بدأت وزارة الخارجية البريطانية تبدو وكأنها قسم في إدارة ترمب – حيث المسؤولون الكبار يستقيلون، أو يُجمَّدون أو يحاولون احتلال منصب رئاسة الوزراء. كل هذا لا يساعد كثيرا وسط الأزمة الكبيرة مع إيران.
فوزير الخارجية، جيريمي هانت، غير متأكد من حصوله على المنصب الذي من المحتمل أنه سيخسره لصالح بوريس جونسون في السباق القائم على رئاسة الحكومة البريطانية القادمة؛ بينما أوقِف مارك فيلد، أحد كبار المسؤولين في الوزارة، عن العمل، لحين انتهاء التحقيق في حادثة دفعه ناشطة من حركة "غرين بيس" البيئية بقوة خلال إحدى المناسبات.
مع احتجاز ناقلة النفط ستينا إمبيرو، سقط هانت ومكتبه في فخ السعي للقيام بأكثر مما ينبغي، ولكن بنتائج أقل من اللازم. إذ كانت طهران هددت بالانتقام بعد مساعدة قوات البحرية الملكية في احتجاز ناقلة النفط الإيرانية، غريس 1، بالقرب من ساحل "جبل طارق"، بدعوى تطبيق العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا. وقد كشفت هذه الحادثة عن العدد القليل للسفن البريطانية العاملة حاليا وهو ما يحد من قدرة القوات البحرية على منع وقوع حوادث مثل احتجاز الناقلة البريطانية من قبل "الحرس الثوري" الإيراني. في الوقت نفسه، يتهم البعض الوزراء في الخارجية بأنهم أهملوا هذه المشكلة بسبب تركيزهم الكبير على ملف بريكست.
وشكك البعض هنا بدور الولايات المتحدة في دفع بريطانيا لاتخاذ إجراء ( مثل اعتراض السفينة غريس I ) لمساعدة واشنطن على رفع مستوى الضغط على طهران، على الرغم من أن المسؤولين ينكرون ذلك. مع ذلك، فإن الحكومة البريطانية التي توقعت أن تقدم واشنطن لها المساعدة بما يخص الناقلة المحتجزة ستينا إمبيرو، فوجئت بتنبيه قاسٍ وجهه وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، أمس. ففي مقابلة أجرتها معه قناة فوكس الإخبارية، المحطة المفضلة لدى الرئيس ترمب، قال بومبيو إن على المملكة المتحدة أن تهتم بسفنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد إقرار بومبيو الأخير لقناة فوكس نيوز، أحاط هانت البرلمان بأن بريطانيا ستسعى إلى تشكيل قوة حماية بحرية مع الاتحاد الأوروبي لضمان نقل بحري آمن عبر مضيق هرمز، لكن المملكة المتحدة الآن في وضع شديد التعقيد، إذ تجد نفسها عالقة ما بين سياسة الولايات المتحدة وسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إيران. فواشنطن لا تريد سوى ممارسة الضغط، والتوترات ازدادت منذ سحب ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع طهران. في المقابل، يبذل الاتحاد الأوروبي كل الجهود لإبقاء الاتفاق النووي مع إيران، بينما ظلت المملكة المتحدة (غير المتحمسة أيضا لرؤية انهيار الاتفاق) تسعى إلى استخدام نهج دبلوماسي أكثر نعومة لإبقاء إيران ملتزمة به.
الاستمرار في محاولة تحقيق التوازن بين سياستي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه إيران، وإبقاء الطرفين راضيين، جعل بريطانيا في وضع مهزوز. فأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي يقولون إن الحكومة ستكون قادرة على تحديد سياساتها في العالم (بمعزل عن أوروبا) بعد تنفيذ بريكست، لكن مع غياب أي مؤشر على قرب تحقيق ذلك (أي الخروج من أوروبا) يعني أن لندن خائفة من فقدان شريك تجاري ضخم كالولايات المتحدة، بينما هي تحاول الاستمرار في الظهور، كقوة عظمى قادرة على حفظ الأمن على المستوى العالمي كجزء من الاتحاد الأوروبي.
غير أن التعبير عن هذا التوجه أسهل من تطبيقه على أرض الواقع- مع توسيع وزارة الخارجية دور المملكة المتحدة دون أن تأخذ بنظر الاعتبار سنوات من تقليص النفقات العسكرية والتنفيذ البطيء لمشاريع بعيدة المدى. فبريطانيا في وضع محرج على المسرح العالمي بسبب افتقارها للسفن الحربية والقيادة والاستراتيجية. وقد يحاول المسؤولون القيام بما هو في استطاعتهم للمساعدة على إعادة "ستينا إمبيرو" وطاقمها- لكنهم يقومون بهذه المهمة بنفس الطريقة الفوضوية التي أصبحت العلامة التجارية لرئاسة ترمب. لذلك، فإن رئيس الوزراء الجديد أمامه عمل كبير ينتظره.
© The Independent