ملخص
يبقى العامل الأهم في توقعات نمو الطلب العالمي على #النفط الذي تعتمده وكالة الطاقة الدولية وغيرها من المؤسسات العالمية هو القفزة في الطلب الصيني على #الطاقة
ربما لا تنتظر الدول الأعضاء في "أوبك" والمنتجون من خارجها في تحالف "أوبك+" حتى موعد الاجتماع القادم للجنة الوزارية للمراقبة في مطلع شهر يونيو (حزيران) كي تتخذ قراراً آخر في شأن الإنتاج، حيث كان عدد من الدول الأعضاء قد استبق الاجتماع الأخير للجنة الوزارية مطلع شهر أبريل (نيسان) الجاري بالإعلان عن خفض طوعي للإنتاج بنحو 1.1 مليون برميل يومياً لإعادة التوازن إلى السوق مع ضعف الطلب ووفرة المعروض.
ولوحظ أن رد فعل الدول المستهلكة للطاقة، بخاصة الدول الغربية كالولايات المتحدة وأوروبا، على القرار الأخير لم يكن بالحدة التي شهدناها مع قرار "أوبك+" في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، وذلك بسبب إدراك الجميع لحقائق سوق الطاقة العالمية التي تشهد تباطؤاً في نمو الطلب العالمي وبداية تكون "تخمة" من فائض العرض في السوق، وذلك ما جعل أسعار النفط تنخفض من أعلى مستوياتها، العام الماضي، عند 120 دولاراً للبرميل إلى قرب مستوى 70 دولاراً للبرميل في شهر مارس (آذار) الماضي.
وفي حال عدم حدوث أي تغييرات مفاجئة تؤثر في الإنتاج والتصدير، يرى بعض المحللين أن سوق النفط العالمية قد تشهد اختلالاً في معادلة العرض والطلب بفائض معروض نفطي بما بين مليون ومليوني برميل يومياً، ويرجع ذلك لعددة أسباب، نذكر منها خمسة عوامل رئيسة قد تضطر المنتجين إلى خفض الإنتاج مجدداً.
تباطؤ النمو الاقتصادي
تشير تصريحات مسؤولي صندوق النقد الدولي، هذا الأسبوع، إلى احتمال مراجعة توقعات النمو الاقتصاد العالمي لهذا العام بالخفض مجدداً، ربما إلى أقل من نسبة ثلاثة في المئة بالمتوسط، وذلك من آخر توقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما بين 3.5 و3.7 في المئة. ويعني ذلك بشكل مباشر استمرار ضعف النشاط الاقصادي في العالم، بالتالي تراجع حاجته إلى الطاقة، أي انخفاض الطلب على النفط. وفي أحدث تقاريرها عن سوق النفط، ذكرت وكالة الطاقة الدولية التي تقدم النصح للدول المستهلكة أن الطلب العالمي على النفط انخفض في الربع الأخير من العام الماضي 2022 بنحو 80 ألف برميل يومياً. وتوقعت تراجع نمو الطلب العالمي على النفط بمعدل سنوي من 2.3 مليون برميل يومياً في 2022 إلى نحو مليوني برميل يومياً هذا العام.
وجاءت تقديرات وكالة الطاقة الدولية تلك قبل التصريحات الأخيرة لمسؤولي صندوق النقد الدولي في شأن النمو الاقتصادي العالمي، بالتالي فهي لا تعبر بدقة عن نمو الطلب العالمي المتوقع لهذا العام، والذي يقدر أن يكون أقل بقدر معقول من تقديرات تقرير الوكالة الصادر نهاية الشهر الماضي.
ومن المهم الإشارة إلى أن الطلب العالمي على النفط انخفض العام الماضي إلى ما دون 100 مليون برميل يومياً، فيما زاد العرض في السوق على 101.5 مليون برميل يومياً، بحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية أيضاً.
ويشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أن ضعف الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة، وعمليات الصيانة في عدد من محطات تكرير النفط حول العالم أدى إلى انخفاض منتجاتها عالمياً في شهر فبراير (شباط) الماضي إلى 81.1 مليون برميل يومياً. وقدر التقرير أن ينمو هذا الناتج إلى 82.1 مليون برميل يومياً، لكن ذلك التقدير، مرة أخرى، كان قبل التوقعات الجديدة بتباطؤ الاقتصاد العالمي أكثر هذا العام.
زيادة كلفة الاقتراض
بالأخذ في الاعتبار الأرقام والبيانات الصادرة في الأيام الأخيرة كمؤشرات إلى نشاط الاقتصادات الرئيسة، نجد أن القطاع الصناعي في الولايات المتحدة وأوروبا فقد زخم التعافي. فمؤشرات التصنيع في الولايات المتحدة لشهر مارس تشير إلى انكماش. وكذلك الحال في أحدث الأرقام الصادرة عن الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في دول منطقة اليورو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع ذلك، ونتيجة استمرار معدلات التضخم مرتفعة في معظم الاقتصادات في العالم يتوقع أن تواصل البنوك المركزية سياسة التشديد النقدي، أي رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من السوق، بالتالي ترتفع كلفة الاقتراض أكثر، مما يشكل ضغطاً من ناحية على تعاملات العقود الآجلة في سوق الطاقة، حيث يتأثر المستثمرون سلباً بارتفاع كلفة الاقتراض نتيجة رفع أسعار الفائدة. ومن ناحية أخرى لأن سياسة التشديد النقدي تؤثر سلباً في فرص النمو والانتعاش الاقتصادي، بالتالي يضعف الطلب على الطاقة أكثر.
وزادت أزمة انهيارات البنوك في الولايات المتحدة وظهور مشكلات القطاع المصرفي في أوروبا الشهر الماضي من الضغط على سوق الائتمان عموماً، وذلك ما جعل كثيراً من الشركات والأعمال تراجع خططها الاستثمارية وتتردد في التوسع في ظل ارتفاع كلفة الاقتراض، بالتالي تتراجع حاجتها إلى الطاقة، أي مزيد من الضغط على الطلب نزولاً. ويعني كل ذلك أن الطلب العالمي على النفط آخذ في التراجع، وربما يقل عن أدنى مستوى له العام الماضي عند 99.5 مليون برميل يومياً.
المخزونات والطلب
إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بمعادلة العرض والطلب في سوق النفط العالمية، كان السبب المباشر لتخمة المعروض التي هوت بالأسعار الشهر الماضي، ودفعت بعض الدول المنتجة إلى الخفض الطوعي للإنتاج، هو توقف الولايات المتحدة عن شراء النفط لملء مخزونها الاستراتيجي. وكانت واشنطن قد سحبت من المخزون الاستراتيجي أكثر من مرة العام الماضي لإغراق السوق بالمعروض لخفض الأسعار لأغراض سياسية تتعلق بخفض سعر الوقود في محطات البنزين مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. إلا أن المخزونات التجارية للدول الصناعية المستهلكة للطاقة تظل مرتفعة بشكل كبير، مما يعني عدم وجود طلب لملء المخزونات، وذلك إضعاف آخر للطلب العالمي يضاف إلى ضعف الطلب نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي. وبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير فإن المخزونات التجارية حول العالم ارتفعت بمقدار 52.9 مليون برميل في المتوسط في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وارتفعت المخزونات في الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي بمقدار 57.1 مليون برميل.
وهكذا، وصلت المخزونات العالمية من النفط أعلى مستوى لها في عام ونصف العام (18 شهراً) عند مليارين و851 مليون برميل. وبلغت الزيادة في المخزونات أربعة أضعاف المتوسط لخمس سنوات، بالتالي يتوقع انخفاض كبير في طلبات شراء النفط في الأشهر المقبلة لغرض زيادة المخزونات. وإذا كان تقرير الوكالة قد بنى توقعاته بزيادة الطلب على النفط هذا العام على أساس ارتفاع الطلب على وقود الطائرات مع زيادة نشاط السفر الجوي، فإن المؤشرات حتى الآن لا تشير إلى ارتفاع كبير في نشاط هذا القطاع.
الطقس والطلب الموسمي والتقنين
مما زاد الضغط نزولاً على الطلب العالمي على النفط ما لجأت إليه دول أوروبا من تقنين استهلاك الطاقة بعد حظرها واردات الطاقة من روسيا في سياق العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وأدى ذلك إلى تقليل استهلاك النفط والغاز في أوروبا بقدر معقول، بالتالي انخفاض طلبها على النفط. وعلى رغم أن روسيا وجدت بعض المشترين في آسيا لكميات معقولة مما تخلت عنه أوروبا من نفط، إلا أنها اضطرت إلى خفض إنتاجها بنحو نصف مليون برميل يومياً. وبحسب الأرقام الرسمية من موسكو، هذا الأسبوع، ومن مصادر مراقبة الشحن والتصدير، فإن الإنتاج الروسي من النفط انخفض بمقدار 700 ألف برميل يومياً في شهر مارس الماضي. كما ساعد الطقس المعتدل نسبياً هذا الشتاء في نصف الكرة الشمالي في خفض الاستهلاك، بالتالي الطلب على الطاقة. فلم يأتِ فصل الشتاء ببرودة قارسة تتطلب زيادة في استهلاك زيت التدفئة، بالتالي لم يرتفع الطلب الموسمي على النفط بالنسبة التقليدية التي كانت تتراوح سابقاً بين 15 و25 في المئة، بل على العكس، تراجع الطلب نسبياً في ظل توفر المخزونات، وأيضاً توفر شحنات النفط المحمولة على الناقلات في مياه البحار والمحيطات.
وبما أن الطلب الموسمي على النفط ينخفض تقليدياً في فصلي الربيع والصيف عنه في فصل الشتاء، فالراجح أن تشهد سوق النفط العالمية مزيداً من الضغط على الطلب يخل بمعادلة التوازن بين المعروض والاستهلاك، فضلاً عن أن معظم الشراء في الصيف يكون لملء المخزونات تحسباً للخريف والشتاء، ومع نمو حجم المخزونات بالقدر الذي يتضمن بيانات وكالة الطاقة الدولية لن يكون الطلب جيداً في الأشهر المقبلة.
الرهان على الصين
يبقى العامل الأهم في توقعات نمو الطلب العالمي على النفط الذي تعتمده وكالة الطاقة الدولية وغيرها من المؤسسات العالمية مثل "ستاندرد أند بورز"، وغيرها، هو القفزة في الطلب الصيني على الطاقة. فمع إنهاء الصين كل القيود التي فرضتها في سياق سياسة "صفر كوفيد"، وأدت إلى إغلاقات متكررة للاقتصاد للحد من انتشار وباء كورونا، ينتظر العالم قفزة في النمو الاقتصادي الصيني تزيد الطلب على الطاقة.
وتتوقع السلطات الصينية ذاتها نمو الاقتصاد بما بين 5 و5.5 في المئة، هذا العام، وهو معدل وإن كان أعلى من متوسط نمو الاقتصاد العالمي المتوقع، إلا أنه يظل عند نصف معدلات نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم قبل أزمة وباء كورونا، لكن تصعيد الحرب التجارية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، واحتمال استجابة أوروبا للضغوط الأميركية وتقليل علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، تجعل توقعات "قفزة النمو" تلك متفائلة جداً، لكن حتى لو شهدنا نمواً كبيراً في الاقتصاد الصيني، فإن توقعات الطلب الصيني على النفط ليست بالشكل الذي يغير من اختلال معادلة العرض والطلب في السوق العالمية. فالمقدر أن يزيد الطلب الصيني بمقدار مليون برميل يومياً من النفط هذا العام، أي نصف توقعات نمو الطلب العالمي "المتفائلة، والتي سبقت تقديرات صندوق النقد الدولي بمزيد من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي".
وبحسب تقديرات تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير، فإن الدول المنتجة للنفط من خارج تحالف "أوبك+" يتوقع أن تزيد إنتاجها هذا العام بنحو 1.6 مليون برميل يومياً، سيأتي معظمها من الولايات المتحدة وكندا، بالتالي سيكون إنتاج تلك الدول أكثر من مرة ونصف المرة لتلبية النمو المتوقع في الطلب الصيني. وهكذا، تبقى هناك وفرة في المعروض بزيادة حتى عن كل ذلك النمو المتوقع في الطلب، من الصين، أو غيرها.
لكل هذه الأسباب الخمسة، وغيرها، قد تجد الإدارات الفنية في منظمة "أوبك" وفي الدول المتحالفة معها في "أوبك+" أن عليها مراجعة خططها الإنتاجية في ضوء تحرك الطلب العالمي على النفط في الأسابيع المقبلة، وقبل أن نصل إلى فصل الصيف وتعاني السوق تخمة معروض نفطي.