ملخص
المسلمون أول من فصلوا المدرسة في بناء تعليمي أقيم في مناطق مزدحمة ومنعوا الضحك في الفصول وعينوا "ناظراً" يراقب أداء المعلمين.
بات طلب العلم أكثر تعقيداً، فتربية الإنسان كي يصبح مهيئاً للحصول على المأوى والمأكل والملبس هي تربية بدائية، ظهرت مع ما يسمى مدرسة الجيمناستك عند اليونان 420 قبل الميلاد، حين كانت المدرسة ساحة يجتمع المعلمون فيها لتقديم علومهم أثناء حصص التربية البدنية. وهكذا تسرب مفهوم التربية إلى وزارات المعارف عند العرب وغيرهم وبقي سابقاً حتى على التعليم.
وتقول إيمان أحمد مسؤولة الصحة في واحدة من مديريات التربية شرق العاصمة الأردنية عمان، "إن عملية التربية والتعليم ينبغي أن تكون متكاملة لكن الواقع مختلف عن النظريات"، فما تنتجه المدرسة حالياً هو إنسان غير المستهدف تماماً.
إذ تحيلنا إيمان إلى رأي للكاتبة غادة الحلايقة، تبين فيه أن التربية أشمل من التعليم، فالتعليم معلومات نظرية لا نلمس أثرها خارج نطاق المدرسة أحياناً، إذ لا يكفي وحده لتنمية كل جوانب شخصية الإنسان بما يسمح بالتكيف مع محيطه ويساهم في تطوير وإصلاح المجتمع وازدهاره.
المدرسة عند العرب
تشكل مفهوم المدرسة عربياً منذ القدم ولم يكن مشابهاً للنمط الحالي الذي ينسب إلى الثقافة الأوروبية، فالمدرسة منذ عهد النبوة وحتى القرن الـ14 الميلادي كانت ملحقة بالمساجد، لكن السلاجقة أقاموا عام 1066، أول مدرسة خاصة لها بناء تعليمي منفصل، وسميت "المدرسة النظامية" نسبة إلى مؤسسها الوزير نظام الملك البغدادي، وفي القرن الـ15 الميلادي أقام العثمانيون الأتراك أول كلية تعليمية في كل من "بورصة" و"إدنبرة"، فيما ضمت كلية الفاتح في إسطنبول مجمعاً يحتوي 16 مدرسة للعلوم والدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الأموال تدفع بسخاء من متبرعين لتمويل المدارس والكليات حتى أن "ابن بطوطة" قال في وصف ذلك "كان كل من يرغب في متابعة الدراسة يتلقى كل العون حتى تحقيق غايته"، وقد أحصى ابن حوقل ما يقرب من 300 معلم في القرن الـ10 الميلادي في كل من باليرمو وصقلية الإسلامية حينها.
لكن أول من حدد مفهوم المدرسة ضمن أقرب صيغة لما نراه الآن هو ابن الحاج (القرن الـ14) الذي أوصى بإقامة المدارس في بناء مستقل وفي أماكن عامرة وعند الأسواق المزدحمة ومنع الأكل والشرب فيها ومنع الضحك والمزاح في الفصول كما عين أول "ناظر" يراقب أداء المعلمين.
التربية والتعليم حديثاً
أخذت أوروبا الحديثة مبادئها المدرسية من اليونان القدماء، وتجاهلت الحضارة الأوروبية نظام التعليم العربي العريق مع أنه أقرب لها زمنياً من سواه، إذ طبقت فكرة الجيمناستك اليونانية بشكل شبه حرفي، فاعتمدت أثناء الفترة البروسية 1538 (نسبة لبروسيا القديمة) التي شملت معظم أنحاء أوروبا الحديثة ما عدا بريطانيا وإسبانيا نظام المدارس الداخلية المسمى جمنازيوم وهو مشتق من المفهوم الإغريقي ذاته القائم على الاهتمام بالجانبين العقلي والبدني الذي يجهز الطالب للمرحلة الجامعية أو يوجهه نحو الحياة المهنية. وظل هذا النظام مطبقاً حتى مطلع القرن الماضي، إذ جرى تحديثه مراراً وفق البلاد التي يطبق فيها، وانتقل حديثاً إلى التعليم الأردني والعربي بشقيه العام والخاص.
وتقول المعلمة سارة التي عملت في قطاعي التعليم الخاص والحكومي "إن التعليم في المدارس الخاصة الأردنية أفضل بكثير وهناك اهتمام بالبيئة التعليمية والطالب، لكن ذلك يكون على حساب التحصيل العلمي أحياناً"، إذ تعرض سارة لموقف حدث معها جراء رفضها طلب مديرة المدرسة الخاصة زيادة درجات واحد من الطلبة من دون مبرر، مؤكدة أن التعليم الخاص يوهم الأهالي أحياناً بمستوى أبنائهم، ويظهر ذلك بجلاء ند انتقال الطالب للتعليم الحكومي نظراً إلى الضائقة المالية.
وتختم سارة "كثير من مدارسنا اليوم بمثابة ماكنات تفقيس، إذ تندر العقول المميزة، فيما يحتاج التعليم المميز إلى إدخال الأبناء مدارس ’فخمة‘ تتقاضى عشرات آلاف الدولارات لتأمين اللوازم الحديثة للتدريس وهو ما لا تقدر عليه كثير من الأسر الأردنية".
ويعلق يوسف المشني مدير مدرسة حكومية على ذلك بقوله، "تستطيع المدارس الخاصة أن توفر بيئة تعليمية جاذبة وآمنة وكثير من متطلبات العملية التعليمية لكن هذا لا يعني أن المتفوقين أكاديمياً ورياضياً وعلمياً والفائزين في المسابقات والأنشطة لا يأتون من مدارس حكومية بل إن معظم المتفوقين في المدارس الخاصة مهاجرين من مدارس حكومية".
التعليم الخاص
احتاج الانسان إلى ما يقرب من ألفي عام ليصل إلى مفهوم التعليم الحديث، وامتد ذلك وفق بعض الموسوعات العلمية من 420 قبل الميلاد إلى 1538، ما بين اليونان وأوروبا مروراً بالعرب وحضارات أخرى مثل الفارسية والتركية.
وكانت بداية التعليم شعبية بامتياز قبل أن تستحوذ عليها الدول والحكومات بهدف تطويرها، لكن الفشل في إنجاز هذه المهمة الشاقة في بعض الفترات قاد المجتمع إلى التعليم الخاص، الذي تعود جذوره التاريخية إلى فترة الخلافة الإسلامية في القرن التاسع الميلادي من خلال فكرة المعلم الخاص، فالأغنياء كان لهم معلمون خاصون، فيما كان التعليم قليل الكلفة أو المجاني متاحاً للجميع وشمل بعض الإناث وحتى أولاد العبيد.