ملخص
انتقل زعيم #حزب_العمال_البريطاني من موقف المدافع عن حرية تنقل الأشخاص في مختلف أنحاء دول #الاتحاد_الأوروبي خلال الانتخابات الأخيرة، إلى الدعوة إلى خفض معدل صافي #الهجرة إلى ما هو أقل مما تخطط له الحكومة.
هناك تداخل في مواقف كير ستارمر زعيم حزب "العمال" البريطاني المعارض حيال قضية الهجرة. فهو من جهة يعارض سياسة رئيس الوزراء ريشي سوناك القائمة على مواجهة القوارب الصغيرة، معتبراً أنها غير فاعلة أكثر منها غير إنسانية، ومن ناحية يعد بأن تكسر حكومة حزب "العمال" قاعدة "اعتماد" المملكة المتحدة على صافي هجرة عالية، بهدف الحفاظ على النمو الاقتصادي.
والمفارقة هنا هو أنه مع خروج بوريس جونسون رئيس الوزراء الأسبق من الحلبة السياسية، فإن حزب "العمال" هو الذي يرث سمعته لجهة الرغبة في تناول كعكته والحصول عليها في الوقت نفسه. وانتقل ستارمر من موقف المدافع عن حرية تنقل الأشخاص في مختلف أنحاء دول الاتحاد الأوروبي خلال الانتخابات الأخيرة، إلى الدعوة إلى خفض معدل صافي الهجرة إلى ما هو أقل مما تخطط له الحكومة.
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت أكد ستارمر لمسؤولي "اتحاد الصناعة البريطانية" Confederation of British Industry (CBI) (وهو منظمة أعمال تمثل 190 ألف شركة)، أنه يريد العمل معهم "لمساعدة الاقتصاد البريطاني في التخلص من اعتماده على الهجرة، كي يمكن الاستثمار أكثر في تدريب العاملين الموجودين في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الرسالة أكدتها ريتشيل ريفز، وزيرة الخزانة في حكومة الظل "العمالية"، عندما سئلت في إحدى المقابلات بعد الإعلان عن الموازنة البريطانية هذا الشهر، عن الافتراض الوارد في توقعات "مكتب مسؤولية الموازنة" Office for Budget Responsibility (OBR) (يقدر أخطار المالية العامة ويضع توقعات طويلة الأمد) بأن صافي الهجرة سيصل سنوياً إلى 245 ألف شخص، فأجابت: "لا أعتقد بأنه يتعين علينا أن نستخدم رافعة الهجرة طيلة الفترة المطلوبة لإصلاح النقص في المهارات الموجودة في المملكة المتحدة". وكانت ليزا ناندي، وزيرة تحسين أوضاع المناطق في حكومة الظل، أكثر صراحة عندما سألها المقدم التلفزيوني أندرو نيل قبل أسبوع عما إذا كان "حزب ’العمال’ سيستخدم صافي هجرة عالياً كجزء من خططه لتنمية الاقتصاد؟" فأجابت: بـ"لا".
إنها في الواقع سياسة بارعة. فحزب "العمال" يدرك أن دعمه السابق لحرية الحركة في الاتحاد الأوروبي، لطالما استخدمه "المحافظون" لتصويره على أنه يرمي إلى فتح الحدود. وبحسب معظم استطلاعات الرأي العام، فإن الثقة التي يحظى بها حزب "العمال" في موضوع الهجرة من جانب عدد متزايد من ناخبي حزب "المحافظين"، تعدّ بمثابة تقدير لطريقة تعامل كير ستارمر مع هذه القضية.
لكن النجاح الواسع للحزب المعارض في عرض سياساته من شأنه أن يستدعي مزيداً من التدقيق والتمحيص أكثر من أي وقت مضى. كما أن الكثير من مضمون البيان الانتخابي الذي يخرج به حزب "العمال" تمهيداً للانتخابات المقبلة، يعتمد على افتراضات غير مقنعة. فقد عمل كل من ستارمر ووزيرة خزانته ريفز بجهد من أجل وقف حزب "العمال" عن الاعتماد على "شجرة المال السحرية" المتمثلة في زيادة الإنفاق العام المبني على سياسة اقتراض أعلى - وهو خيار يعرف الآن باسم "نظام اقتصادات تراس" يساري (Trussonomics نسبة إلى رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس) - ويبدو أن "العمال" يتطلعون إلى استبدالها بـ "شجرة الناس السحرية" التي يمكن من خلالها قطف قوة عاملة مدربة تدريباً عالياً لتحل مكان الحاجة لعمالة مستوردة.
إلا أن الفكرة القائلة إن حكومة لحزب "العمال" يمكن على المدى القصير أن تستعيد مهارات مئات آلاف الأشخاص غير النشطين اقتصادياً في الوقت الراهن، هي غير واقعية، خصوصاً أن كثيراً من هؤلاء الأفراد غير النشطين، إما يعانون مرضاً أو إعاقة طويلة الأمد. من هنا، إذا طلبت ريتشيل ريفز من "مكتب مسؤولية الموازنة" خفض توقعاته لصافي الهجرة، فسيتعين عليه خفض توقعاته للنمو.
هذه الحجة سبق أن طرحت في نقاشات الحكومة، عندما ناقضت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس سياسة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان. فأرادت برافرمان التقيد بوعد "المحافظين" في بيانهم الانتخابي بتخفيض معدل الهجرة، في حين أن تراس أقرت بأن ذلك سيشكل عائقاً أمام النمو، وهو ما اعتقدت بأنه جانب يعدّ أكثر أهمية. ومن غير المتوقع أن تتوصل حكومة "عمالية" إلى استنتاج مختلف.
يضاف إلى ذلك أن حزب "العمال" لم يقدم بديلاً حقيقياً عن نظام اللجوء وعمليات عبور المهاجرين القنال الإنجليزي إلى بريطانيا. فوزيرة الداخلية في حكومة الظل إيفيت كوبر لديها خطة من خمس نقاط للتعامل مع القوارب الصغيرة، وهي عملياً السياسة ذاتها التي تنتهجها حكومة "المحافظين"، باستثناء مخطط الترحيل إلى رواندا.
هذا يعني أن تقدم حزب "العمال" في استطلاع الرأي الذي أجراه حول الهجرة، من المرجح أن يكون في الأساس أحد الآثار الجانبية الناجمة عن تراجع شعبية الحكومة بشكل عام. وإذا ما ضاق تقدم "العمال" في نية التصويت مع اقتراب موعد الانتخابات، فهناك خطر بأن يجد الحزب المعارض أن الدعم له مبني على أسس غير سليمة. وأنا لست مقتنعاً بأن كير ستارمر سيكون قادراً على مواجهة الاتجاهين في موضوع الهجرة، في أوج حملة انتخابية.
وأخيراً، بعدما قال حزب "العمال" وداعاً لشجرة المال السحرية، يجب أن يتحلى بالشجاعة الكافية لأن يودع شجرة الناس السحرية، وأن يقدم طرحاً صادقاً يقوم على مستوى معتدل من صافي الهجرة، بما يمهد الطريق لازدهار وطني أكبر.
© The Independent