ملخص
قد يكون التذمر من تطبيقات المواعدة بلغ ذروته، لكن الكاتب يحاول الدفاع عنها هنا...مع أخذ المحاذير بعين الاعتبار طبعاً!
استيقظت صبيحة يوم عيد الحب هذا العام على رسالة وصلت إليَّ على تطبيق مواعدة كانت بذيئة بشكل مثير للاشمئزاز، لدرجة أنها كانت أشبه بالاستيقاظ لتجد نفسك نائماً بجوار مالكوم تاكر بطل مسلسل "خضم" The Thick of It. بغض النظر عن هذه الحادثة، أنا أحب تطبيقات المواعدة حقاً. يمكن القول إن وجهة النظر هذه غير عصرية إطلاقاً، الآن أكثر من أي وقت مضى. حتى الآن هذا العام، كانت هناك سلسلة من المقالات التي تعبر عن إحساس بالضيق تجاه "التطبيقات" أعمق من المعتاد. لا أحاول في مقالي هذا مواجهة أصحاب هذه الرؤية ولا الاختلاف معهم، لكنني مقتنع أيضاً بأن حال التطبيقات لن يتغير في أي وقت قريب. بعبارة متفائلة، أعتقد أنها ما زالت قادرة على أن تكون شيئاً جيداً في المجتمع، كما أنني أبلغ من العمر ما يكفي لأتذكر المواعدة السريعة والإعلانات الشخصية. صدقوني، إذا كنتم تعتقدون أنه كان هناك عصر ذهبي للرومانسية ما قبل الإنترنت يمكننا الرجوع إليه، فأنتم مخطئون. في الواقع، هذا يذكرني بالسؤال: كم عمري حقاً؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حملت أول تطبيق للمواعدة لما كنت في سن الأربعين في عام 2020 بعد انتهاء علاقة دامت لفترة طويلة. ونظراً إلى أنني كنت ساذجاً، وغير واثق من نفسي، إضافة إلى كوني معتوهاً تماماً، كذبت حيال عمري عندما أنشأت حسابي وادعيت أنه - من فضلكم استعدوا للمفاجأة - "39". بالمناسبة، ستسركم معرفة أن شخصاً ما واعدته لاحقاً - وقد صارحته بالأمر - قرعني تماماً بسبب الكذبة، بكل مهارة وحماسة التوبيخ المحترف من طراز عالمي حقاً.
أود أن أكون صادقاً في عدم صراحتي الأولية لأنه النموذج الذي أراني كيف بينت التطبيقات لي قيمة أن أكون منفتحاً قدر الإمكان. لا فائدة حقاً من التحايل على نفسك أو على الآخرين، والغريب إدراكي أنه لا يوجد شيء يجعل هذه الحقيقة واضحة أكثر من التحدث عن رغباتك مع أشخاص غرباء تماماً. يشتكي الناس من الكم والقدر الهائل للمصادفة الذي توفره هذه التطبيقات، لكنني أعتقد بصدق أن جمالها يكمن هنا: لديك فرصة نادرة لتكون صادقاً تماماً ومن دون تلميع صورتك ومع ذلك تجد شخصاً تتوافق معه. إنه عكس تلك القصة المألوفة والمستهلكة في أفلام الكوميديا الرومانسية، حيث يكون أحدهم معجباً بشخص ما ويتظاهر بمشاركة اهتماماته فقط للخروج معه في موعد غرامي. في المقابل، تنجح التطبيقات فقط عندما تستغرق الوقت الكافي لتقييم ما تريده حقاً وتعقد العزم بناءً على ذلك.
ربما كان بإمكاني ادعاء امتلاك نظرة فوقية تجاه المواعدة، لأنني شخص شمولي جنسياً يواعد رجالاً أو نساء أو أشخاصاً غير ثنائيي الهوية الجنسية، لكنها ستكون نظرة زائفة بصراحة. مع ذلك، أشعر أنني مؤهل للقول إن الفن والثقافة السائدين ضعيفان بدرجة مضحكة في عكس واحدة من أكبر الثورات الاجتماعية في عصرنا. بالتأكيد، أتفهم أنه من الصعب صنع دراما رائعة عن الشخص "أ" (الذي يجلس في حافلة) وهو يكتب رسالة إلى الشخص "ب" (الجالس في الحمام)، لكن باستثناء المجرمين الحقيقيين المقلقين في هذا المجال مثل الشخص الذي يتناوله وثائقي "محتال تيندر" The Tinder Swindler، غالباً ما يتم التطرق إلى المواعدة عبر الإنترنت فقط في خضم الأعمال الدرامية عن المضطربين عقلياً والقتلة المتسلسلين. تشمل الأمثلة الحديثة دراما الجريمة التكنولوجية الغامضة "هذا هو" The One الذي تعرضه شبكة "نتفليكس" - عن المواعدة عبر مطابقة الحمض النووي – أو فيلم الرعب "طازج" Fresh الذي طرحته منصة ديزني بلس العالم الماضي ويحكي قصة جزار من أكلة لحوم البشر.
أعتقد أن هناك عواقب لهذا في العالم الحقيقي. لا يزال هناك تكبر حقيقي جداً تجاه الأشخاص الذين يلتقون عبر الإنترنت. يعني غياب قصة "رومانسية" تقليدية عن لقاء شخصين أنني رأيت كثيراً من الأشخاص المرتبطين الذين يصرحون بقصة لقائهم الأصلية على الإنترنت مرفقة بشيء من الخزي. سماع أحد الطرفين في علاقة حب يقدم اعتذاراً مثل "نعم، التقينا عن طريق تطبيق" يجعلني ضمنياً أرغب في الموت، لأنه – ولتذهب بقية العالم إلى الجحيم – يجب الاعتراف بأي ارتباط يمتلك طاقة جيدة مثله مثل أي ارتباط آخر.
إنه مؤسف أيضاً لأنني أعتقد أن الثقافة الشعبية تتغافل عن تحول جنسي جذري يحدث في هذا الوقت – بخاصة بالنسبة إلى الرجال. في عصر الديسكو في السبعينيات، كانت ثقافة البوب تحب الرجل القادر على الرقص. لا يتصرف كفتى غر أبداً،إذ إنه يعرف البراعة الجنسية التي تمتلكها شخصية على غرار جون ترافولتا. وبقفزة سريعة بالزمن إلى يومنا هذا، أعتقد أن التطبيقات قد أعلنت بداية حقبة جديدة: حقبة يمكن للرجال أن يكتبوا فيها.
أتذكر بدقة أنني قابلت امرأة قبل سنوات كانت قد بدأت مواعدة منقح نصوص مجتهد ومتواضع إلى حد بعيد، كان يجعلها تصاب بالدوار لدرجة الإغماء في كل مرة يرسل لها ملاحظات بارعة متقنة بشكل صادم من القذارة المطلقة التي كانت تصل إليها، كما لاحظت في الليلة التي قابلتها فيها، كل ست دقائق على ما يبدو. في كل مرة تسمع جرس التنبيه على هاتفها، كانت تهتز في مكانها بعنف، وتحمر خجلاً، ثم تنفجر ضاحكة. أعجبت بأسلوبه في الكلام، ثم تذكرته لما دخلت عالم التطبيقات، لأنه مكان تحسب فيه الكلمات حقاً. الآن أكثر من أي وقت مضى، وفي العلاقات الجنسية بين الجنسين على وجه الخصوص، أعتقد أن القلم أقوى بكثير من القضيب. يمكن القول إن الحاجة إلى القدرة على استخدام الكلمات في نص مكتوب لم تكن مهارة حياتية مطلوبة أكثر مما هي عليه الآن. للأسف، لسنا جميعاً قادرين على أن نكون منقحي نصوص محترفين، فكيف يتعلم الرجال كيفية الكتابة على تطبيقات المواعدة؟
مجدداً، يوجد هنا فراغ ثقافي بحجم حفرة على سطح القمر. هناك عدد كبير من الأمثلة عن رجال يكتبون بشكل سيئ لدرجة مضحكة، على سبيل المثال عندما يتصرفون وكأنهم "ليسوا كالآخرين" – تلك الظاهرة الغريبة التي يدعي فيها الرجال الذين يبدون حساسين على التطبيقات أنهم ليسوا مثل "الرجال الآخرين، وينضحون بالفوقية مثلما يفعل الحلزون عندما يفرز مخاطاً غزيراً ولزجاً. هناك حسابات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض كماً لا ينتهي من هذه الدردشات المخيفة، لكن لكي نكون منصفين، من الصعب جداً العثور على أمثلة عن السلوك الغزلي الرائع للذكور. أنا لا أقول إننا في حاجة إلى ثناء إذا أحسنا التصرف، أو أن يقوم شخص ما بإنتاج سلسلة من الكنايات المثيرة التي يمكن نسخها ولصقها - سيكون ذلك أشبه بالمغازلة عبر الإنترنت باستخدام روبوت ذكاء اصطناعي (وهو شيء موجود، صدقوا أو لا تصدقوا، بفضل تطبيق يحمل اسم كيوبيد بوت). كل ما يمكنني اقتراحه هو أن الحديث عن التصرف الجيد، وكما هو الحال مع معظم الأشياء، نادراً ما يكون فكرة سيئة.
على رغم أنني أواعد أشخاصاً من هويات جنسية متنوعة، فلم أواعد رجلاً سوي الميول الجنسية أبداً، في حين أن التطبيقات التي تركز على المثليين أو المثليات مثل غريندر أو هير تأتي بمشكلاتها الخاصة، لا مفر من أن جذور السخط الشديد تجاه التطبيقات تكمن في سلوك الرجال السيئ تجاه النساء. وبينما أعتقد بصدق أنه من المفيد للمجتمع أن يفهم الرجال كيفية الكتابة والتعبير عن رغبتهم بشكل أفضل، أظن في الواقع أنه يجب أن يكون إلزامياً إلى حد ما توعية الرجال بالأشكال الشائعة بشكل مثير للاشمئزاز للإساءة والأضرار التي تحدث ضد النساء على التطبيقات.
يحدث الفساد على مستوى شبه متفشٍ، لكنه لا يؤثر في الرجال إطلاقاً تقريباً. القصص هي نفسها دائماً. لا أعرف أي امرأة لم تشعر بأنها جردت من إنسانيتها بسبب الصفاقة المروعة لحوار الرجال عبر الإنترنت. لا أعرف أي امرأة لم تشعر بالتهديد أثناء الدردشة. لا أعرف أي امرأة لم تستيقظ بعد على سلسلة من الرسائل من رجل تبدأ بعبارة "أوه، مرحباً"، ثم تتحول بطريقة ما إلى إساءة، وصور فاضحة وصور قضيب غير مرغوب فيها، لا تستند إلى شيء سوى يأس الرجل المضطرب والمثار جنسياً.
بالتأكيد، لا تصلح التطبيقات للجميع. أنا لا أنزعج من أي شخص يريد التخلص منها، لكنني أيضاً براغماتي بما يكفي لأقدر أنه - على رغم تصويرها في الثقافة الشعبية – لا تزال مستخدمة على نطاق واسع لدرجة أنه من الصعب تخيل اختفائها قريباً. مثل عديد من جوانب العالم الحديث، أعتقد أن المشكلة ليست في التكنولوجيا، ولكن في عقلية الأشخاص الذين يستخدمونها - والتي أظن بتفاؤل أننا نستطيع البدء في تغييرها إذا زدنا التوعية بالتطبيقات أكثر.
لن تجعل التطبيقات الرجال الإشكاليين أشخاصاً جيدين، لكنني أعتقد حقاً أنها يمكن أن تجعل الرجال الجيدين أشخاصاً أفضل. إذا تعلمنا أن نكون صادقين تجاه المتع الكبيرة والآلام الهائلة لعالم التطبيقات على حد سواء، وأن نطبع الحديث عنها على الملأ (على سبيل المثال، لا مزيد من نظرات الازدراء من قبل الأشخاص المتزوجين، من فضلكم)، وأن نحتفل كذلك عندما يعثر الناس على شركائهم عبر التطبيقات، أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لاستيقاظ مزيد من الأشخاص العام المقبل على رسالة لطيفة فعلياً في عيد الحب.
© The Independent