ملخص
الشراكة الاستراتيجية بين #روسيا و#إيرانية بالغة التعقيد وفيها نقاط تقارب وتباعد في آن
في باب "التوجّه نحو الشرق"، وتحت هذا الشعار الاستراتيجي، تحاول السياسة الإيرانية جمع خطوات ومبادرات أملى معظمها السعي في كسر العزلة التي عادت بها السياسة الخارجية الإيرانية على طهران. ويتناول تحقيق كتبه الصحافيان في صحيفة "لوموند" الفرنسية (عدد 2-3/3/2023)، بنوا فيتكين ومجيد زروكي مساعي موسكو وطهران لتعاون البلدين والسياستين على فك الطوق الذي ضرباه على مصالحهما وعلاقاتهما بجوارهما وبدوائر العالم الأوسع.
وعلى هذا، كانت أول زيارة يقوم بها إبراهيم رئيسي، رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى الخارج، في 19/1/2022، ستة أشهر بعد انتخابه رئيساً، وجهتها موسكو. وانتهت الزيارة ببيان أعلن عن تقارب البلدين، لكنه لم يشر إلى توقيع وثيقة عملية واحدة. وفي 16/7/2022، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران، في سبيل تجديد "مسار آستانة" السوري. وأعلن في ختام الزيارة عن عقد غازي بين غازبروم، العملاق الروسي، والشركة الوطنية الإيرانية، بلغت قيمته 40 مليار دولار.
وعلق سفير روسيا في طهران على الزيارة والعقد، فقال لصحيفة "شرق" المحلية إن ما يجمع البلدين وجهات نظر واحدة في المسألة السورية، وفي حرب أوكرانيا وسببها (إعداد حلف الأطلسي هجوماً على روسيا)، والعقوبات الغربية على روسيا وإيران (لا قانونيتها)، وفي تبنّي الغرب قيم المثلية العبثية. ويلاحظ أن السفير الروسي أغفل مسألة الشراكة الاستراتيجية.
وتناولت المفاوضات، في أثناء الزيارتين وخارجهما، ضم طهران إلى منظمتين دوليتين "شرقيتين"، وغير غربيتين على المعنى السياسي، هما "منظمة شنغهاي للتعاون"، وهي مؤلفة من 9 دول آسيوية ومن آسيا الوسطى، و "بريكس"، المؤلفة من البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا. وفي قمة "منظمة شنغهاي" بسمرقند، في سبتمبر (أيلول) 2022، أبرم الاجتماع انضمام إيران عضواً كامل العضوية إلى المنظمة، بعد 22 سنة من الشراكة أو العضوية المراقبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول البلدان إن تعاونهما يؤذن بإرساء أسس نظام دولي جديد. والحق أن سعيهما في توثيق علاقاتهما، في ضوء ثمرات هذه العلاقات المتواضعة، لا يتعدى تلافي النتائج المترتبة على العقوبات الغربية.
ولا شك في أن حرب روسيا على أوكرانيا قرّبت بين البلدين. فباعت إيران روسيا مسيّرات "شاهد-136". والبلدان عازمان على بناء مصنع مسيّرات في تتارستان، يقدّر إنتاجه بستة آلاف مسيّرة. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، شحنت سفينتان روسيتان من مرافئ إيرانية 100 مليون مقذوف من عيار صغير، و300 ألف قذيفة مدفعية، لقاء شراء إيران صواريخ وطائرات حربية. وأنهيت صفقة شراء طائرات "سوخوي سو-35" في 11 مارس (آذار) 2023.
ويلاحظ ضابط إيراني سابق أن روسيا قلما تتقيّد ببنود صفقات السلاح التي توقّعها. فهي حين عقدت صفقة بيع طائرات "ميغ-29"، في 1990، امتنعت عن إعطاء معلومات تقنية مفصّلة ودقيقة مع الطائرات. وكان التدريب على الطائرات مختصراً وسريعاً، وقطع الغيار مؤجلة وبالقطّارة. وانتهجت النهج نفسه حين باعت 3 غواصات، والشبكة المضادة للصواريخ "أس-300"، في 2007- 2011. فلم تسلّم الشبكة فعلاً إلى الإيرانيين إلا في 2015، غداة توقيع الاتفاق النووي.
وعقد البلدان حلفهما الغازي في أثناء زيارة فلاديمير بوتين إلى طهران. ويقضي بتولّي روسيا استغلال حقلي يارس الشمالي وكيش العملاقين، وبتحديث العمل في حقل يارس الجنوبي. ولكن موارد روسيا المالية والبشرية لا تكفي الحاجات التي يتطلبها القيام بالتزامات العقد.
وتجمع بين البلدين خبرة طويلة وقديمة في الالتفاف على العقوبات الغربية والأميركية خصوصاً. وهما تتنافسان على سوق البتروكيماويات وأوكلا إلى بلد وسيط تصدير الخام المهرّب الذي ينتجانه تحت أعلام ملفّقة. ويسلكان المسلك نفسه: فهما يطفئان أجهزة التعقّب، ويضخان حمولة الخام من سفينة إلى أخرى في عرض البحر، ويرضيان تسديد الأثمان بعملة البلد الشاري الوطنية، ويعرضان تخفيضات كبيرة على الأسعار، ويتستّران على قطع غيار الطيارات والسيارات المهربة ببند مواد البناء.
وتلوِّح موسكو وطهران بعزمهما على إنشاء بديل من الشبكة العالمية للاتصالات البريدية والتحويلات المالية (سويفت)، بغية التخفّي على التحويلات والمعاملات المصرفية، السرية وغير المشروعة التي يحتاجان إليها. ولكن انفرادهما بالأمر، وبمعزل من شراكة بلدان كبيرة ووازنة مثل الصين والهند، يحكم على الخطة بالفشل. والصين، مثلاً، رفضت الانضمام إلى نظام "ميرف" الروسي للبطاقات المصرفية. وكانت روسيا أنشأت هذا النظام عوض نظام "فيزا". بينما افتتحت 150 شركة تجارية ومالية إيرانية وكالات في أستراخان الروسية على بحر قزوين. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، في 2022، نحو 4.9 مليار دولار.
ووقّعت إيران مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي، وعلى رأسه الصين، معاهدة معاملة تفضيلية، في انتظار توقيع معاهدة تبادل حر. ووقّع الحليفان، في صيف 2022، اتفاق تبادل تجاري بالروبل والريال. ولم يعلنا عن ميزان تبادل بالعملتين مذذاك.
وتعلّل طهران وموسكو إجراءات تقاربهما بـ "شراكة القيم" بين البلدين، وإجماعهما على المحافظة الاجتماعية (الأسرة ومثال العلاقات الجنسية)، ومناهضة الغرب (المنحل أخلاقياً)، والأوراسيوية.
ولا يلقى "التوجه (الإيراني) إلى الشرق" إجماعاً في صفوف الطاقم الحاكم الإيراني. فيذكّر النائب المحافظ في مجلس الشورى، مصطفى حسيني قطب آبادي، بشعار السياسة الخارجية الخمينية: "لا شرقية ولا غربية"، ويخشى إفضاء السياسة الحالية إلى إطباق قيد التبعية على رقبة إيران. وتوقيع طهران على اتفاق بكين الثلاثي، بين طهران والرياض وفي رعاية الرئيس الصيني، في 10 مارس 2023، خطوة على طريق كسر العزلة الإيرانية، وصدى لإدراك طهران وطأة عزلتها.
والخطط المشتركة، الروسية والإيرانية، تنصب على البنى التحتية الإقليمية. وهذه البنى مضخة فساد، على قول الخبراء، وتلتهم حصة ثمينة من الاستثمارات، وتقلّص النتائج المتوخاة منها. وإحدى الخطط الكبيرة ممر شمال- جنوب. وينبغي أن ينشئ شبكة طرق برية، وسكك حديد، وموانئ، بين روسيا وإيران والهند عبر القوقاز، وآسيا الوسطى، وحوض بحر قزوين. وتبلغ نفقاته 25 مليار دولار. ويبعد إنشاء الممر تجارة البلدان الثلاثة، وبلدان المحطات، من المراقبة والتحكُّم الغربيّين.
وتهجس روسيا فلاديمير بوتين بحلم "البحار الخمسة" (آزوف، البلطيق، الأبيض، قزوين، والأسود) الذي راود بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر، وستالين، في القرن العشرين. وإيران، المشاطئة بحر قزوين، جزء من هذا الحلم. ومن شأن إنجازه جعل روسيا قطباً تجارياً عالمياً. وتعميق قناة (نهري) فولغا- الدون، خطوة على طريق الحلم، موعدها 2028، والقناة هذه تربط قزوين بالبحر الأسود وبحر آزوف.
وتحديث الوصلة النهرية بين أستارا ورشْت، شمال إيران جزء أساسي من المحور الغربي لممر النقل الدولي شمال- جنوب، عبر أذربيجان. وتفتقر خطة التحديث هذه، شأن الخطط الغازية الضخمة، إلى الموارد. وهي مهملة ومتروكة فعلاً منذ سنوات على رغم شراكة شركة سكك الحديد الوطنية الروسية. وفي صيف 2022، وعدت الشركة باستثمار 1.5 مليار دولار في بعض أجزاء الخطط الفرعية، من غير بادرة تنفيذية إلى اليوم.