Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بهائيو مصر تلاحقهم معضلة الحياة والموت

لا يسعون إلى اعتراف الدولة بديانتهم والعمل بالسياسة من محظورات ومحرمات عقيدتهم

البهائي المصري لبيب إسكندر حنا يحمل كتاب الأقدس ووثيقة التعريف الرسمية الخاصة بين ولديه (أ ف ب)

ملخص

لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد #البهائيين_المقيمين_في _مصر لكن معظم التقديرات تشير إلى أن عددهم بضعة آلاف.

قبل خمس سنوات عاش حازم عبدالعزيز، وهو بهائي مقيم في مصر، تجربة مريرة لا تزال عالقة في ذهنه إلى الآن عندما اضطر إلى دفن والد زوجته مخالفة لثوابت ديانته.

واضطر الرجل الخمسيني أن يقطع مسافة 850 كيلومتراً من محافظة أسوان جنوب مصر إلى القاهرة من أجل دفن جثمان والد زوجته في ظل عدم السماح له بالدفن في مقابر أخرى سوى المقابر المخصصة للبهائيين في منطقة البساتين جنوب القاهرة.
ولم تفلح محاولات حازم في إيجاد وسيلة لدفن الجثمان في إحدى المقابر الموجودة بالمحافظة نفسها، فوجد نفسه مضطراً إلى أن يقطع هو وزوجته تلك المسافة بالطائرة رغم الكلفة الباهظة التي يتحملها من أجل إنهاء إجراءات الشحن الجوي لنقل الجثمان.
وخلال الرحلة التي قطعها من أسوان إلى القاهرة كانت الأفكار تتزاحم داخل عقله، لا سيما بعد أن اضطر إلى مخالفة طقوس عقيدته التي تحتم عليه أن يتم دفن جثمان البهائي في مكان الوفاة نفسه أو مكان قريب لا يزيد على ساعة.
يعود حازم بذاكرته للوراء ويحكي لـ "اندبندنت عربية" قائلاً "عشت لحظات صعبة وظل هذا الموقف عالقاً بذهني وأتذكره دائماً. أصيب والد زوجتي بألزهايمر عام 2017 وتدهورت حاله الصحية حتى تعرض إلى وعكة صحية مفاجئة استوجب نقله إلى المستشفى، وتبينت إصابته بالتهاب رئوي حاد حتى تدهورت حاله سريعاً وتوفي بعد يومين فقط".
أين سيدفن؟ 
كان هذا السؤال الملح الذي يدور في ذهن حازم وزوجته في تلك اللحظة مع عدم السماح له بالدفن في أي مقابر أخرى بالمحافظة تتبع للديانات الأخرى، فأنهى الإجراءات والأوراق الرسمية كافة وتحرير المحاضر اللازمة وإجراءات الكفن للمتوفى ونقله للدفن، وشحن الجثمان عبر طائرة واضطر إلى قطع تلك المسافة الطويلة لدفنه في مقابر البساتين جنوب القاهرة.
وفي الـ 27 من ديسمبر (كانون الأول) 2021 قضت محكمة القضاء الإداري في مصر برفض إلزام محافظة الإسكندرية بتخصيص أرض لاستخدامها مقابر لغير أتباع الأديان الثلاثة المعترف بها في الدولة، وينتفع بها المواطنون المسجل في خانة الديانة في أوراقهم الرسمية (-) باعتبارهم فئة رابعة من فئات التنوع الديني المسجل في الأوراق الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وتعتبر قضية دفن الموتى من أبرز المشكلات التي تواجه أتباع الديانة البهائية في مصر، إذ لا يسمح لهم بدفن موتاهم في أي مقابر أخرى سوى مقابر البساتين المخصصة لهم والملاصقة لمقابر اليهود.
ويعترف الدستور المصري الحالي بالإسلام والمسيحية واليهودية فقط في حين توضع علامة (-) في خانة الديانة على بطاقة الهوية التي يحملها البهائيون، وهو الإجراء المتبع من جميع أتباع المعتقدات الدينية التي لا تنتمي إلى الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.
وينص الدستور المصري في المادة (64) على أن "حرية العقيدة مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأتباع الديانات السماوية حق ينظمه القانون"، وحاول البهائيون الاعتراض على تلك المواد خلال كتابة الدستور الذي أقر عام 2014، والتقى وفد منهم عدداً من أعضاء لجنة الـ 50 التي صاغت الدستور ولكن لم تتم الاستجابة إلى مطالبهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وتشير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي جمعية حقوقية أهلية، إلى أن فترة الستينيات من القرن الماضي شهدت بداية اختفاء هذا النوع من المدافن التي ضمت أطيافاً متنوعة من العقائد والديانات إلى جانب الملحدين واللادينيين، وأوصت المبادرة في تقرير أصدرته حول تلك المدافن بـ "ضرورة إصلاح سياسات الاعتراف بالتنوع الديني والسعي إلى إقرار سياسات تضمن المساواة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين".
 
 
ويقول عضو مكتب الشؤون الإعلامية والحوارات العامة عن البهائيين في مصر بهاء إسحاق توفيق غبريال شنودة، "ندفن الموتى البهائيين في مقبرة واحدة مخصصة لنا وهي مقبرة البساتين منذ أكثر من 84 عاماً، ويتم دفن الجثمان بوضعه في تابوت على الأرض بشكل يشبه الديانة المسيحية، لكن المقبرة شارفت على الامتلاء حالياً ونخاطب المسؤولين في محافظتي الإسكندرية وبورسعيد خلال العامين الماضيين من أجل تخصيص مقابر إضافية".
ويضيف لبيب إسكندر حنا، وهو بهائي مقيم في مصر، أنه كان هناك أكثر من مدفن مخصص للبهائيين في محافظات مختلفة لكنها تقلصت بفعل الحروب والنزاعات في بعضها وغرق البحر في بعضها الآخر، ولم يتبق سوى مدفن البساتين الذي يدفن فيه جميع البهائيين حالياً.
4 سنوات داخل أروقة المحاكم
عقبة أخرى تواجه أتباع الديانة البهائية في مصر إلى جانب عدم تخصيص مقابر إضافية لهم لدفن موتاهم، وتكمن في توثيق عقود الزواج والحصول على الوثائق والأوراق الرسمية التي تثبت زواجهم وما يلحقه من إجراءات تتعلق بالحصول على الحقوق في الميراث والمعاشات وإلحاق أبناءهم بالمدارس والجامعات.
أكثر من أربع سنوات قضتها سيدة بهائية، طلبت عدم الإفصاح عن اسمها، في أروقة المحاكم المصرية أملاً في الحصول على إعلام وراثة لإثبات حقها في ميراث والدتها، إلا أن اعتناقها الديانة البهائية كان عائقاً أمامها بسبب عدم وجود عقود زواج رسمية موثقة تثبت حقها في الميراث.
وتقول السيدة "توفيت والدتي عام 2018 وبدأت مع والدي وأشقائي في إعداد إعلام الوراثة وقمت بتقديم الطلب باسمي إلا أن المحكمة لم تعترف به، نظراً إلى أن شهادة وفاة والدتي مدون بها (آنسة) لأنه لا يوجد ما يثبت وجود زواج في الأوراق الرسمية، وكانت تلك هي المعضلة الكبرى في القضية".
وتكمل، "حاول والدي بشتى الطرق إثبات علاقة الزواج بوالدتي وقام بعمل الإجراءات المطلوبة كافة، واستمرت القضية متداولة داخل المحاكم حتى توفي والدي بعدها بعامين وكانت أموال الميراث ستذهب لتؤول ملكيتها إلى بنك ناصر، إلا أن المحامي قام برفع القضية في دائرة أخرى واستكمل باقي الأوراق المطلوبة وشهادات الشهود حتى أثبت زواج والدي بوالدتي، ومن ثم إثبات الحق في الميراث والحصول على إعلام الوراثة".
 
 
وكانت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة أصدرت عام 2009 حكماً نهائياً بتأييد حق البهائيين المصريين في الحصول على بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد من دون ذكر أي ديانة، إلا أن الأمر كان مختلفاً في فترة السبعينيات إذ أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارها عام 1975 الذي نص على أن "البهائية ليست من الأديان التي شرعها الله وتخرج عن الإسلام وديانة أهل الكتاب وفق ما أفتى به الأزهر".
وفي هذا السياق يقول بهاء شنودة إن "أتباع الديانة البهائية يخضعون لما يسمى بـ ’العقد البهائي‘ والذي يشترط الحصول على ثمانية توقيعات تشمل الأب والأم للزوج، وكذلك الأب والأم للزوجة إلى جانب الزوج والزوجة أنفسهم واثنين من الشهود، إلا أن مؤسسات الدولة لا تعترف قانونياً بهذا العقد".
ووفقاً لبهاء فيشرف على أتباع الديانة البهائية في مصر هيئة إدارية مكونة من تسعة أعضاء حالياً، وتعد الهيئة الإدارية العليا المسؤولة عن إدارة شؤون البهائيين في مصر وهي هيئة منتخبة سنوياً، وعلى رغم إلغاء المحافل في عهد عبدالناصر في الستينيات إلا أن الهيئة ظلت قائمة على رغم عدم وجود مقرات.
ويعتبر التشريع البهائي جزءاً من تنظيم المجتمع البهائي وتحقيق أهدافه والحفاظ على نزاهته والالتزام بتعاليم الدين البهائي التي تعتمد على عدم التدخل في السياسة وعدم اللجوء إلى العنف بأشكاله كافة، وعدم المشاركة في التظاهرات والعصيان المدني ويعتبر البهائيون أن وجود هيئة تدير شؤونهم أمر إيجابي لأي حكومة، بحسب ما يوضح بهاء.

لا يوجد إحصاء رسمي

وفي المقابل يؤكد عضو مكتب الشؤون الإعلامية والحوارات العامة عن البهائيين في مصر أنه "لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد البهائيين المقيمين في مصر، لكن معظم التقديرات تشير إلى أن عددهم بضعة آلاف، والبهائية موجودة في كل أنحاء الكرة الأرضية، والدين البهائي الأكثر انتشاراً من حيث التوزيع الجغرافي، وهناك محفل مركزي في 187 دولة، كما أن الكتابات البهائية مترجمة إلى جميع اللغات ومنتشرة بشكل كبير، فلسنا فئة أو طائفة صغيرة مثلما يصور بعضهم ذلك".
ويؤكد بهاء "أنتمي إلى الجيل الثالث من البهائيين، إذ ولدت بهائياً لأب وجد بهائي وكان جدي أول من تعرّف على هذا الدين فكان يعتنق الديانة المسيحية في البداية ومن المتعصبين لها وكان يعشق الإنجيل، ولكن حين تعرف إلى الدين البهائي بدأ ينجذب له واستغرق الأمر معه سنوات عدة حتى بدأ يؤمن به".
ويتابع بهاء الذي سبق وتخرج من الهندسة المعمارية "كنت حريصاً على قراءة الأديان جميعها حتى أفهم أبسط مبادئ العقيدة والقناعات التي أؤمن بها، فالدين البهائي هو دين الجنس البشري وديننا يتطرق إلى وحدة العالم الإنساني وننتقل به من مرحلة الحروب والصراعات إلى النضج، وأول ما تعلمناه هو محو التعصب".
 
 
 
والعمل في السياسة والحديث عنها من المحظورات والمحرمات في معتقدات الدين البهائي، بحسب ما يوضح، "السياسة تفرق ولا تقرب وتصنع الفرقة، إنما ديننا يدعو إلى الاتحاد، فالسياسة في عقيدتنا تعني أنك تسلك طريقاً معيناً لتفرقة الناس".
ويضيف عضو مكتب الشؤون الإعلامية والحوارات العامة عن البهائيين في مصر أنه "دائماً لا نحبذ مفهوم الأقليات لأن به تفرقة وعنصرية، ولكننا مصريون مثل الجميع ويجب أن نعمل حتى تكون بلدنا في أفضل حال، ونحن كمواطنين مصريين نسعى إلى تحسين حياة المجتمع بأكمله وليس البهائيين فقط".
ويدلل بهاء أثناء حديثه على أنه حين شهدت الدولة حراكاً عام 2013 أثناء كتابة الدستور، شاركنا ببعض المقترحات والتقينا مسؤولي لجنة الـ 50 آنذاك عمرو موسى ومحمد سلماوي، وقبلها أيضاً في عام 2011 شاركنا ببعض المقترحات عن مبادئ المواطنة الحقيقية وأرسلناها إلى المسئولين ونشرناها في رسالة مفتوحة عبر الإنترنت".
ويكمل، "قدمنا أيضاً مقترحات للحوار الوطني المقام حالياً عبر الموقع الإلكتروني على رغم أننا لم ندع إلى المشاركة فيه"، بحسب قوله.
ويؤكد بهاء خلال حديثه أنهم "لا يسعون إلى الحصول على اعتراف من الدولة مثلما يتصور بعضهم، لأن الدين رسالة من الله"، موضحاً أنهم يسعون دائماً من خلال الوسائل القانونية المتاحة مع وزارتي العدل والداخلية إلى استعراض العقبات التي تواجه البهائيين في محاولة للتوصل إلى إيجاد حلول لها.
ويضيف، "الديانة البهائية لا تؤمن بتعدد الزوجات ونحن نتبع قانون الدولة الذي نعيش فيه وسيادته، ولدينا طلاق ولكن له أحكامه، ولكن هناك سنة استصبار إذا لم يتم التوصل إلى حل، وشرط الطلاق أن يكون هناك بغضاء وكراهية تامة ويجوز للبهائي أن يتزوج بعد ذلك".
ولم يخف بهاء وجود مشكلة تواجه بعض البهائيين تتعلق بالحاق أبنائهم بالتعليم، لأن المنصات الرقمية لا تتيح خانات للديانات الأخرى مما يتسبب في مشكلة لعدد من الأسر البهائية.
ورداً على تساؤل حول علاقة البهائية بإسرائيل يقول، "حضرة بهاء اللهسافر إلى عكا شمال فلسطين وكانت جزءاً من الدولة العثمانية، ومن أرسله إلى هناك هو السلطان العثماني حتى صعدت روحه عام 1892 وكان ذلك يخضع للدولة العثمانية ولم يكن هناك ما يسمى بإسرائيل، فما أقصده أن ظهور الدين البهائي كان قبل ظهور إسرائيل". 
ويؤكد، "لا يوجد مواطن بهائي يعيش في إسرائيل، والبهائيون الموجودين هناك هم جالية يذهبون لتقديم خدمة ثم يرحلون مرة أخرى".
تقدم ملموس وحقوق مكتسبة
وفي سياق متصل يرى لبيب إسكندر حنا، وهو بهائي مقيم في مصر، أنه على رغم المطالب التي ينادي بها البهائيون في مصر في ما يتعلق بتخصيص مدافن إضافية وإثبات عقود ومواثيق الزواج، إلا أنه يجب أن نعترف أن هناك تقدماً ملموساً على صعيد الحقوق التي حصلوا عليها في العصر الحالي، والوضع تحسن كثيراً ولكن معظمهم ينتظرون الحصول على مزيد من الحقوق خلال المرحلة المقبلة.
وطرح لبيب تساؤلات، "لو توفيت حالياً فهل ستحصل زوجتي على المعاش بخاصة أن بطاقتها مدون فيها آنسة وبطاقتي مكتوب فيها أعزب؟ ولو حاولنا أن نقيم في فندق فكيف ستسمح لنا إدارة الفندق ولدينا عقد مدون فيه آنسة وأعزب؟"، مشيراً إلى أن القانون لا يعترف بالعقود البهائية التي يتم توقيعها بين البهائيين، ولا يوجد حل لهذا الأمر حتى اللحظة الراهنة.
ويرى لبيب أنه لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد البهائيين في مصر، غير أن معظم التقديرات أشارت إلى أن عددهم بلغ نحو 10 آلاف بهائي خلال فترة الستينيات، موضحاً أن السياسة من محظورات الديانة البهائية ولكن لا يمنع ذلك المشاركة في الانتخابات والاستحقاقات السياسية للدولة.

بذور النشأة

ووفقاً لما نشر على الموقع الرسمي للبهائيين في مصر، فإن بذور نشأة الديانة البهائية تعود لعام 1868 حين توقفت في ميناء الإسكندرية السفينة التي كانت تقل حضرة بهاء اللهإلى منفاه الأخير في مدينة عكا، ومنذ هذه الأوقات الأولى بدأ المصريون اعتناق الدين البهائي، وفي سبتمبر (أيلول) 1910 قام حضرة عبد البهاء بزيارة مدينة بورسعيد وأقام فيها شهراً عزم بعده على الإبحار من بورسعيد إلى أوروبا، إلا أن توعك صحته اضطره إلى تأجيل رحلته فتوقف في الإسكندرية وأقام فيها عاماً كاملاً، وعاد حضرة عبدالبهاء لمصر مرة أخرى في ديسمبر 1911 وقضى فصل الشتاء في الإسكندرية ومن ثم غادرها لنيويورك في مارس (آذار) 1912، وبعد جولته في أوروبا وصل إلى بورسعيد مرة أخرى في يونيو (حزيران) 1913 لينتقل بعدها إلى الإسكندرية، وبقي في ضاحية الرملة حتى الثاني من ديسمبر من العام ذاته.
وكانت مصر أول دولة في العالم تعلن استقلال الدين البهائي قانونياً بحكم قضائي في العاشر من مايو (أيار) 1925، إذ تم فيه الإعلان أن البهائية عقيدة قائمة بذاتها ومستقلة عن الإسلام كاستقلال الإسلام عن المسيحية واستقلال المسيحية عن اليهودية، وتأسس المحفل الروحاني المحلي للبهائيين في الإسكندرية عام 1924، وتم تشكيل المحفل الروحاني المركزي لمصر والسودان عام 1928 والاعتراف به من قبل الحكومة المصرية عام 1934، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي.
وبحسب ما هو مدون على موقع الجامعة العالمية للدين البهائي "يتواجد الدين البهائي في أكثر من 100 ألف بلدة وموقع على امتداد دول وأقاليم العالم كافة".

مرحلة التضييق والحصار

تأرجحت علاقة الدولة بالبهائيين على مدار التاريخ ومرت بمنعطفات عدة تنوعت ما بين الصعود تارة والهبوط تارة أخرى، وخلال الفترة بين عامي 1924 و1960 تعددت محافل البهائيين حتى ألغيت بقرار من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وقد بلغت نحو 13 محفلاً تركزت بين القاهرة والإسكندرية وعدد من المحافظات الأخرى، وهو ما شكل أزمة لديهم في عدم قدرتهم على التجمع وممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية الخاصة، واقتصر أداؤها على الاجتماع في منازلهم.
وخلال ستينيات القرن الماضي كان بداية التضييق عليهم في مصر وتلاشي بعض المساحات التي حصلوا عليها بعد شيوع وجود علاقة بينهم وبين الصهيونية، وهو ما تزامن مع احتدام الصراع العربي - الإسرائيلي في تلك الفترة على رغم أن الدولة المصرية كانت تعد الدولة الأولى التي تعترف بهم "كدين مستقل".
حركة هدامة
ويؤرخ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس جمال شقرة لتلك الفترة قائلاً "التاريخ نظر إلى البهائية باعتبارها ضمن الحركات الهدامة في تاريخ الإسلام، كما نظر إليها المفكرون المسلمون في مصر والسعودية باعتبارها فرقة بها شطط لأن المسلمين لا يؤمنون بالتناسخ".
ويضيف شقرة خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "البهائية وفقاً لما هو متعارف عليه دين وضعي منتشر في معظم دول العالم، وتعود نشأته للميرزا حسين علي النوري الملقب بـ ’البهاء‘ في إيران، وبدأت تطرح فكرة الدين البهائي أو الفرقة البهائية، والملاحظ تاريخياً أن اليهود احتضنوه ويرجح ذلك أنه كان نكاية في الإسلام، وقد يكونون أدركوا أن البهائية لا تؤمن بالجهاد وبالتالي فلن يكون لهم موقف معاد منهم".
وانتشرت البهائية في مصر خلال النصف الثاني من القرن الـ 19 عبر المهاجرين الإيرانيين، وتحديداً طائفة تجّار السجاد منهم ممن وفدوا إلى القاهرة عام 1864، ومن بين الشخصيات الدعوية المهمة والمؤثرة الميرزا عباس أفندي المعروف بعبدالبهاء والذي عاش في مصر عاماً كاملاً وتنقل بين مدن عدة مثل الإسكندرية وبورسعيد عام 1910، ثم غادرها إلى نيويورك أوائل عام 1912 قبل أن يعاود الاستقرار في بورسعيد عام 1913، وهو ما مكنه من التعرف إلى رموز الفكر والثقافة في مصر والتواصل معهم".
واللافت أن الرموز الثقافية كتبت بإعجاب عن البهائية وعباس أفندي، ومنهم الإمام محمد عبده ورشيد رضا وسلامة موسى وعباس العقاد وإسماعيل مظهر، إذ كتبوا عن هذه الأفكار واستحسنوا فكرة مقولة البهائية بتوحيد الأديان، بل تجاوز سلامة موسى الحدود عندما دعا في مجلة العصور حرفياً "نحب أن يلقى هذا الدين تأييداً في مصر"، وكان يستحسن أن ينتشر هذا الدين بين المفكرين والمثقفين.
وقال رشيد رضا تلميذ الإمام محمد عبده عن عباس في مجالسه، "يتكلم بمنطق ويرضي جميع الحضور"، لكن رشيد رضا كتب بعد ذلك أنهم وقعوا في خديعة ووصفه بأنه مناور يخفي حقيقة ما يؤمن به، وبدأ هجوم الأزهر الشريف على البهائية.
ووفقاً لشقرة فقد تبنى البهائيون في ثورة 1919 شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وبدأ المحفل البهائي يقيم شعائره من دون اعتراف كامل من الحكومة، وفي العام الثاني بدأ القضاء يشهد دعاوى ضد البهائيين، وبدأ الموقف يتغير في مسألة زواج البهائيين من المسلمات ووصل الأمر إلى إلغاء عقود الزواج، وبدأت مواقف حادة من البهائية بين عامي 1924 و1960.
وعندما قامت ثورة الـ 23 يوليو (تموز) لم يكن لعبدالناصر موقف من البهائية لأنه كان منشغلاً بصراعه مع "الإخوان"، وبعد أن استقرت الأمور ألغى المحافل البهائية التي وصلت إلى 13 محفلاً تركزت بين القاهرة والإسكندرية وعدد من المحافل، واستجاب الرئيس لفتاوى الأزهر فاستفزت الدولة طقوسهم الدينية الخاصة بإلغاء المحافل البهائية عام 1960، وضيق على البهائيين الخناق ولم يجدوا إلا منازلهم لممارسة شعائرهم الوضعية، كما تقلص الانتشار الذي حققوه بين 1924 و1960 نتيجة موقف عبدالناصر منهم وعدم الاعتراف بهم.
ويرى أتباع الديانة البهائية أن مبادئ عقيدتهم ترتكز على محددات عدة أبرزها تحري الحقيقة وأن أساس الأديان واحد، واتفاق العلم والدين ونبذ التعصبات والتعليم العمومي والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات وتعديل أسباب المعيشة والسلام العالمي.

طقوس ومعتقدات البهائية

وتفند أستاذة الأديان المقارنة بمعهد الدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق والحاصلة على لقب الشخصية النسائية في التسامح هدى درويش المعتقدات والطقوس التي يؤمن بها البهائيون قائلة، "البهائية تعد من أخطر الفرق لأنها تتظاهر أمام الجميع أنها تقدم خدمات تربوية وإنسانية وتساعد في الإخاء ونشر التسامح بين الأديان، ولكنها في الحقيقة تقدم مزاعم ومعلومات مغلوطة وتخالف جميع الأديان"، مشيرة إلى أن هناك فرقاً كثيرة تتبناها جهات معينة لخدمة مصالحها، بحسب قولها.
وتكمل درويش، "يزعم أتباع البهائية أنهم أصحاب دين جديد ويعتقدون أنه ينسخ ما سبقه من رسالات ومن ضمنها الإسلام، وأنهم أصحاب دين سماوي وليس ديانة وضعية أو مذهباً، وأن العصر الحالي يتطلب انتشار هذا الدين"، مؤكدة أنهم يزعمون أنهم يشتركون مع أصحاب الرسالات السماوية في الدعوة إلى التوحيد ويعترفون بالأديان السابقة، ولكنهم يرون أنهم آخر الأديان وليس الإسلام.
 ويقولون أن البهاء يتجلى في الحقيقة ويشككون أصحاب الأديان الأخرى في مصادرهم على رغم أنهم يعتقدون في دين يخالف جميع الأديان، كما يزعمون أن بهاء اللهحق وأنه مكتوب في جميع الديانات الأخرى، وأنه بعد ظهورهم في القرن الـ 19 تنتفي أية شريعة أخرى، وأنه لولا البهاء ما استوى الله على عرشه، كما يقولون إن الجنة والنار في الدنيا فقط، وأن الملائكة أتباع بهاءالله".
 
 
وترى أستاذة الأديان أن من بين المعتقدات التي يؤمن بها البهائيون الزعم بأنهم يسعون إلى التجديد المطلوب، وأن كل الخلافات والحروب يجب أن تكون لها نهاية، وأنه يجب المساواة بين الرجال والنساء، كما ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم أصحاب دين مجدد ويسعون إلى دمج الديانات كافة داخل دينهم، ويرون أن البهائي لا يعبد شخصاً ولكن الجمال المتجلي، وأن بهاء الله جاء لتنفيذ مهمة وحامل الرسالة الإلهية للحد الذي أعلن فيه عدد من البهائيين أنهم أيدي الله".
وأردفت، "دائما ما يتهم أتباع البهائية الرافضين لمعتقداتهم بأنهم جاهلون ويتبنون مزاعم مغلوطة يضحكون فيها على عقول الشباب، ومن بين تلك المزاعم ما يدعونه بأن بهاء الله كان يضع ساتراً على وجهه، ويزعم أن من يراه من دون ساتر يصعق فوراً"، موضحة أنهم ينتشرون في دول مختلفة.
وعن العادات التي يتبعها البهائيون تقول هدى إنهم "يتبعون طقوساً مختلفة في دفن موتاهم، كأن يكفن البهائي في خمسة أثواب من الحرير والقطن، وإذا كان هناك عدم استطاعة فيكتفون بواحدة، كما أن المتوفى يجب أن يدفن في المكان نفسه أو مكان قريب للوفاة وألا يستغرق أكثر من ساعة، وليس في مكان بعيد عن موقع الوفاة، وكذلك يتم دفن الحلي والخواتم مع المتوفى".
ويعقب على القول السابق عضو مكتب الشؤون الإعلامية والحوارات العامة عن البهائيين في مصر بهاء إسحاق، مؤكداً أن كل دين له طقوسه ومعتقداته لأن الهدف هو التجمع والتقرب إلى الله، وأن نتذكر الخالق يومياً ولا نرى فروقاً بين مختلف الأديان وكلها أمواج للبحر نفسه، بحسب تعبيره.
ويستطرد أن "مفهوم الخدمة من المبادئ الرئيسة في عقيدتنا، وهو كيف نعيش ونخدم المجتمع الذي نعيش فيه ونمنح حياتنا لمن حولنا، وهدفنا أن يكون النشء البهائي منتجين وإيجابيين وينفعون أنفسهم والبيئة التي يعيشون فيها بغض النظر عن خلفياتهم وانتماءاتهم، ولدينا مبادرات على مبادئ بهائية أبرزها أن العلم والدين أبرز وسائل ترقي الإنسان".

هجوم أزهري

ونالت البهائية منذ ظهورها قسطاً كبيراً من الهجوم من قبل مؤسسة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، واعتبرتها تلك المؤسسات فرقة تخالف صحيح الدين.
وكان من أبرز مظاهر ذلك ما أصدره شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق عام 1986 من أن "البابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات وأديان عدة ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل اتضح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونِحل ابتليت بها الأمة الإسلامية حرباً على الإسلام وباسم الدين".
كما أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في ديسمبر من 2003 فتوى تعلن أن "الإسلام لا يقر أية ديانة أخرى غير ما أمرنا القرآن باحترامه، فلا ينبغي بل يمتنع أن تكون في مصر ديانة غير الإسلام والمسيحية واليهودية، لأن كل ديانة أخرى غير مشروعة ومخالفة للنظام العام". وطالبت الفتوى السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية إعمال شؤونها في هذا الأمر، ووصفت الفتوى المذهب البهائي بأنه وأمثاله "من نوعيات الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجند الدولة كل إمكاناتها لمكافحته والقضاء عليه".
وكرر المجمع هجومه في مايو 2009 ورفضه الاعتراف بالبهائية كدين سماوي، معترضاً على مطالب نادت باعتباره من الأديان السماوية، وأعلن علماء وفقهاء المجمع آنذاك رفضهم اعتبار البهائية من الديانات السماوية.
كما وجهت أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر آمنة نصير سهام النقد إلى البهائيين، مشيرة إلى أن البهائية فرقة تظهر بين حين وآخر وتحاول أن تأخذ بعض مفاهيم الإسلام والأديان الأخرى، وتركز عليها مع إعادة تقديمها للآخرين بطريقة براقة كعلاج لبعض القضايا المجتمعية، ولكنها في الأصل بعيدة كل البعد من صحيح الدين، موضحة أن تلك الفرقة ينتشر وجودها في بعض الدول وبخاصة باكستان والهند.
وتضيف أنها سبق وأعدت كتاباً منذ أكثر من 15 عاماً بعنوان "أضواء وحقائق على البابية والبهائية والقاديانية" لتدريسه للطلاب ضمن منهج مادة التيارات المعاصرة بجامعة الأزهر لشرح معتقداتهم وطقوسهم، مضيفة أن البهائيين لديهم طقوسهم ومعتقداتهم الخاصة في أمور الدنيا والآخرة.
ووجهت أستاذة العقيدة والفلسفة تحذيراً من انتشار هذه الفرق والتيارات المعاصرة، موضحة أن "لديهم فترات متفاوتة ينتشرون في بعضها ويحاولون النمو والتمدد ثم يعودون للاختفاء من جديد، ولذلك أطالب الجميع بالتنبه إليهم والحذر منهم لأنهم جماعة مرتدة لها آراء بعيدة عن صحيح الإسلام وتحمل تأويلات خاصة لبعض النصوص".
وتعقيباً على أسباب هجوم المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية يقول بهاء إسحاق توفيق غبريال شنودة إن "واقع الأمر أننا لسنا في معركة مع المؤسسات الدينية، ولكن نرى أن لديهم موقفاً من ديننا ومعتقداتنا، وأريد هنا أن أشير إلى أنه في عهد الرسول محمد على سبيل المثال كان أكثر المحاربين للإسلام هم علماء ذلك العصر، وما أريد التأكيد عليه أن المؤسسات الدينية تخشى دائماً الدين اللاحق، وطبيعة الإنسان أن يتمسك بما يعرفه ويخشى ما يجهله، وحينما بُشر بالديانة البهائية استمرت رسالة حضرة الباب ست سنوات وقتل فيها نحو 20 ألف بابي، وكان عمره وقتها نحو 25 سنة".
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير