ملخص
يفرض #رمضان تناول طعام #الإفطار مع #مغيب_الشمس ما يوجب التنبه لمواءمته مع #الساعة_البيولوجية. ولنتذكر أن الجسم مؤهل للنشاط أثناء الصيام، ويفيده تناول #سحور صحي.
حل شهر الصيام وعاد النقاش عن الساعة البيولوجية. مبروك الصيام للجميع، مع تذكر أن ممارسة الصيام موجودة في أديان وتوجهات روحية كثيرة، وقد تصادف رمضان مع الصوم المسيحي.
مع رمضان، يعود النقاش عن ظاهرة الإفراط في الأكل في وجبة الإفطار، بل تحول كل الليل الرمضاني إلى "مهرجان" للمأكل والحلويات الرمضانية والمشروبات المفعمة بأنواع السكر وما إلى ذلك، بالتالي يعود القلق من مدى تلاؤم تلك الممارسات مع الساعة البيولوجية للجسم.
نقاش مكرر عن الإفراط في الأكل الرمضاني
في عقود خلت، ترافق مجيء رمضان عربياً مع انطلاق الإعلام العام في نقد عادات الإسراف في الطعام. قبل عقود، رنت أغنية صباح وفؤاد المهندس "الراجل ده ح يجنني" التي تنتقد بكلمات ضاحكة الإفراط في تناول "السلطات والمحشيات والمشويات والحلويات" وما إلى ذلك، بعد نهار الصيام. ترددت الأغنية سنوات طويلة، ويعرفها أكثر من جيل.
وفي المنحى الطبي الصرف، ثمة قلق علمي من الأكل بعد غياب الشمس، إذ تحتوي أجسامنا على ساعة بيولوجية تضبط إيقاع كثير من العمليات الأساسية فيها، بما في ذلك عمل الهرمونات ووظائف الدماغ. تعمل الساعة البيولوجية أساساً على تنظيم النوم واليقظة، فتؤهل الجسم للرقاد ليلاً وللنشاط نهاراً، إذ ترتبط آلية عمل الساعة البيولوجية بالشمس وإيقاع الليل والنهار.
ومع قدوم الفجر، تدفع تلك الآلية بالجسم إلى حرق السعرات الحرارية في النهار كي تكون وقوداً للحركة والنشاط. وبعد المغيب وحلول الليل، تفرض الساعة البيولوجية على الجسم أن يخفف حرق السعرات الحرارية التي تأتيه من المأكولات أساساً، فيعمل الجسم على تحويل كل مصدر للطاقة إلى دهون باعتبارها المخازن شبه الحصرية للطاقة.
بالتالي، يؤدي الإفراط في إعطاء الجسم سعرات حرارية وطاقة بعد مغيب الشمس، إلى تحويلها إلى دهون وشحوم، بما في ذلك تلك التي تتراكم طبقات تحت الجلد، أو التي تنسرب إلى جدران الشرايين فتؤدي إلى تصلب تلك الأوعية الدموية، وتمهد للجلطات والانسدادات فيها. ويعني ذلك فتح طريق واسع أمام الذبحات الصدرية والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وغيرها، إضافة إلى تفاقم الاضطراب في مستويات الغلوكوز لدى من يعانون مرض السكري وما إلى ذلك.
إذاً، تقتضي الحكمة أن يترافق الصيام مع الاعتدال في وجبة الإفطار، بل الإكثار في الاعتدال بعد تلك الوجبة وعدم السقوط في أفخاخ السكر المنصوبة في أنواع الحلويات والمشروبات السكرية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدهون المنتشرة في أنواع الـ"فاست فود" والشوكولاتة والمأكولات الدسمة وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتدال الإفطار وغنى السحور
في المقابل، ربما يجدر التفكير في السحور من منظور الساعة البيولوجية. فمن الوجهة البيولوجية، يبدأ الجسم في الاستيقاظ قبيل طلوع الشمس، بالتالي تشرع الساعة البيولوجية في العودة إلى نظام حرق السعرات الحرارية. وقد يكون مفيداً تناول سحور صحي معتدل، مع التركيز على الأطعمة الغنية بالألياف والنشويات التي تفكك ببطء، على غرار العدس والفول والخبز الأسمر والبطاطا غير الحلوة وغير المقلية وسواها. ويفيد ذلك أيضاً في إمداد الجسم بالطاقة أثناء نهار الصوم.
هناك ميزة اخرى يملكها الجسد البشري تتمثّل في قدرته على التأقلم مع قلة الأكل. فمع انخفاض امدادات الطعام، يحدث نوع من التأقلم في حرق السعرات الحرارية ما يؤدي إلى خفض ما يستهلكه الإنسان من كمية الطاقة أثناء بذل مجهود معين. إذا مشيتْ ساعة وحرقت ثلاثمائة سعرة حرارية في الأحوال العادية، فإنك ستحرق مائتين إذا بذلت الجهد نفسه في ظل نقص إمداداتك من الطعام. إنه نوع من التأقلم التطوري لاستمرارية البقاء في ظل المجاعات مثلاً. وبالتالي، لا مبرر للكسل في نهار الصوم بدعوى عدم الأكل، خصوصاً مع التقدم في شهر الصيام.
وفي أكثر من بلد عربي، ضربت قسوة العيش والأزمة الاقتصادية الطاحنة وتهاوي قيمة العملات الوطنية، المائدة الرمضانية. وقد أضيف إليها طبق الحرمان من أنواع أساسية في الطعام الصحي، خصوصاً الدواجن بلحومها البيضاء، واللحوم الحمراء والبيض والأسماك والفواكه.
الأرجح أنها معاناة قاسية أن يأتي كل ذلك الحرمان في رمضان، فترى عين الصائم ما يتوق إليه، بل من حقه، من الأكل، ثم لا تستطيع يده الوصول إليه، وتحرم منه أيضاً أفواه الطفولة والأمومة في هذه الأزمة الطاحنة.
المفارقة المأساوية، أن ضيق ذات اليد يؤدي إلى تناول أطعمة فقيرة بالبروتينات والمعادن والفيتامينات المهمة، لكنها قد تحتوي على كثير من المأكولات الغارقة في السكر والمشربة بالزيوت الثقيلة غير الصحية وغيرها.
إنها مفارقة مأساوية تضع الصائم أمام إشكالية طاحنة مع الساعة البيولوجية، لأنه لا يملك من الموارد ما يتيح له إمداد جسده بالطعام الصحي بعد نهار الصيام ولا يستطيع التوصل إلى التوازن بين أساسات ما يحتاج إليه جسمه، والساعة البيولوجية.