ملخص
تلاشت رائحة #البخور و #الأكلات_الشعبية و #الحلويات الخاصة بـ #العيد في #ليبيا من عام لآخر حتى بات بعضها غير موجود إلا في أحاديث الذاكرة
من عام إلى عام ومن إلى عيد إلى آخر بدأت تتلاشى كثير من العادات الليبية القديمة في هذا اليوم، مع تبدل الزمن وتغير الأجيال على رغم صمود بعض الطقوس الشعبية في هذه المناسبة، مثل الإفطار على العصيدة والتجمع في الغداء على وجبة البازين الشعبية التي تشتهر بها ليبيا وتوزيع الحلوى على الأطفال. إلا إن نكهة العيد تغيرت ولم تعد مناسبة تجمع الأقارب والأحباب كما كانت في سنوات خلت.
نكهة مفقودة
يقول المواطن الليبي عبدالله العجيلي (45 سنة) والذي عاصر التبدل في طريقة الاحتفال بالعيد بين جيلين مختلفين، وعاش أجواء العيد القديمة وواكب تغيرها خلال السنوات الماضية، "عندما كنا صغاراً كان للعيد مذاق مختلف وكنا ننتظر حلوله بفارغ الصبر بسبب طقوسه الجميلة وتجمع العائلة وسط جو حميم تعبق فيه رائحة البخور الذي تطلقه النساء والعجائز طوال أيام العيد، بينما تبدأ القناة التلفزيونية الحكومية الوحيدة في بث أغاني العيد المعروفة ومن أبرزها أغنية ’مبروك عيدك ياعزيز علي‘ التي يعرفها كل الليبيين وترتبط بذكريات الزمان الجميل".
وأضاف، "حالياً قل التواصل بين الناس وباتت العائلات لا تجتمع إلا نادراً وباتت أيام العيد أياماً للراحة أو الخروج في رحلات عائلية بسبب ضغوط الحياة التي زادت، فبات هذا اليوم متنفساً للهروب منها".
وتابع، "كما بدأت كثير من طقوس العيد في الماضي الجميل تتبدل، فمثلاً عندما كنا صغاراً كان أطفال كل شارع يتجمعون ويطرقون أبواب البيوت بيتاً بيتاً ليجدوا النساء في انتظارهم بأصناف الحلوة بينما تجود أيدي الرجال بمبلغ مالي صغير كان يشكل كنزاً لنا ننتظره من عام لآخر، ونضع الخطط لتدبيره وكيفية صرفه في أيام العيد، وعادة نشتري به الألعاب، واليوم تبددت هذه العادات وماعاد الأطفال يطرقون باب الجار ولا الجيران يشترون الحلوى لتوزيعها عليهم".
العادات الطرابلسية
وكانت مظاهر العيد في ليبيا قديماً تختلف بين منطقة وأخرى، فمثلاً في طرابلس كانت النساء تبدأن منذ ساعات الفجر الأولى في تجهيز قاعة استقبال الضيوف بعد تعطيرها بالبخور، في حين يرتدي الرجال "الزبون"، وهو زي تقليدي يتكون من ثلاث قطع: البنطلون والقميص والفرملة المطرزة بخيوط الحرير، وهو لباس تقليدي يلبس فوق الجلابية البيضاء عادة قبل الخروج لأداء صلاة العيد.
وكانت الوجبة الأساس لأهل طرابلس في العيد هي السمك نظراً لارتباط مهنة الصيد تاريخياً بسكان المدينة، وباعتبار أنه يجلب الحظ الجيد لأصحابه، وهي عادة لم يعد يتمسك بها إلا القلة من أهل العاصمة.
وكانت القهوة العربية دائمة الحضور في مشاهد الاحتفال هذه جنباً إلى جنب مع معمول التمر والكعك المالح والغريبة، وهي حلويات كلها كانت تعد في المنازل خلال الأيام التي تسبق حلول العيد.
ودرجت العادة في طرابلس على الاجتماع في بيوت الأجداد لتناول طعام الغداء، بينما اليوم باتت حلويات العيد تشترى جاهزة وبات من النادر جداً إعدادها في المنازل مثل السابق.
العيد في الشرق
وفي شرق ليبيا كانت هناك بعض العادات الخاصة في العيد وعادات مشتركة مع باقي المناطق الليبية، وإفطار هذا اليوم في بنغازي والشرق بصفة عامة يكون طبق العصيدة بالرب التي يتناولونها بعد صلاة العيد، وتكون ربة البيت في أواخر رمضان قد جهزت مجموعة من الحلويات الليبية المعروفة مثل الغريبة والمعمول والكعك، ويرتدي الأطفال ثياب العيد الجديدة وتتزين كفوف البنات بالحناء الجميلة التي تضيف على ملابسهن الأنيقة مظهراً جمالياً خاصاً، وتتزاور العائلات لتقديم التهاني، وينال كبار السن الأولوية في المعايدة، كما يتنقل الليبيون بين المدن في أيام العيد للترفيه وقضاء هذه الأيام في جو من الألفة والمحبة والسلام.
أما التلفزيون الليبي فيبث المسرحيات العربية والمحلية وإن كانت قد أعيدت آلاف المرات غير أن الذاكرة الليبية أصبحت تربطها بهذا اليوم.
العيد في الجنوب
وفي جنوب البلاد كانت للعيد طقوس أخرى مختلفة من حيث اللباس للرجال والنساء وأنواع الطعام التي تجهز لهذه المناسبة، حيث يستهل الطوارق مثلاً المناسبة بكلمة "أساروف" ومعناها طلب المغفرة عن أي زلات، ويعد أهالي مدينة غات طبقاً من الملوخية يحمل اسم "لتارويث"، وهي عبارة عن عشبة محلية تجفف وتطحن ثم تطبخ لساعات على نار هادئة وتقدم للزوار. أما في أوباري، فإن الطبق المميز شوربة بلحم الخروف، يتبادله الجيران كعادة متوارثة في عيد الفطر.
أما الأمازيغ في مدنهم بغرب وجنوب ليبيا فتستقبل نساؤهم العيد باكراً بتجهيز صنفين من الخبز باستخدام أفران من الطين "التنور"، الصنف الأول من هذا الخبز يحمل اسم "أغروم ين فيرنو" وهو خبز مخمر يتم تناوله صباحاً، والصنف الثاني هو خبز غير مخمر سميك القوام ويؤكل مصحوباً بمرق البصل ولحم الخروف.
ومعظم هذه العادات القديمة الخاصة بالعيد حالياً لم يعد لها وجود إلا في أحاديث الذكريات التي يرويها الأباء والأمهات والأجداد للجيل الجديد الذي باتت معايدته تتم على الهواتف المحمولة ومواقع التواصل، مع صمود بعض المظاهر التي تذكر بالعيد القديم مثل لبس الثياب التقليدية التي لا تزال عادة يحافظ عليها كثير من الليبيين من مختلف الأجيال.