ملخص
يعتبر الخبراء المشي تمريناً بسيطاً وفعالاً يعزز الصحة العامة، حيث يقلل من مخاطر الوفاة ويحسن صحة القلب وينظم مستويات السكر في الدم، ويقدمون بعض النصائح لزيادة فعاليته
القول إن "المشي هو من أفضل التمارين التي يمكن للفرد القيام بها" قد يثير على الأرجح نقاشاً واسعاً. فمحبو ممارسة تمارين تنشيط القلب والأوعية الدموية Cardio، قد يجادلون بأن الجري هو أكثر فاعليةً ويُحقق نتائج أفضل، بينما يؤكد مرتادو الصالات الرياضية أن التمارين بالأثقال هي الأساس لاكتساب القوة والحفاظ على الصحة على المدى الطويل. إلا أن أحد الخبراء في هذا المجال يقدم أدلةً قويةً على أن المشي يظل الخيار الأمثل.
يقول الدكتور إيلروي أغويار الأستاذ المساعد في علوم التمارين الرياضية في "جامعة ألاباما"، والمتخصص في النشاط البدني القائم على الخطوات "يتميز المشي بأنه متاحٌ وسهلُ الممارسة، فهو بالنسبة إلى جميع الناس منخفض الكلفة، ولا يتطلب معداتٍ خاصة، ولا يحتاج الذين يمارسونه لأن تكون لديهم مهارات متقدمة - لذا يمكن اعتباره الأفضل".
لكن على رغم سهولة المشي وفوائده الكثيرة، يظل كثيرون محتجزين في مكاتبهم أو منشغلين بإيقاع حياتهم السريع، وأحياناً يركضون فعلياً من دون الحصول على الفائدة الصحية المرجوة. ولهؤلاء، يقدم الدكتور أغويار نصائح بسيطة لزيادة فعالية خطواتهم اليومية وتحقيق أقصى استفادة منها.
التركيز على الإيقاع
وفقاً لإرشادات "منظمة الصحة العالمية"، ينبغي على الأشخاص البالغين ممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني معتدل الشدة، أو 75 دقيقة من التمارين البدنية القوية، أو مزيج من الاثنين في الأسبوع.
ومع أن أي حركةٍ إضافية تظل مفيدةً للصحة، إلا أن الأفراد الذين يعانون من ضيق الوقت قد يستفيدون أكثر من التمارين والأنشطة ذات الشدة العالية. ومن أسهل الطرق لتعزيز فوائد المشي هي زيادة وتيرته من خلال تسريع الخطوات، وهو ما يُعرف أيضاً بزيادة الإيقاع.
ويقول الدكتور أغويار "أظهرت دراساتنا [المنشورة في "المجلة البريطانية للطب الرياضي" British Journal of Sports Medicine] أن المشي بإيقاع يصل إلى 100 خطوة في الدقيقة، يُعد نشاطاً ’متوسط الشدة‘. وتُشير جميع الأبحاث في هذا المجال إلى أن معظم الفوائد الصحية للمشي تتحقق عندما تكون الشدة متوسطة أو أعلى".
ويضيف أن تحقيق هذه الوتيرة هو أسهل مما يبدو، بحيث يختار معظم الأشخاص بشكلٍ طبيعي إيقاعاً يتفاوت ما بين 110 و115 خطوة في الدقيقة عند المشي بنشاط في الشارع.
ويرى الدكتور أغويار أنه "للوصول إلى الشدة العالية، يمكن المشي بسرعة 130 خطوة في الدقيقة. ومن خلال الحفاظ على هذه الوتيرة أو زيادتها بشكلٍ طفيف، يمكن الانتقال بفعالية من الشدة المعتدلة إلى الشدة العالية، ما يعزز الفوائد الصحية للنشاط البدني".
نصائح سريعة في 10 ثوان:
• زيادة عدد الخطوات في الدقيقة "لتحقيق أقصى استفادة من نشاط المشي".
• تحديد هدف 100 خطوة في الدقيقة للتمرين متوسط الشدة، أو 130 خطوة في الدقيقة للتمرين عالي الشدة.
دقيقة واحدة من النشاط البدني عالي الشدة يمكن أن تكون مفيدة
تستند هذه النصيحة إلى دراسةٍ أخرى أعدها الدكتور أغويار، وقد نُشرت في "المجلة الاسكندنافية للطب والعلوم في الرياضة" Scandinavian Journal of Medicine and Science in Sports في عام 2024.
من أهم ما جاء فيها أن زيادة كمية التمارين الرياضية ونوعيتها (أي مدى شدتها) مرتبطة بتحقيق نتائج صحية أفضل، بحيث أظهرت الدراسة أن دقيقةً واحدة فقط من النشاط عالي الشدة يمكن أن تسهم في خفض مستويات "متلازمة التمثيل الغذائي" Metabolic Syndrome.
"متلازمة التمثيل الغذائي" هي مجموعة من خمسة عوامل خطر على القلب والأوعية الدموية وتشمل: زيادة محيط الخصر [دهون البطن]، وارتفاع مستوى الدهون الثلاثية Triglycerides، وانخفاض مستويات "البروتين الدهني عالي الكثافة" HDL (الكوليسترول الجيد)، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم. ببساطة، إذا كان الفرد يسعى إلى تقليل الدهون في جسمه، وخفض نسبة السكر في الدم وضغط الدم، وتحسين مستوى الكوليسترول لديه، فإن ممارسة تمارين رياضية عالية الشدة لفتراتٍ قصيرة، قد تُحدث فارقاً وتساعد في ذلك.
ويوضح الخبير في الطب الرياضي أن "النمط القائم على مراكمة كميةٍ كبيرة من المشي طوال اليوم، ثم تخصيص ما لا يقل عن 30 دقيقة من المشي السريع أو الركض، يُعد طريقة فعالة لتقليل كل عاملٍ من عوامل الخطر المرتبطة بالحالات الصحية التي سبق ذكرها".
ويضيف الدكتور إيلروي أغويار "من أبرز الاكتشافات المثيرة في دراستنا هو أنه من خلال مراقبة أعلى دقيقة من النشاط البدني المكثف الذي يقوم به الشخص يومياً، يمكننا توقع ما إذا كان يعاني من عامل واحد أو أكثر من عوامل الخطر المرتبطة بـ ’متلازمة التمثيل الغذائي‘. وبالتالي، حتى دقيقة واحدة فقط من التمارين عالية الشدة يمكن أن تُحدث فارقاً كبيراً في تحسين صحة الفرد بشكلٍ ملحوظ."
خلاصة سريعة في 10 ثوان:
• زيادة كمية التمارين الرياضية وتحسين نوعيتها (مثل زيادة عدد الخطوات وسرعة المشي) يمكن أن تساعد في تقليل محيط الخصر، وتنظيم مستوى السكر في الدم، وخفض ضغط الدم، وتحسين مستويات الكوليسترول.
• دقيقة واحدة فقط من النشاط البدني عالي الشدة يومياً قد يكون لها تأثير إيجابي على الصحة.
القيام بحركة بعد تناول الطعام
يقول الدكتور أغويار "نعلم أن القيام بتمارين رياضية ولو لفترة قصيرة يمكن أن يكون له تأثير فوري، بحيث يساعد على خفض في ضغط الدم وتقليل مستوى السكر على الفور. وهذا يتوافق مع نتائج دراسة أخرى حول المشي بعد تناول وجبات الطعام".
وفي هذا الإطار، لاحظ الباحثون أن لدى الكبار في السن المعرضين لخطر "ضعف تحمل الغلوكوز" [صعوبة الجسم في معالجة الغلوكوز بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوياته في الدم أكثر من المعتاد]، أسهم المشي لمدة 15 دقيقة بعد الوجبات، في استقرار في مستويات السكر في الدم لديهم طوال اليوم، مع تسجيل انخفاضاتٍ وارتفاعات حادة أقل. والسبب في ذلك يرجع إلى أن ممارسة الرياضة تحفز امتصاص الغلوكوز في خلايا العضلات لاستخدامه مصدراً للطاقة، ما يمنع ارتفاع معدل السكر في الدم بعد تناول الطعام. وهذا بدوره يقلل من خطر الإصابة بـ "مقاومة الإنسولين" Insulin Resistance .
ويوضح الدكتور أغويار أن "مقاومة الإنسولين تتطور تدريجاً على مر السنين والعقود، بحيث يصبح الجسم أقل استجابةً لتأثير هذا الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم، وذلك نتيجة الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات".
ويتابع "تصبح عضلات الجسم، بسبب خمولها، أقل قدرة على الاستجابة للإنسولين، ما يؤدي إلى فقدان فعاليته. في هذه المرحلة، قد يصبح من الضروري اللجوء إلى أدوية مثل الإنسولين الاصطناعي أو عقاقير أخرى، مثل الـ "ميتفورمين" Metformin للمساعدة في تنظيم مستويات الغلوكوز في الدم".
مع ذلك، يُشدد على وجوب اعتبار هذه الأدوية بمثابة "ملاذ أخير". فقبل تطور مقاومة الإنسولين بفترة طويلة، يكون الجسم قد بدأ بالفعل مواجهة صعوبة في تنظيم مستويات الغلوكوز، لذا تُعد التمارين الرياضية - ولا سيما منها المشي - "استراتيجيةً أساسية وتوصية سلوكية باتباع نمط حياة صحي" للتعامل مع هذه المشكلة.
ويشير الدكتور أغويار إلى أن [المشي بعد تناول وجبات الطعام] يساعد على "تخفيف العبء على البنكرياس، ويعزز قدرة العضلات على امتصاص الغلوكوز واستخدامه مصدراً للطاقة. وعلى المدى الطويل، يساعد هذا التأثير في الوقاية من أمراض مثل متلازمة التمثيل الغذائي، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم. ويمكن لـ 15 دقيقة فقط من المشي بعد كل وجبة رئيسة أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على صحة الفرد".
خلاصة سريعة في 10 ثوان:
• 15 دقيقة من المشي السريع بعد كل وجبة رئيسة تساعد على ضبط مستويات السكر في الدم.
• ممارسة المشي بانتظام تقلل من خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم.
المشي بحقيبة محملة بأثقال
يعتمد هذا التمرين على المشي لمسافات طويلة مع وزن إضافي يُوضع عادةً في حقيبة ظهر. يمكن القيام بذلك باستخدام معداتٍ خاصة، مثل حقيبة ظهرٍ مصممة خصيصاً ومزودة بألواح أوزان، أو ببساطة عن طريق وضع بعض الأغراض الثقيلة في حقيبةٍ متينة والانطلاق في نزهة سير على القدمين.
السؤال البديهي هو: لماذا قد يرغب أحدٌ في القيام بذلك؟
يجيب الدكتور أغويار "إن إضافة وزن أثناء المشي تتطلب بذل طاقةٍ أكبر للحركة. وسيزيد ذلك من استهلاك الأوكسيجين، ويرفع معدل نبضات القلب، خصوصاً إذا ما حاول الفرد الحفاظ على سرعة المشي نفسها".
وكما جرى توضيحه سابقاً، فإن زيادة الوزن المحمول أثناء المشي تعزز شدة التمرين، ما يرفع معدل حرق السعرات الحرارية، وقد يحسن فوائد تمارين القلب في المدة الزمنية ذاتها. لكن الإيجابيات لا تتوقف عند هذا الحد.
ويقول الدكتور أغويار "عند وضع ثقل إضافي، ستعمل جميع عضلات الجزء السفلي من الجسم - بما فيها عضلات الفخذ الأمامية، وأوتار الركبة، وعضلات الساق - على التأقلم مع هذا الجهد الإضافي، ما قد يسهم في تعزيز القوة وكثافة العظام، خصوصاً عند الاستمرار في ذلك لفترة طويلة".
ويضيف الخبير في علوم التمارين الرياضية: "ربما لا تمنح ممارسة هذه الرياضة التأثير نفسه الذي تحققه تمارين المقاومة أو التحمل، لكنها قد تساعد في زيادة الكتلة العضلية بدرجة معينة".
للبدء في ممارسة المشي بوزن إضافي، يُنصح بحمل بضعة كيلوغرامات قليلة في حقيبة أثناء التمرين، ثم زيادة الوزن تدريجاً مع تحسن مستوى اللياقة. يتعين البدء بوزن خفيف ثم زيادة الحمل تدريجاً لمنح الجسم الوقت الكافي للتكيف مع هذا الجهد الإضافي، والتقليل من مخاطر الإصابة.
نصائح سريعة في 10 ثوان:
• حمل حقيبة ظهر ثقيلة أثناء المشي يزيد من شدة التمرين، ما يرفع معدل حرق السعرات الحرارية، وربما يُحسن اللياقة القلبية الوعائية أيضاً.
• المشي بأثقال يمكن أن يعزز قوة العضلات وكثافة العظام في الجزء السفلي من الجسم.
• يوصى بالبدء بأوزان خفيفة وزيادتها تدريجاً لمنح الجسم الوقت اللازم للتكيف مع هذا الجهد الإضافي وتقليل مخاطر الإصابة.
ما هي فوائد المشي؟
حتى من دون اللجوء إلى أيٍ من هذه التقنيات، يبقى المشي بحد ذاته نشاطاً صحياً ذا فوائد كبيرة، وتؤكد الأبحاث على ذلك أكثر فأكثر.
ويوضح الدكتور أغويار أنه "على مدى العامين أو الأعوام الثلاثة الخيرة، صدرت دراسات واسعة تناولت العلاقة بين المشي والصحة، بما في ذلك تأثيره على تقليل معدلات الوفيات لأي سببٍ كان، وهو تعبير مُنمق للإشارة إلى جميع أسباب الوفاة المحتملة".
ويضيف: "تُظهر هذه الدراسات أن المشي، حتى لو كان بكمياتٍ معتدلة، يرتبط بانخفاضٍ ملحوظ في خطر الوفاة لأي سبب".
وفي هذا الإطار، أشارت دراسة تحليلية نُشرت عام 2023 في "المجلة الأوروبية للوقاية من أمراض القلب" European Journal of Preventive Cardiology إلى وجود "ارتباط عكسي كبير بين عدد الخطوات اليومية ومعدل الوفيات لجميع الأسباب، وكذلك الوفيات القلبية الوعائية، إذ ينخفض خطر الوفاة كلما زاد عدد الخطوات، وتحديداً بعد تجاوز حد معين يبلغ 3867 خطوة يومياً للوفيات العامة و2337 خطوة يومياً للوفيات القلبية.
بمعنى آخر، كلما زاد عدد الخطوات اليومية، تراجع خطر الوفاة، ويمكن أن يكون للنشاط الإضافي القليل تأثيرٌ كبير. ووفقاً للدراسة، فإن "كل زيادة بمقدار ألف خطوة، تقلل خطر الوفيات لجميع الأسباب بنسبة 15 في المئة، بينما كل 500 خطوة إضافية تقلل خطر الوفيات القلبية الوعائية بنسبة 7 في المئة".
وفي دراسةٍ أجرتها "جامعة غرناطة" الإسبانية عام 2023، سعى الباحثون إلى تحديد العدد الأمثل للخطوات اليومية، وخلصوا إلى أن زيادة الحركة تعود دائماً بفوائد صحية، لكن أبرز الفوائد لصحة القلب تتحقق عند المشي نحو 7 آلاف خطوة يومياً. كما أشارت الدراسة إلى أن الهدف الشائع المتمثل في بلوغ هدف الـ 10 آلاف خطوة يومياً "لا يستند إلى أساسٍ علمي"، لكنه قد يكون وسيلةً محفزة لتعزيز النشاط البدني اليومي.
وبعيداً من تقليل معدل الوفيات لأي سبب، تعتمد الفوائد الأخرى للمشي على مستوى اللياقة البدنية للفرد. فعلى سبيل المثال، لن يحقق عداءٌ أولمبي يخضع لبرنامج تدريبي مكثف تحسناً يُذكر في لياقته القلبية من خلال المشي السريع وحده، نظراً إلى أنه يتمرن بالفعل ضمن مستوى متقدم. وينطبق الأمر ذاته على مرتادي الصالات الرياضية، إذ لا يكفي المشي 10 آلاف خطوة يومياً لبناء قوة عضلات الساقين.
مع ذلك، إذا كان الفرد قليل الحركة أو لا يمارس أي نشاط بدني في الوقت الراهن، فإن المشي سيشكل حافزاً كافياً لإحداث تغييراتٍ ملموسة. وتشمل هذه التغييرات تعزيز صحة القلب واللياقة القلبية الوعائية، وتقوية العظام والمفاصل والعضلات في الجزء السفلي من الجسم، ما يقلل من خطر التعرض لإصابات، إضافة إلى زيادة حرق السعرات الحرارية اليومية للمساعدة في ضبط الوزن.
© The Independent