ملخص
حركة "اللاءات الأربعة" هي حراك نسوي بدأ في كوريا الجنوبية ويدعو النساء لرفض الجنس والزواج والإنجاب من الرجال. وانتشر الحراك عالمياً واكتسب زخماً بعد فوز ترمب.
في ولاية ميسوري وبعد ساعات من إعلان دونالد ترمب فوزه بالانتخابات الأميركية خلال وقت سابق من الأسبوع الماضي، حملت آشلي بولارد هاتفها لتصور فيديو. وهي على وشك أن تسر للكاميرا بكلام لم تبح به علناً من قبل، كما تقول، وقد كتبت على المنشور الذي حملته على منصة "تيك توك" عبارة "لا مزيد".
في مطلع الشهر الجاري، أعلنت بولارد البالغة من العمر 36 سنة إلى جانب آلاف السيدات الأخريات، عن قرار اتخذته منذ عامين بالانضمام إلى حركة نسوية راديكالية اكتسحت كوريا الجنوبية فجأة وبدأت بالانتشار في الولايات المتحدة.
وسميت الحركة "فور بي" أو اللاءات الأربعة [بي باللغة الكورية تعني كلا]، وهي حركة احتجاجية، إذ تتعهد النساء بموجبها بـ"أربع لاءات" لرفض ممارسة الجنس مع الرجال أو مواعدتهم أو الزواج بهم أو إنجاب أطفال من صلبهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بداية، قررت بولارد الانضمام إلى الحركة سراً. لكنها اختارت الآن "التعبير بصورة صاخبة أكثر" عن قرارها كما تقول بكل عزم، مضيفة "أنا أؤيد هذه الحركة بصورة كاملة وأرغب أن تشاركنني جميعاً في ذلك".
حصد الفيديو الذي نشرته على "تيك توك" أكثر من 2.5 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة أو أكثر قليلاً. وكتب عليه ما يزيد على 4 آلاف تعليق ونال إعجال الآلاف. وفي حديث لي تقول بولارد "أنا في دوامة حالياً". هذه أول مرة ينتشر فيديو لها بهذه الصورة، ومن المنطقي جداً أن تشعر هكذا.
خلال الأيام القليلة الماضية، تصدرت حركة "اللاءات الأربعة" العناوين حول العالم بعد قيام آلاف النساء بتصريحات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وانطلقت هذه الحركة من كوريا الجنوبية خلال أواخر العقد الثاني من القرن الـ21 في ظل انتشار انعدام المبالاة والرفض السياسي لتجارب النساء في بلد يسجل بعض أعلى معدلات ممارسات العنف ضد المرأة في العالم. وفي الولايات المتحدة، لاقى إقبال النساء على الحركة استخفافاً وسط اعتبار من ينضم إليها نساء "ناقمات... وينتقمن"، لكن النساء مثل بولارد يقلن إنهن غير قادرات على تحمل مزيد، بكل بساطة.
وتقول بولارد "لا علاقة لهذا الموضوع بما يقولونه من قبيل ’لقد خسرتم الانتخابات، فلتنتحبوا لخسارتكم‘. بل ما يغيظنا هو مجرد حصول الانتخابات [بهذه الطريقة]. نشعر بالاستياء لأن النساء سيكن دائماً محط الانتقاد مهما حصل، لكن في هذه الأثناء سيتسنى لمغتصب أن يترأس البلاد. لسنا غاضبات لأننا حزينات على الخسارة ونسعى إلى الانتقام، بل غاضبات لأن الرجال يكرهوننا. وعلينا التوقف عن التصرف كما لو أنهم لا يفعلون".
"إنها حرب على النساء" كما صرحت بيلي آيليش تزامناً مع بولارد تقريباً. ووافقتها كثيرات الرأي. ولم يكن موضوع النوع الاجتماعي محورياً إلى هذه الدرجة في أي انتخابات قبلاً. وفي النهاية، قالت صناديق الاقتراع إن الذكورية -أو الخوف من نجاح امرأة وبخاصة امرأة سوداء، بالطعن فيها- هي التي انتصرت.
عدت النساء الليبراليات نتائج الانتخابات تأييداً للعنف الجنسي بعد عملية انتخاب بدت أقرب إلى استفتاء على حقهن في الإجهاض بأمان وسلامة، وقد شعرن بهذه الخسارة حتى النخاع. وتقول كثيرات إن حركة "فور بي-اللاءات الأربعة" طريقة لاستعادة زمام الأمور بعض الشيء والقتال.
وخلال عهد ترمب الأخير جرى نقض حكم قضية "رو ضد وايد" التاريخي الذي أسس للحق في الإجهاض في القانون الدستوري. ونتيجة لذلك، أصبح الإجهاض غير قانوني عملياً في أكثر من 20 ولاية.
وأدى ذلك طبعاً إلى معاناة أعداد كبيرة من النساء من تجارب مرعبة، منهن مراهقات تعرضن للاغتصاب مثل فتاة بعمر الـ13 في ميسيسيبي لم يكن بمقدورها دفع كلف السفر للحصول على الرعاية الصحية وأجبرت أن تصبح أماً، ونساء مثل جوسيلي بارنيكا 28 سنة، ونيفاً كراين 18 سنة، اللتين توفيتا بعدما أسفر الحظر في تكساس عن تأخير قاتل في تقديم الرعاية الصحية لهما بعد الإجهاض.
وعلاوة على النساء اللاتي يروجن لحركة اللاءات الأربعة على "تيك توك"، تعمل نساء أخريات على شبكات التواصل الاجتماعي على حث الأميركيات على تأمين كميات كافية من الخطة البديلة -أي أقراص منع الحمل التي تؤخذ بعد ممارسة الجنس- خوفاً من وقوعهن في مشكلات كبيرة. وليس من المفاجئ أن الحظر لم يؤد إلى تراجع عدد عمليات الإجهاض داخل الولايات المتحدة، بل إلى زيادة عمليات الإجهاض غير الآمنة.
أما بالنسبة إلى بولارد، فعندما أدركت في منتصف الثلاثينيات من عمرها بأنها غير مرتاحة لفكرة إنجاب طفل مع رجل، شكل ذلك عاملاً أساساً في اتخاذها قرار الانضمام إلى الحركة. وهذا ما أوصلها تالياً إلى الوعي بأن التقاليد والأعراف حفزت سلوكها بمعظمه كي يدور حول نظرة الرجل إليها.
وتوضح "أتاحت لي حركة اللاءات الأربعة بأن أخصص عاماً لا أكترث فيه للرجال. وتساءلت عندها، ما الثياب التي أحب أن أرتديها؟ وماذا يعجبني فعلاً؟ وأين أريد أن أسكن إن كنت لا أفكر في المكان الذي أحتاج أن أكون فيه كي أتعرف إلى رجل يشبهني. أدركت عندها بأن كل شيء، كل القرارات التي أتخذها -سواء بصورة واعية أو غير واعية- كانت تدور حول الرجال".
لم يكن المسار الذي شقته بولارد قبل الوصول إلى حركة اللاءات الأربعة مساراً مستقيماً لكنه بدا لها منطقياً بصورة تدريجيية. وعلى مر الأعوام، شعرت بإحباط من مفهوم الأنوثة السائد الذي يشكله الرجال والخوف الذي يرافق النساء بطبيعتهن في كل نواحي الحياة.
وتقول بولارد "اللافت أنني عرفت عدداً كبيراً من الرجال المذهلين وتزوجت بعض صديقاتي من رجال رائعين، وفي عائلتي رجال عظماء وقد واعدت رجالاً من هذا النوع كذلك، لكنني أراقب الرجال طوال حياتي والحقيقة أنني لا أشعر بالأمان حقاً مع معظمهم. تسمع عن بعض المواقف التي من المفترض أن تشعر فيها بالأمان -أو الرعاية حتى- لكنك لا تستشف ذلك في الحقيقة".
وتتابع بقولها "نرى ذلك في أماكن العمل وفي العلاقات الزوجية وفي العائلات. ونراه على متن وسائل النقل العام. فالأماكن التي تسمح للنساء أن يشعرن بالراحة والاسترخاء قليلة جداً".
وبدأت بولارد التي عقدت العزم أن تصبح والدة عزباء بتلقي ردود فعل سلبية على منشورها، لكن ذلك لا يزعجها. وتقول "من المفترض أن يراه الأصدقاء والعائلة الآن" لكن ذلك لا يزعجها أيضاً. ونشأت على مبادئ "مسيحية حتى العمق" في كنف عائلة كبيرة معظم أفرادها من الجمهوريين، مع أن عدداً من أقاربها الشباب يشاركونها الآراء الليبرالية.
وتشرح بأن "الناس لديهم آراؤهم الخاصة. ولا يهمني فعلاً إن كان الآخرون معارضين لذلك التوجه أم لا. فلو كنت معارضاً لن تعود قادراً على التعاطي معي بعد ذلك بكل بساطة. وهذا هو فعلاً المغزى من حركة اللاءات الأربعة".
وتستطرد "أريد للنساء أن يعلمن أنهن غير مضطرات للاكتراث في شأن الرجال. لستن مضطرات للاعتقاد بأنكن سمينات. لستن مضطرات لتصديق ذلك. لستن مرغمات أن تصبحن أمهات، ولستن مجبرات على البقاء في ذلك الزواج".
لكن من الواضح أن الأمر ليس بهذه البساطة. ربما كانت الفجوة بين الجنسين –بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي- واضحة وضوح الشمس في استطلاعات الرأي، لكن التفاصيل مروعة حقاً. ووفقاً لوكالة "أسوشيتد برس"، صوتت 53 في المئة من النساء البيض لمصلحة دونالد ترمب. وبين الرجال الذين تراوح أعمارهن ما بين 18 و44 سنة صوت 52 في المئة للجمهوريين، ويرتفع هذا الرقم إلى 56 في المئة في أوساط الناخبين بعمر الـ45 فما فوق. وفي المقابل، انتخب 92 في المئة من النساء السود هاريس إضافة إلى 80 في المئة من الرجال السود.
إن ما حصل في هذه الانتخابات هو معضلة متعددة الأوجه لا يمكن حلها عبر حركة واحدة مثالية تركز على النوع الاجتماعي. ومع ذلك، لحركة "اللاءات الأربعة" القدرة على الاستمرار، تماماً كحملة "أنا أيضاً" [مي تو] غير المسبوقة.
ويعتقد بعض بأن انخفاض معدل الخصوبة -وهو أمر يثير انتباه الحكومة القلقة- مرتبط جزئياً بحركة اللاءات الأربعة. فهل تعتقد بولارد أنه من الممكن أن تكتسب زخماً في الولايات المتحدة وما بعدها؟
وتجيب "لا أعتقد أنها ستخلف تداعيات واضحة وكبيرة بهذه الصورة. وحتى عندها، لا أعتقد أننا سنتمكن بطريقة ملموسة أن نربط التداعيات بشيء كهذا".
وتختم قائلة "لكنني أرى أنها فرصة كي يقال للرجال إننا لن نتحمل أكثر من هذا. وفرصة للنساء كي يعلمن أنه لا بأس في ذلك. يمكنك أن توصدي هذا الباب. هذا ما فعلته أنا".
© The Independent