ملخص
#اللون الرمادي مثل وباء مستفحل في #حسابات تجديد المنازل على "إنستغرام"، حيث يستبدل أرباب البيوت أثاثا رماديا وورق جدران باهتا بالبلاط الملون والأحواض ذات اللون الوردي الشاحب
لا بد أنكم صادفتم هذا النوع من الصور التي تقارن بين قبل وبعد. صور "قبل" تظهر بلاطات على النمط الفيكتوري تزين محيط الموقد، أو رفاً خشبياً فوق المدفأة، أو مغسلة بلون وردي شاحب مع حمالة صابون متناسقة مثبتتين على جدار يغطيه بلاط ملون. ثم تستعرض صور "بعد" وتجد نفسك غارقاً فجأة في عالم من درجات اللون الرمادي، بطريقة معاكسة لما حدث مع دوروثي فيل فيلم "ساحرة أوز" The Wizard of Oz التي تنتقل من عالم الأبيض والأسود إلى الألوان. تزعق المنشورات وهي تدعوك لرؤية هذا التحول المذهل! تم هدم أو إزالة كل عنصر بناء مميز وفريد، كي نتمكن من تحقيق التصميم الذي يعكس ملكيتنا للمنزل الذي كنا نحلم به. وهذا الحلم - الذي وفرنا المال وقترنا على أنفسنا وسعينا جاهدين من أجله، هو أن نعيش في المنطقة الرمادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جدران رمادية وأرضيات رمادية وأريكة زاوية بلون رمادي. سرير بظهر رمادي من المخمل اللامع. أسوار رمادية تحيط بحدائق نزعت الحياة منها من أجل البلاط الرمادي والحصى الذي يرصف الممشى. أثاث حدائق من الخيزران الرمادي وموقد نار رمادي. يا له من مشهد حارق وصالح جداً لـ"إنستغرام"! هذ التوجه الذي يُطلق عليه اسم "الطاعون الرمادي"، الذي يبالغ في حياده ولونه الرمادي "القاتل"، صار الصبغة التي تميز عصرنا لفترة تبدو وكأنها استمرت لدهر. في كل شارع تقريباً وفي كل ركن من أركان الإنترنت، ستجد عمليات إعادة ديكور المنازل الجادة هذه، حيث يتم تدمير كل العناصر المميزة لمصلحة العيش في بناء عديم الألوان وكأنه مصنوع من قطع الليغو. أنت تنظر إلى كل تجربة مكررة جديدة، نسخة طبق الأصل تقريباً من التجربة التي سبقتها، ومن الصعب ألا يشعر المرء بالرعب. هل هناك مؤامرة لانتزاع الألوان من العالم؟ لماذا يتلهف كثير من الناس إلى إضافة فلتر رمادي إلى واقعهم، وتغطية كل شيء بطلاء ممل هو أقرب ما يكون إلى عدسة الاكتئاب التي تشوه كل شيء؟ كما قال أحد مستخدمي موقع "ريديت": "ببساطة، من المؤذي للروح أن تعود إلى منزلك بعد قضاء ليلة شتوية بريطانية رمادية شديدة البرودة في الخارج، ثم انظر! يبدو منزلك بأكمله مثل الخارج". لماذا يبدو كل شيء متشابهاً وفظيعاً أيضاً؟
من أواخر العقد الأول من الألفية وإلى الآن، نعيش في خمسين مسحة من اللون الرمادي لكن ليس بطريقة مثيرة كما في رواية "خمسون طيفاً من غراي". رمادي بلون الفحم أو الإسمنت المسلح أو حجارة الأردواز. أو إذا كنتم تبحثون عن اسم معبر أكثر، لماذا لا تستخدمون الرمادي بدرجة "أنفاس الفيل" الذي صُنف ضمن أفضل 10 ألوان تبيعها شركة "فارو أند بول" لصناعة الطلاء خلال السنوات الـ 12 الماضية، وحصل على لقب "لون طلاء العقد" في المملكة المتحدة. مثلما كان اللون البني في السبعينيات، ولون الماغنوليا الأبيض في الثمانينيات والتسعينيات، فإن اللون الرمادي هو اللون المحدد للعصر. يمكن إلقاء اللوم في هذا، من بعض النواحي، على شركة آيكيا للمفروشات. في أواخر التسعينيات، عندما بدأت الشركة السويدية في اقتحام أسواق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمفروشاتها البسيطة وشديدة التحمل التي يركّبها المستخدمون بأنفسهم، بدأت موضة أسلوب الديكور الاسكندنافي بالظهور. صار المحايد والطبيعي الأفضل. بعد ذلك، كانت هناك دفعة من الصبغة الصناعية والطموح الفني الذي ساد العشرية الأولى من القرن، وراحت المقاهي والحانات تبدو مثل المصانع إلى حد ما، بكل تلك الزوايا غير المنمقة، واللمبات المكشوفة، وبالطبع البلاط المصنوع من المعدن أو الإسمنت المسلح أو الأردواز. كان هذا الأسلوب متّبعاً بدرجة أقل في المنازل لكن الفكرة الأساسية كانت نفسها. عنى أسلوب الحياة البسيط الذوق الرفيع؛ وعنى اللون الرمادي المعاصرة والعصرية والحداثة.
مع ذلك، بصدق، كان ينظر إلى الألوان المحايدة كخيار راق لعدة قرون. أكد يوهان فولفغانغ فون غوته في كتابه "نظرية الألوان" المنشور في عام 1810، أن الألوان الزاهية تناسب الأطفال والحيوانات وليس البالغين. ولطالما كان يُنظر إلى الألوان الصريحة على أنها أنثوية أو طفولية أو رخيصة ببساطة. من ناحية أخرى، غالباً ما ارتبط الهدوء والبساطة بالذائقة الرفيقة. لكن الأهم من كل هذا، فإن تشكيلة الألوان الرمادية المحايدة بلا طعم. إنها معقولة وعملية ومتعددة الأغراض ومملة بالتأكيد، لكن يُعتقد أيضاً أنها تبعث الهدوء في النفس، كخلفية خالية من التوتر.
إذن، هل هذا هو السبب الحقيقي وراء تحول كل شيء إلى اللون الرمادي؟ هل لأننا نعيش في عصر الشاشات وعدم الاستقرار، يتطلع جميعنا إلى شيء مهدئ؟ إنه لا يسيطر فقط على منازل الناس في نهاية المطاف - شغّل التلفزيون أو اذهب إلى السينما وسترى أن هذه "الحمى" الرمادية قد طاولتها بدرجة ما. لم تعد التكنولوجيا التي نستخدمها يومياً أيضاً ساطعة ولامعة، بل بألوان البرونز والفضة والكروم. هل هذه علامة رقي الذائقة والنضوج، أم علامة على أن الناس يعانون من إفراط التحفيز والإجهاد؟ منذ الألفية المشرقة فصاعداً، أصبحت الأشياء التي نحيط أنفسنا بها أكثر برودة بشكل تدريجي، بينما تزداد سخونة السياسة والمناخ على مستوى العالم.
قالت كيم كارداشيان، ملكة أسلوب العيش البسيط، في أوائل عام 2020: "كل شيء في العالم الخارجي فوضوي جداً. أحب أن أشعر بالهدوء على الفور عند دخولي إلى مكان ما". في حين وصف كثيرون قصر كارداشيان قليل المفروشات والأشبه بالدير بأنه "رديء وبلا روح"، يبدو أن هذا الشعور ساد بقوة أكبر خلال وباء كورونا - عندما تحولت منازلنا إلى ملاجئ فعلية في مواجهة حالة عدم اليقين والتهديد الذي يشكله الفيروس في الخارج. أُجبرت منازل الناس على أن تصبح ملاجئ متعددة الأغراض، لذلك كان من المنطقي أنها ستصبح في الوقت نفسه أكثر أهمية، وأكثر كآبة، وبلا حياة ومملة. إذا كنت تجلس بالداخل وتحدق في الجدران الأربعة نفسها يومياً، فربما تفضل أن تكون مطلية بدرجة هادئة من درجات الرمادي من أجل سلامتك العقلية. وعلى هذا النحو، مثلما أدى الوباء إلى عصر جديد من العمل من المنزل، فقد ألهم أيضاً طفرة في تجديدات المنازل التي يقوم بها الأشخاص بأنفسهم – تجديدات مستوحاة من صور مشاريع مماثلة تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك التي تعطي الأولوية لخلق طابع مهدئ ومريح.
على كل حال، فإن درجات الرمادي الأزلية هذه هي في الواقع موضة قديمة بالفعل. مثل لون الماغنوليا، تسلل الرمادي إلى كل صرعات الديكور الداخلي للمنازل - من اتجاه طموح وعلامة على الذوق الحضري الراقي إلى الاختيار الشائع بين ملّاك العقارات في كل مكان، الذين يتطلعون إلى زيادة أرباحهم الشهرية بطبقة من الطلاء بدرجة "أنفاس الفيل" فوق الجراثيم المعششة في بقع العفن المرئية. مثل الخشب القديم المعاد استخدامه والديكورات الصناعية، أصبح اللون الرمادي الآن رمزاً مؤكداً لما يُطلق عليه "الأسلوب العالمي للشقق المؤجرة". إنه موجود في كل مكان وسهل ورخيص و... محبط في فترة أزمة السكن.
أكثر من بهته الممل، إنه حقاً أسوأ جانب في الموجة الجديدة من محتوى تجديد المنازل. الجانب الذي يجعلني أرغب في فقء عيني في كل مرة أرى فيها شخصية مؤثرة أخرى تجرد موقداً آخر من البلاط الجميل الذي يزينه. لأنه لم يسبق للسكن أن كان بمثل هذه الكلفة – أغلى من قدرة المرء على الشراء، وبعيداً جداً من متناول الأجيال الشابة. كشفت أبحاث أجريت لمصلحة صحيفة "ذا غارديان" في ديسمبر (كانون الأول) الفائت أن أسعار الإيجار المطلوبة مقابل المساكن الجديدة المعروضة للإيجار قد ارتفعت بحوالي الثلث تقريباً منذ عام 2019، حيث يواجه بعض الأشخاص زيادات تصل إلى 60 في المئة. يصنف المكتب الوطني للإحصاء أسعار الإيجار في 48 مجلساً بلدياً على أنها غير محمولة عند مقارنتها بمتوسط الأجور.
في قطاع الإيجارات، غالباً ما يُجبر الناس على العيش في محيط باهت مجردين من الأمل في التمكن من تبديل سجادة قبيحة أو تغيير درجة لون طلاء الجدران. المستأجرون التواقون إلى إضفاء شيء من لمستهم الشخصية على المساحات التي يعيشون فيها، من دون إثارة حنق أصحاب العقارات ووكلاء مكاتب التأجير، يرغمون على مشاهدة الأشخاص القادرين على شراء منازل خاصة بهم وهم يدمرون الآثار الأخيرة المتبقية للطابع المميز بغرض المنظر الموحد الخالي من الروح. لكن، ربما يكون هذا أيضاً السبب الحقيقي وراء الزيادة الأخيرة لشعبية الحسابات المخصصة لتجديد المنازل على "إنستغرام". تماماً مثل تصفح الصور المعدلة والمنقحة للعارضات "من دون مكياج"، فإن متابعة الحسابات التي تعري المنازل هي بمثابة رؤية حلم بعيد المنال بالنسبة لكثيرين.
كتبت أليس فينسنت أخيراً في صحيفة "ذا فايننشال تايمز": "بعد تبادل عقود الملكية واستلام المفاتيح، يقوم الناس الآن بإنشاء حسابات مخصصة لمنازلهم على إنستغرام". لم يعد حصولك على جرعة هرمون السعادة على الإنترنت عن طريق حساب مرح لكلب لطيف على "إنستغرام" كما كانت الحال في عام 2016، كل الحسابات الآن تركز على التمكن من تركيب كل سجادة وطلاء كل جدار في صفقات رائعة تحصل عليها من المنتجين الذين يرعون حسابك على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا أعتقد أنه من المبالغة القول إن كل محتوى تجديد المنازل "الطموح" هذا يفقد الناس صوابهم. غالباً ما يكون هناك استعراض للتجاهل والقوة البغيضة من قبل صناع المحتوى الذين يتفاخرون بإعلان نيتهم "إصلاح" العقارات وقلبها رأساً على عقب بينما يحصلون على المال من العلامات التجارية مقابل هذه المتعة.
أخيراً، سأل أحد المؤثرين من أصحاب حسابات تجديد المنازل على "إنستغرام": "هل هناك أحد غيري يعد القهوة الفاخرة من حبوب البن المنتقاة بعناية للبنائين الذين يعملون لديهم ... أقسم أنها السر الذي يجعلهم يعودون كل يوم". لأنهم، بالطبع، البناؤون وأنت الفنان صاحب الذوق الرفيع الذي يغدق بلطف على الرجل العادي بينما يحول الفيلا الخاصة بك شبه المستقلة والمكونة من 3 غرف نوم إلى نسخة طبق الأصل تقريباً من كل المنازل الموجودة على "إنستغرام"، بطابعها المحايد والممل والأهم من كل شيء، الرمادي، والذي يمكنك من تحويل منزلك إلى عقار للتأجير في أقرب فرصة، حيث سيجلس فيه المستأجرون ويحلمون بأن يصبحوا قادرين يوماً ما على الخروج من عالم الأبيض والأسود والدخول في عالم الألوان.
© The Independent