1450 دولارا للمرة الأولى في أكثر من ست سنوات الأسبوع الماضي، بعد أن عزز جون وليامز، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي في نيويورك، الآمال في خفض كبير لأسعار الفائدة.
لكن "وليامز" قال إن تعليقاته لم تكن بشأن تحرك فوري في الاجتماع المقبل.
ومن المتوقع وعلى نطاق واسع أن يخفّض البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة في اجتماعه الذي ينتهي في 31 يوليو (تموز) الحالي، لكن التوقعات بخفض أكبر بواقع 50 نقطة أساس زادت وانحسرت بسبب إشارات متباينة من صانعي السياسات في مجلس الاحتياطي الاتحادي.
وبالنسبة إلى المعادن النفيسة الأخرى، فقد تراجعت الفضة بنحو 0.8% إلى مستوى 16.21 دولار للأوقية، وهبط البلاتين بنحو 0.7% إلى مستوى 838.50 دولار.
اتجاه عالمي لزيادة احتياطيات الذهب
في تعاملات نهاية الشهر الماضي، سجل الذهب أعلى مستوياته في 6 سنوات. ومن المتوقع أن يتواصل الطلب القوي من قبل البنوك المركزية على الذهب في المدى القصير والمتوسط، وهو الاتجاه الذي شهد زخماً قوياً في الآونة الأخيرة.
مسح حديث أعده مجلس الذهب العالمي بالتعاون مع شركة الأبحاث "يوجوف"، يشير إلى أن 54% من البنوك المركزية العالمية تتوقع زيادة احتياطيات الذهب خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.
وانتهى المسح إلى استبعاد تراجع احتياطات الذهب لمدة عام مقبل بنسبة "صفر" بالمئة. بينما يرى 38% من البنوك المركزية أن احتياطات الذهب سوف تظل كما هي دون تغيير في الأشهر الـ12 المقبلة، و8% كانت إجابتهم "لا نعلم".
ووفقاً لنتائج المسح، فإن 8% من البنوك المركزية حول العالم ترى احتمالية زيادة احتياطاتها من الذهب في غضون عام، فيما يشير 11% من البنوك المركزية بالأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية إلى أنهم يعتزمون زيادة احتياطاتهم من الذهب في غضون الاثني عشر شهراً المقبلة.
وتعتبر هذه النسبة قريبة من مشتريات العام الماضي، عندما قام 12% من بين 155 بنكاً مركزياً بالأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية بشراء الذهب.
لكن 74% من المُستطلَع آراؤهم قالوا إنهم لا يخططون لتغيير احتياطاتهم من الذهب، في مقابل 3% يعتزمون تقليص تلك الحيازة.
وكان الطلب على الذهب قد ارتفع خلال العام الماضي إلى 651.5 طن، وهو أعلى مستوى مسجل منذ العام 1971، أي في نحو 48 عاماً.
وأرجع مجلس الذهب خلال المسح عمليات شراء الذهب المخططة إلى المخاطر الاقتصادية المرتفعة بشأن العملات التي تستخدم كاحتياطي والمخاطر الاقتصادية البارزة في غضون الاثني عشر شهراً المقبلة.
وعلى المدى المتوسط، ترى البنوك المركزية تغييرات في النظام النقدي الدولي مع دور أكبر لـ"الرنمينبي" الصيني والذهب، وفقاً لنتائج المسح.
الأسهم الأميركية تقود أكبر خسائر الأسواق العالمية
وتشهد الأسواق العالمية في الوقت الحالي عدة مخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم إلى جانب الحروب التجارية، وكذلك التوترات الجيوسياسية، والتي لا يوجد ما يشير إلى توقفها في الوقت الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إشارة إلى الخسائر العنيفة التي تتكبدها الأسواق، أكد تقرير حديث أصدره "بنك أوف أميركا ميريل لينش"، أن المستثمرين سحبوا 15.1 مليار دولار من صناديق الأسهم بعد مبيعات قاربت مستويات قياسية في الولايات المتحدة قبيل قمة مجموعة العشرين، بينما ضخوا 6.3 مليار دولار في السندات في 4 أيام تداول فقط في بداية الشهر الحالي.
وشهد يوم الجمعة قبل الماضي خامس أكبر مبيعات يومية في الأسهم الأميركية على الإطلاق بقيمة 15.7 مليار دولار.
وقال البنك استنادا إلى بيانات من "إي.بي.إف.آر"، إن هدنة التجارة وقرار تخفيف الحظر على "هواوي تكنولوجيز"، اللذين تمخضا عن الاجتماع، أطلقا ثاني أكبر تدفقات أسبوعية على الإطلاق بقيمة 2.4 مليار دولار على صناديق التكنولوجيا.
وتضمنت التدفقات الخارجة من الأسهم نحو 10.9 مليار دولار نزحت من صناديق المؤشرات و4.2 مليار دولار من الصناديق المشتركة. وتكبدت الولايات المتحدة أكبر خسارة للسيولة بقيمة 13.8 مليار دولار، بينما استمر النزوح من أوروبا وبقيمة ملياري دولار.
واجتذبت اليابان تدفقا متوسطا بقيمة 1.3 مليار دولار، بينما سجلت الأسواق الناشئة نزوحا بقيمة 500 مليون دولار. فيما استقطبت السندات تدفقات للأسبوع السادس والعشرين على التوالي وبقيمة 6.3 مليار دولار.
أما بيانات معهد شركات الاستثمار، فقد أشارت إلى أن مستثمرين أميركيين سحبوا خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي أكبر صافي أصول من صناديق الأسهم الأميركية في أكثر من 5 سنوات، رغم ارتفاع الأسهم إلى مستويات قياسية.
وبلغ صافي التدفقات إلى الخارج من صناديق الأسهم المحلية في أميركا نحو 25.1 مليار دولار، وهو الأكبر منذ سحب 25.2 مليار دولار على مدار الأسبوع المنتهي في 5 فبراير (شباط) 2014.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، سحب المستثمرون نحو 30.6 مليار دولار من صناديق الأسهم الأميركية.