تعد أغاني العيد وأفلامه تراثاً فنياً وتقليداً جمالياً لا ينضب معينه داخل الفن الغربي، إذ دائماً ما نعثر على تجلياته الجمالية داخل عوالم التلفزيون. على رغم أن هذه الثقافة لا تعرف كثيراً من هذه الأعياد، مقارنة مع العالم العربي الغارق في فتنتها ومباهجها.
لذلك يعتمد هذا اليوم على عادات وتقاليد، تكاد تكون متفردة ومنفلتة من قبضة اليومي العادي. بعدما تروم المجتمعات إلى نسج علاقة قوية مع أشكال وتعبيرات تنتمي إلى عصور قديمة، لكنها ما تزال مترسبة في وجدات المجتمعات المعاصرة. وذلك من خلال شراء ثياب جديدة وإعداد أطباق حلويات وزيارة الأقارب وإحياء الصداقات القديمة والاستماع إلى الأغاني الدينية والذهاب إلى السينما.
بهجة العيد
تختلف عادات العيد وتقاليده من بلد عربي إلى آخر. زخم تتحكم فيه عوامل تاريخية وحضارية لا علاقة لها براهن البلد. بل إن الدول الإفريقية تعتبر أكثر البلدان غزارة وتنوعاً من حيث العادة وتتوزع بين الاحتفال والغناء والطبخ والرقص. أي أن التاريخ ما يزال يسكن الحاضر ويوجهه.
ويعثر الزائر لهذه البلدان كيف تعمل ساكنتها خلال أعياد العام على إعادة إحياء لبعض العادات والسلوكيات المندثرة من الحياة اليومية العادية. وذلك كمحاولة إضفاء بعض الخصوصية الثقافية على هذا اليوم وتمييزه عن بقية الأيام الأخرى.
ففي موزمبيق مثلاً يتسابق المسلمون بعد صلاة عيد الفطر صوب التصافح باليد كونهم يعتبرون أن الأول من يبدأ بذلك يحقق خيراً في ذلك اليوم. والأمر نفسه في نيجيريا أيضاً، حيث يتجه أعيان القبائل صوب المسجد عبر موكب غنائي راقص كبير، يظهر عمق وتنوع الحضارة على مستوى الغناء والرقص والموسيقى واللباس.
خارج مصر لا نعثر على تقاليد أفلام العيد (مواقع التواصل)
وعلى رغم تغير عادات وتقاليد العيد في زمن التكنولوجيا إلا أن الممارسات الفنية في علاقتها بالأعياد لا تزال حاضرة في التقليد الغربي، يفسر بعض الأنثروبولوجيين أن السبب وراء كثرة الأعياد بالعالم العربي، يعود أساساً إلى كون المجتمعات المركبة دائماً ما تحافظ وبطريقة تلقائية على تعبيراتها الرمزية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبما أن هذه
الممارسات الفنية لم تكن منتشرة في الثقافة العربية الوسيطية باستثناء الأغاني الدينية، بما يرتبط بها من أمداح وأناشيد وأندلسيات، كان لزاماً عليها عدم معرفة الطريق إلى أغان خاصة بالعيد إلا في الفترة الحديثة.
ومع ذلك لا يمكن اعتبار التعبيرات الفنية ذات البعد التاريخي
نمطاً غنائياً، بقدر ما تبقى ذات ميسم اجتماعي يصور حال الفرد والقبيلة. ولكن ما نقصده هنا هو لماذا ظلت المجتمعات العربية المعاصرة بمنأى عن التفكير في إنتاج أفلام وأغان ذات علاقة بالعيد؟ أعمال تعيد إحياء هذه الذكرى عن طريق قصص مستلهمة من أيام العيد، كما الحال داخل السينما الغربية.
يقول الباحث المصري فرغلي هارون محمد "الأعياد جمع عيد، وهو يوم الفرح والسرور والتواصل، يحتفل فيه الناس بذكرى كريمة أو مناسبة عظيمة، وسمى عيداً لأنه يعاود الناس ويرجع إليهم من حين إلى آخر. والأعياد ظاهرة اجتماعية عامة وقديمة قدم الإنسانية ذاتها، وهي تعتبر من العادات الجماعية، وتمثل مطلباً فطرياً تحتاج إليه النفوس لتستريح من عناء الحياة وكدها، كما أنها ضرورة اجتماعية لما تؤدى إليه من تعزيز وحدة المجتمع وتقوية الروابط بين أفراده".
أصالة التقاليد الفنية
تشكل العادات الفنية قالباً قوياً في التربة الغربية، إذ تعطي هذه الثقافة وفنونها أهمية بالغة لبعض إنتاجاتها وتجعلها تدخل في صيرورة لا تنتهي. بحيث كلما جاءت مناسبة عيد تقوم المؤسسات بإصدار أغان أو ألبومات أو إنتاج أفلام خاصة بالأعياد أو على الأقل برمجة أفلام وعرضها يوم العيد في صالات المدن.
المطربة نور الهدى التي قدمت أغنية خاصة بالعيد (مواقع التواصل)
بل إن هذا الطقس قد غدا أمراً ضرورياً لمثل هذه الممارسات الفنية، حتى غدت تقليداً سنوياً راكم عديداً من الأفلام السينمائية الخاصة بالأعياد على اختلاف أنواعها ودلالاتها ورمزيتها. ففي فرنسا وأميركا وأستراليا يستحيل عدم وجود مدينة لا تحتفي بالأعياد من خلال عرض أفلام أو مؤسسة موسيقية تنتظر هذه المناسبة السنوية من أجل إصدار فني جديد.
وذلك بحكم الرمزية التي تطبع هذا اليوم في متخيل الناس، تجعلهم ينتبهون إلى كل ما يروج في الساحة الفنية، على أساس أن الفن يدخل ضمن وسائل الترفيه والاستمتاع الخاصة بأيام العيد.
وتلعب الصالات السينمائية الناجحة دوراً كبيراً في تأجيج هذه العلمية. بعدما تقوم بعرض أفلام ووضع برنامج سينمائي غني، يمكن المشاهد من متابعة أفلام جديدة أو أخرى ذات علاقة بالمناسبة نفسها. لهذا تحقق قاعات السينما عائدات كبيرة يوم العيد، بخاصة إذا كان العمل الفني جديداً كما الحال في مصر.
أفلام ترفيهية
غربياً تتوزع أفلام العيد على خانات متعددة تبقى أشهرها: أفلام أعياد الميلاد، ومن ثم أفلام عيد الحب. وتعتبر هذه الأخيرة، أكثر أفلام الأعياد انتشاراً في السينما الغربية ويتم إنتاجها بشكل سنوي قوي، لأنها تلقى رواجاً كبيراً. وذلك لكونها أفلاماً ترفيهية ساذجة يتم إنتاجها خصيصاً مثل الوجبات السريعة في الأعياد من أجل الاستهلاك والنسيان. ويغلب على هذه الأفلام النظرة التعظيمية للحب وسطحية الحوارات واللعب على الاكلشيه والمؤثرات الصوتية والرفع من حدة الحكاية وسلطتها وفق نفس رتيب. وعلى رغم مظاهر النقد اللاذع الذي يوجه إلى هذه الأفلام، فإن شركات الإنتاج تراهن عليها غير مكترثة بآراء النقاد وعشاق الفن السابع. وذلك بسبب ما تذره عليها من مداخيل في الأسبوع الأول من عرضها.
يقول الكاتب محمد حمدي هاشم "اعتمدت الأفلام الرومانسية غالباً، على سيناريوهات تضع عوائق كبيرة تمنع علاقات الحب من الاستمرار، مثل المرض أو الحالة المادية أو الخلافات الاجتماعية والطبقية. ولكنها انحازت على رغم نهاياتها الحزينة أحياناً، إلى بقاء الحب بصور مختلفة حتى ولو كان ذلك مجرد ذكرى جميلة، وهذه قائمة ببعض هذه الأفلام".
غنى الساحة الفنية المصرية
تبقى مصر أكثر البلدان العربية التي تعنى بظاهرة أفلام العيد وأغانيه. بل إن هذا يكاد يضاهي الممارسة الفنية في الغرب، إذ تعمل مؤسسات إنتاجية على إطلاق عروضها التجارية ليلة العيد ويشارك في مشاهدتها المخرج إلى جانب أبطال الفيلم وأهل الفن والصحافة والإعلام. في حين تعمل الصالات الأخرى وفق برامج غنية ومتجددة على عرض أفلام غربية جديدة، حيث المنافسة بين الأفلام المحلية ونظيرتها الأجنبية. غير أن الأهم يظل مرتكزاً على تكريس ثقافة الفن يوم العيد. والدفع بالناس إلى زيارة دور السينما والمؤسسات إلى إنتاج أغان وأفلام. أما المشكلة في هذه الأفلام أنها لا علاقة لها بالعيد.
إذ لا يعثر المشاهد على
عوالم العيد داخلها، سواء الفطر أو الأضحى أو الحب أو رأس السنة والميلاد. بل هي أفلام تتطرق إلى قضايا عامة ذات علاقة بالسياسة والاجتماع، كان من الممكن عرضها برمجتها خارج العيد، لكن المؤسسات تتعمد هذه الكيفية من أجل استقطاب شريحة أكبر من المجتمع، سيما الخارجة عن المجالين الفني والإعلامي.
أصدر عديد من الفنانين المصريين الكبار عدداً من الأغاني التي تحتفي بالعيد وذاكرته في وجدان المجتمع. نجد مثلاً أغنية "يا ليلة العيد" لأم كلثوم، وهي من كلمات أحمد رامي وألحان وتوزيع رياض السنباطي. لدرجة غدت الأغنية تمثل تقليداً فنياً بالنسبة إلى المجتمع يوم العيد.
ثم نجد أغنية "تكبيرات العيد" للمغني المصري أحمد جمال التي تحاكي فعل صلاة العيد. وهي أغنية تصنف ضمن الأناشيد أكثر من كونها أغنية، لكونها تفتقر إلى قوالب موسيقية حديثة أو معاصرة. هذا إلى جانب أغنية "هل هلال العيد" التي غنتها المطربة اللبنانية نور الهدى، بكلمات من بيرم التونسي وألحان فريد الأطرش. ثم أغنية "العيد جيه" التي أداها المطرب إيهاب توفيق التي تعد أشهر الأغاني الجديدة الخاصة بالعيد.
يفتقر العالم العربي إلى سياسة واضحة المعالم والرؤى خاصة بالعيد، إذ ما تزال البلدان الأخرى لا تعطي أي اهتمام يذكر للعيد داخل الإنتاج الغنائي والسينمائي. بل لا يتوقف الأمر عند العيد فقط، لكون هذه الثقافة لم تحقق بعد أبسط شروط الحداثة الفنية التي تجعلها تخوض تجارب إبداعية أخرى كما الحال في الغرب.