Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السعودية أولا" نفطيا تصدم الغرب مرة أخرى

ازدحمت وسائل الإعلام الأميركية والغربية بتحليلات حول مفاجأة خفض الإنتاج

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً الرئيس الأميركي جو بايدن (وام)

ملخص

أعلنت #السعودية وعدد من الدول عن خفض إنتاجها النفطي بأكثر من مليون برميل يومياً في خطوة وصفتها عدد من الصحف الأميركية بـ "المفاجئة"

"ما زلت أسمع: هل أنت معنا أم ضدنا؟ هل هناك مجال لـ: نحن نعمل للسعودية ولشعب السعودية؟". هكذا تساءل وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تصوّر قرارات "أوبك+" بخفض الإنتاج بأنها تهدف إلى دعم روسيا في مواجهتها مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

عاد التركيز على ذلك التصريح هذا الأسبوع بعدما أعلنت السعودية وعدد من الدول عن خفض إنتاجها النفطي بأكثر من مليون برميل يومياً، في خطوة وصفتها عدد من الصحف الأميركية بـ "المفاجئة"، بل وتطرق بعضها إلى السياسة الخارجية السعودية وقالت إنها باتت تنظر لواشنطن كحليف من عدة حلفاء، ولا تتردد في تبني سياسات مخالفة للرغبات الأميركية طالما كانت داعمة لأولوياتها المحلية.

"السعودية أولاً"

قالت "وول ستريت جورنال" إن "خفض السعودية وحلفائها إنتاج النفط يظهر استعداد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنحية المخاوف الأميركية جانباً ومواصلة سياسة الطاقة الوطنية" التي تهدف إلى تمويل مساعي التحول المكلفة التي تشهدها البلاد، مشيرةً إلى أنها المرة الثانية في أقل من ستة أشهر التي يختلف فيها السعوديون مع الولايات المتحدة، على رغم تهديدات الأخيرة بعواقب تمس العلاقة الثنائية، إذ ترى واشنطن أن ارتفاع أسعار الطاقة في مصلحة "آلة الحرب الروسية".

واعتبرت الصحيفة خفض الإنتاج تأكيداً على مضي السعوديين في فعل ما يلزم لإبقاء أسعار النفط في مستويات تخدمهم، لافتةً إلى أن "الأمير محمد ينفذ سياسة اقتصادية يصفها محللون بـ "السعودية أولاً" تهدف إلى إعطاء الأولوية إلى المصالح الوطنية، بينما يتزايد الغموض بشأن الالتزام الأميركي بالدفاع عن حلفائها في الشرق الأوسط، وسط تزايد المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة".

وذكرت "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر مطلعة" أن "الأمير محمد أخبر مساعديه العام الماضي أنه لم يعد مهتماً بإرضاء الولايات المتحدة وقال إنه يريد شيئاً مقابل أي شيء يقدمه لواشنطن". ويقول مسؤولون ومصادر مطلعة على سياسة النفط السعودية وفق الصحيفة إن تحرك المملكة الأخير لم يكن مفاجئاً، إذ إنها "بحاجة إلى أسعار أعلى لتغطية تكاليف المشاريع التنموية الضخمة في الداخل، ومن بينها منتجع بحجم بلجيكا على البحر الأحمر تتركز فيه فنادق على طراز المالديف تحوم على الماء، إضافة إلى مدينة عصرية ومتطورة تقنياً تكلفتها 500 مليار دولار في الصحراء، وهي أكبر 33 مرة من نيويورك".

وأشارت الصحيفة إلى أن مستشارين اقتصاديين سعوديين حذروا في الأشهر الماضية كبار صانعي السياسات من أن البلاد بحاجة إلى أن تكون أسعار النفط في مستويات مرتفعة خلال السنوات الخمس المقبلة لمواصلة الإنفاق على المشاريع التنموية، لافتة إلى أنه وقبل إعلان تخفيضات الإنتاج السابقة، قال مسؤولون سعوديون إن البيانات الاقتصادية تشير إلى أن ميزانية الحكومة تحتاج 90 إلى 100 دولار للبرميل الواحد من خام برنت، فوق النطاق الذي كانت البلاد تستهدفه ويتراوح ما بين 75 و80 دولاراً.

ولوحظ حرص السعودية على اتباعها سياسة اقتصادية متوافقة مع رؤاها المحلية في تصريحات سابقة لوزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الذي قال إن "المحرك الأساسي للسياسة الخارجية السعودية هو الحاجة لتحقيق الرخاء المستدام للشعب السعودي أولاً، ثم شعوب المنطقة والعالم"، لافتاً إلى أن "المهمة التي كلفتني بها القيادة واضحة جداً، السياسة الخارجية السعودية هي أداة لتحقيق رخائها الداخلي، هذه هي الأولوية... وكل ما نفعله في الشأن الخارجي لا بد أن يركز على تحقيق هذا الهدف أولاً".

بمنأى عن "أوبك"

وركّز موقع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية "أن بي آر" على عدم صدور القرار في إطار اتفاق "أوبك+" بعد اجتماعها الدوري، واعتبرته خطوة "غير متوقعة" إذ استجابت أسواق النفط بعدها بقفزة سعرية، لافتةً إلى أن التخفيضات التي من المقرر أن تستمر من مايو (أيار) حتى نهاية العام سوف تواصل التأثير في أسعار الطاقة. وتوقع خورخي ليون نائب الرئيس الأول في شركة "ريتساد إنرجي" النرويجية المتخصصة في أبحاث الطاقة أن "يرتفع سعر النفط بنحو 10 في المئة في المستقبل"، واصفاً ذلك بأنها "زيادة كبيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الموقع إلى أن أسعار النفط الخام انخفضت بشكل حاد الشهر الماضي، مدفوعة بالاضطرابات في القطاع المصرفي، وهو ما يضر بميزانيات الدول التي تعتمد على عائدات النفط مثل السعودية، والتي يمثّل لها خفض الإنتاج وسيلة موثوقة لرفع الأسعار مجدداً. في المقابل، أكدت الرياض أن التخفيض "إجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط".

وتوقعت "أن بي آر" أن ترتفع أسعار البنزين كما حدث العام الماضي عندما ارتفعت أسعار النفط، مما أدى إلى ارتفاع متوسط ​​السعر الوطني للبنزين في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي بلغ 5 دولارات للغالون، قبل أن تنخفض إلى 3.50 دولار، لافتاً إلى أنه من الصعب التكهن بالضبط بمقدار ارتفاع الأسعار، لوجود عوامل أخرى مؤثرة مثل انقطاعات المصافي، وتغيرات الطلب والظروف الاقتصادية العامة. وذكرت أن خفض الإنتاج يأتي وسط توتر العلاقة بين الرياض وواشنطن، لافتةً إلى أن محللي شركة RBC Capital Markets للاستشارات المالية ممن سافروا إلى الرياض عدة مرات في الأشهر الأخيرة كتبوا بأن السعودية باتت تعتبر الولايات المتحدة "واحدة من عدة شركاء"، مشيرين إلى أن "العلاقة مع الصين تزداد أهمية"، فهي "أهم شريك تجاري للمملكة، وينظر إلى مستقبلها بأنه مقيم في الشرق"، على حد تعبيرهم.

"صدمة للغرب"

أما "فورين بوليسي" فعنونت خبر خفض الإنتاج في إيجازها الإخباري بأنه "فوز نفطي سعودي"، مشيرةً إلى أن القرار يأتي وسط تحول مهم في الاقتصاد العالمي بعد رفع الصين قيود كورونا، مما أعاد النشاط إلى سوقها الضخمة، ورفع الطلب على النفط الخام. وقالت المجلة إن تخفيضات الإنتاج من قبل "أوبك+" ستعزز المركز الاقتصادي العالمي للسعودية، وستلحق الضرر بالغرب، وأشارت إلى أن أسعار النفط بدأت تستقر بعدما دفعت الأزمة المصرفية الشهر الماضي عديداً من صناديق التحوط إلى بيع أسهمها النفطية خوفاً من مخاطرها، في حين تأمل "أوبك+" أن يؤدي خفض الإنتاج إلى حال عدم اليقين بشأن الاقتصاد.

في المقابل، ليس الجميع سعداء، بخاصة واشنطن، حيث تشعر إدارة بايدن بالقلق من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود في الداخل وتضر بالجهود المبذولة لكبح التضخم المرتفع في جميع أنحاء العالم، حيث تكافح البنوك المركزية لكبح جماح التضخم من دون رفع أسعار الفائدة، بخاصة في أوروبا، التي قد تواجه ركوداً يلوح في الأفق في الأشهر المقبلة.

واعتبرت المجلة القرار الأخير دلالة أخرى على توتر العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، إذ رفضت الرياض قطع العلاقات مع موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، وخالفت "أوبك+" رغبات الولايات المتحدة، معلنةً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنها ستخفض إنتاجها بمقدار مليوني برميل من النفط يومياً. ورداً على ذلك، استنزفت واشنطن جزئياً احتياطيها البترولي الاستراتيجي لدعم أوكرانيا وإبقاء أسعار النفط تحت السيطرة، إلا أن إعادة ملء المخزون قد يأخذ سنوات، مما يعني أن أقوى دولة غربية لديها كم القليل من الذخيرة، بعدما "اُستنفدت كل الرصاصات العام الماضي ولم يتبق سوى القليل أو لا شيء يمكنهم فعله لموازنة تأثير خفض أوبك للإنتاج"، كما تقول ليفيا غالاراتي كبيرة المحللين في "إنرجي أسبتكتس".

"مسار تصادمي"

وقالت "نيوزويك" يبدو أن الولايات المتحدة والسعودية عادتا إلى "مسار تصادمي" بعدما أعلنت الرياض وأعضاء آخرون في "أوبك+" تخفيضات مفاجئة في إمداداتها النفطية في خطوة تهدف إلى رفع أسعار النفط وسط مخاوف من ضعف الطلب. ووصفت القرار بأنه "ضربة جديدة" للعلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي عايشت الاقتراب المتزايد للدولة الشرق أوسطية من روسيا والصين في عهد إدارة بايدن، إذ في الشهر الماضي توسطت الصين في اتفاق بين السعودية وإيران.

وعارضت الولايات المتحدة التخفيضات النفطية الأخيرة وقالت إنها "غير مرغوب فيها بسبب حالة عدم اليقين في الأسواق". وكانت "أوبك+" أعلنت العام الماضي عن تخفيضات في إنتاج النفط، وهي خطوة أثارت غضب البيت الأبيض، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في ذلك الوقت إن السعودية "ستعاني من عواقب"، ولكن الولايات المتحدة تراجعت عن تعهداتها.

وعندما لاح خيار سقف الأسعار، أكدت السعودية على لسان وزيرها للطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان بأنها "لن تبيع النفط إلى أي دولة تفرض سقف أسعار على إمداداتها"، وقال في مقابلة مع "إنرجي انتليجنس" الشهر الماضي إن "سقف الأسعار، سواء فرض على دولة أم مجموعة دول، وعلى البترول أو أي سلعة أخرى، سيؤدي إلى رد فعل معاكس فردياً أو جماعياً، مع تداعيات غير مقبولة تتمثل بالتقلبات الكبيرة وعدم الاستقرار في الأسواق". وأضاف "لذا، فإنه إذا تم فرض سقف للأسعار على صادرات البترول السعودية، فلن نبيع البترول إلى أي دولة تفرض سقف أسعار على إمداداتنا، وسنخفض إنتاج البترول، ولن أستغرب إذا قامت الدول الأخرى بنفس الإجراء".

وحول مشروع قانون "نوبك" الأميركي الذي سيسمح في حال تمريره لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، قال وزير الطاقة السعودي، "إن مشروع القانون هذا لا يراعي أهمية امتلاك احتياطي من القدرة الإنتاجية وتبعات عدم امتلاك هذا الاحتياطي على سوق البترول، بالتالي، فإن مشروع قانون (نوبك) يضعف الاستثمارات في القدرة الإنتاجية للبترول، كما سيتسبب في انخفاض العرض العالمي بشدة عن الطلب في المستقبل، وسيكون تأثير ذلك ملموساً في جميع أنحاء العالم، سواء في الدول المنتجة أو المستهلكة، وكذلك في صناعة البترول"، محذراً من أن مثل هذه السياسات، تضيف مخاطر جديدة وغموضاً أكبر، في وقت تشتد الحاجة إلى الوضوح والاستقرار وستؤدي لا محالة إلى تفاقم عدم استقرار السوق وتقلباتها، وهذا سيؤثر سلباً في صناعة النفط.

المزيد من تقارير