من المنتظر أن تشهد الفترة التي تعقب تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، فتح بلاغات لمختلف القضايا التي ارتكبها نظام عمر البشير، بحق عدد كبير من المواطنين منذ تسلمه الحكم في 30 يونيو (حزيران) 1989، والتي تتفاوت بين القتل والتعذيب والاغتصاب، ناهيك عن قضايا الفساد بمختلف أنواعه، في الوقت الذي أنشأ محامون سودانيون مكتباً خاصاً لتلقي الشكاوى من ضحايا نظام البشير، وفتح بلاغات بشأنها واسترداد الحق لكل من تعرض لظلم في أي من القضايا.
محامون سودانيون أكدوا لـ "اندبندنت عربية" أن "معظم المحامين الوطنيين على استعداد تام لتولي ملف الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات قانونية"، مؤكدين أن "هناك خطوات اتُخذت في هذا الشأن وأنجز أكثر من 80 في المئة من أعمال الرصد القانوني للقضايا التي تسبق فتح البلاغات أمام المحاكم".
مساعدة الضحايا
يقول عضو تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين المحامي نبيل أديب إن "التحالف أنشأ مكتباً خاصاً لاستقبال المتضررين من النظام السابق في مختلف القضايا، وإن المحامين المنضمين لهذا التحالف على استعداد كامل لمساعدة ضحايا نظام البشير"، منوهاً بالدور الذي ظل يلعبه المحامون السودانيون في الدفاع عن المظلومين. وأضاف أن "المكتب بدأ في استقبال العديد من الحالات وأن هناك إجراءات ودعاو فُتحت في هذا الصدد"، لافتاً إلى أن "النظام السابق كان ضالعاً في فصل العديد من موظفي الخدمة المدنية، فضلاً عن تضرر الكثيرين من الإجراءات التعسفية التي مورست بحق كل من خالفه الرأي أو التوجه السياسي، كما هناك عدد من الأشخاص اختبروا اعتقالات تعسفية ومعاملات غير قانونية خلال فترة الاعتقال وخلال إلقاء القبض عليهم، وهؤلاء لديهم الرغبة في رفع دعاوى ضد أشخاص نافذين في نظام الإنقاذ. كذلك هناك تنظيمات مجتمع مدني حُلّت بشكل تعسفي وهي الآن في انتظار استجابة الجهات المختصة لإعادة تسجيلها وممارسة نشاطها، وإلا سترفع دعوى لاسترداد حقها المغتصب طيلة الـ 30 سنة الماضية، فالمسألة متعلقة بانتهاكات قانونية ودستورية".
وحول إمكانية الحصول على العدالة المطلوبة في ظل القضاء الذي لا يزال تابعاً للنظام السابق، قال أديب "صحيح أن القضاء تعرض في فترة نظام البشير لأشكال من العبث وكانت التعيينات في هذا المجال تحصل على أسس سياسية، إلى جانب حدوث اختراقات هنا وهناك، لكن بشكل عام لا يزال الجسم الرئيس للقضاء سليماً، لأن هناك تقاليد وأعرافاً ظلت متبعة طيلة العهود السابقة، وهي عدم الخضوع للرغبات السياسية، وهذا لا يعني أننا ندّعي أن القضاء كما يجب أن يكون، نحن اعتدنا على رفع دعاو أمام القضاء وقد يكون الاحتمال الأغلب أن نجد معاملة تليق بالحياد المطلوب في العمل القضائي وفي بعض الأحيان لا نجد هذا الحياد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رصد المخالفات
أما عضو اللجنة السياسية في تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين المحامي محمود حاج الشيخ، فذكر أن "التحالف في إطار تفاعله مع انتهاكات نظام البشير وصولاً إلى الثورة الشعبية وما واجهه من عنف ممنهج، شرع في تشكيل لجنتين الأولى تتعلق بأعمال الرصد والثانية تختص بتقديم العون القانوني"، موضحاً أن "اللجنة الأولى مهمتها رصد كل المخالفات التي سُجلت منذ 30 يونيو (حزيران) 1989 حتى يومنا هذا، بالتركيز على جرائم الفساد والقتل والتعذيب. وقد أنجزت اللجنة أكثر من 80 في المئة من أعمالها وكان من المفترض أن تُحال الملفات إلى لجنة العون القانوني لتشرع في فتح البلاغات وتقديم المتهمين للمحاكم، لكن اللجنة السياسية في التحالف رأت إرجاء هذه الخطوة إلى حين تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، لاعتقادها أن النيابات العامة والقضاء غير محايدين وما زالوا مختطفين حتى هذه اللحظة، الأمر الذي يمكن أن يعرقل هذه الدعاوى أمام محاكم الجنايات والمحاكم العامة، ما يهدر مبدأ المحاكمات العادلة".
وعن طبيعة القضايا التي سيجري التعامل معها، أوضح الشيخ أنها "تشمل قضايا مختلفة منها تقويض النظام الدستوري عام 1989، مروراً بجرائم القتل خارج إطار القانون وقتل المتظاهرين والمغتصبين والمفقودين والفساد المالي الشخصي والمؤسسي، إلى جانب القضايا الخاصة بمكتسبات الوطن من بيع ممتلكات الدولة والخصخصة مثل بيع خط مطار هيثرو التابع للخطوط الجوية السودانية، وبيع سكة الحديد، وغيرها من المنشآت التي يمتلك فيها السودان حصة، وجرى بيعها بطريقة غير قانونية". فيما أشار إلى أنه "بعد 11 أبريل 2019، بدأت المؤسسات المدنية في استرداد عافيتها وأصبح هناك تعاون كبير بينها وبين التحالف من خلال تقديم المعلومات والمستندات المهمة كافة، التي تساعد في حسم كثير من ملفات الفساد. وفي الوقت عينه، شُكلت لجان بواسطة قوى الحرية والتغيير داخل هذه المؤسسات لتقديم المعلومات المطلوبة في شتى أنواع القضايا، فضلاً عن المقاومة السلمية للدولة العميقة وبقايا النظام عبر الإضرابات والعصيان المدني. أما من ناحية المؤسسات العدلية، فهناك تعاون كبير من السلطات العدلية، وشُكّلت أندية داخل المؤسسات العدلية تضم الشرفاء من أبناء الوطن الذين ينشدون الحرية والديمقراطية والعدالة".
محاكم خاصة
وبشأن كيفية تغطية تحالف المحامين الديمقراطيين لهذا الكم الهائل من القضايا المنتظرة، في ظل محدودية المحامين الأكفاء، أوضح الشيخ أن "هذا الملف وما يحويه من قضايا كبيرة وعديدة فيه مسؤولية المجتمع بأكمله"، لافتاً إلى أنه كان "يقول لزملائه المحامين إنه متى ما تحققت الثورة، فعلى الشعب السوداني أن يتحول إلى محامين للدفاع عن المظلومين"، مؤكداً أنهم سيطالبون "بتسريع خطوات هذه القضايا بتشكيل محاكم خاصة، حتى لا تخل بمبدأ المحاكمة العادلة". وأعلن أن "التحالف شكّل لجاناً معنية بالتدريب، لكننا نرتكز على العمل الجماعي وليس على الأسماء الرنانة، خصوصاً أن التحالف يضم كل التنظيمات المعارضة للنظام السابق، وأن العمل في هذا الملف مؤسس ومرتب"، كما لفت إلى أن "التحالف كان يسعى إلى استرداد دار نقابة المحامين بحيث تكون بمثابة غرفة عمليات لإدارة المعركة مع فلول النظام السابق، لكن حتى الآن وجود أعضاء التحالف داخلها، لا يتعدى الوجود الاجتماعي، لذلك سيضر المحامين الوطنيين استخدام مكاتبهم الخاصة لتسيير أعمال هذه القضايا لحين استرداد دار النقابة".