ملخص
رغم أن الجبهة سبق أن أجرت حواراً مع الحكومة عام 2019، بوساطة إريترية، فإن تعثر المسار المتعلق بتنفيذ الاتفاق، بما في ذلك نزع سلاح الجبهة، حال دون استمرارها في المضمار السياسي، فما الذي يجري حالياً؟
أعلنت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية قبولها إجراء مفاوضات مع جبهة تحرير شعب الأورومو التي ظلت تقاتل الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة منذ عام 1976.
وجاء الإعلان الرسمي الإثيوبي بعد سلسلة من اللقاءات السرية التي ظلت تجري بوساطة دول أفريقية وأوروبية عدة، قبل أن يتم الإعلان عن مبادرة "كينية ترويجية" تحظى بدعم أميركي - أوروبي، للوصول إلى اتفاق شامل للسلام تتحول من خلاله الجبهة المسلحة إلى حزب سياسي فاعل في إطار الدستور الفيدرالي الإثيوبي، وذلك حال الاتفاق على تحقيق مطالب عدة ظلت الجبهة تناضل من أجلها قرابة خمسة عقود من الزمن.
وعلى رغم أن الجبهة سبق أن أجرت حواراً مع الحكومة عام 2019، بوساطة إريترية، وعادت بموجبه إلى إثيوبيا، فإن تعثر المسار المتعلق بتنفيذ الاتفاق، بما في ذلك نزع سلاح الجبهة، حال دون استمرارها في المضمار السياسي، حيث احتفظت الذراع المسلحة لها بتشكيلها العسكري تحت اسم "جيش تحرير الأورومو" الذي وجد أرضية خصبة لمواصلة قتاله من داخل الأراضي الإثيوبية بعد أن بقى في إريتريا عقدين من الزمن، الأمر الذي دفع إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى تصنيفه كمجموعة "إرهابية" ومحاربته، فضلاً عن تحميله مسؤولية عدد من الجرائم والاغتيالات التي شهدها إقليم الأورومو خلال الأعوام الأربعة الماضية.
الخطأ الاستراتيجي
لعل إدارة آبي أحمد أدركت متأخرة أنها ارتكبت خطأ استراتيجياً عندما سمحت بعودة وحدات الجبهة بكامل عتادها العسكري إلى الداخل الإثيوبي بشروط إريترية تفتقد ضمانات كافية، مما نقل الحرب القديمة من المناطق الحدودية إلى العمق الإثيوبي، وإن بشكل جديد.
وعلى رغم تبرؤ الذراع السياسية للجبهة من العمليات التي تقودها الذراع العسكرية لها، فإن الأخيرة ظلت تستفيد من التجارب النضالية للجبهة ومن التعاطف الشعبي معها، حيث يمثل الأورميون أكبر كتلة سكانية في البلاد (40 مليوناً)، ولا يمكن إنكار ارتباط ذاكرتهم بتاريخ الجبهة التي ظلت تخاطب وجدانهم لخمسة عقود مضت.
تحالف المصالح
مثلت حرب تيغراي بين الحكومة المركزية وجبهة تحرير تيغراي التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، فرصة جديدة لجيش تحرير الأورومو، الذي أجل خلافاته التاريخية مع تيغراي ليعقد تحالفاً جديداً معها يعتمد على قاعدة "العدو المشترك" المتمثل في النظام المركزي، وقاد جيش الأورومو معارك شرسة بالتنسيق مع تيغراي ليكبد الجيش النظامي خسائر كبيرة مستفيداً من انشغال الأخير بمعارك الشمال.
وأعلنت الجبهتان حينها عقد تحالف بينهما للتنسيق العسكري والعملياتي، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقد نجح هذا التحالف القائم على المصالح التكتيكية من تحقيق جملة من الأهداف، من بينها قدرة الطرفين في الزحف نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الجولة الثانية من الحرب، الأمر الذي حدا بالحكومة المركزية إلى الدفع بكل تعزيزاتها العسكرية نحو جبهات القتال، كما دفع برئيس الوزراء الإثيوبي إلى تفويض نائبه لإدارة الدولة، والإعلان عن قيادته للعمليات العسكرية ضد الجبهتين.
وعلى رغم الانتصارات التي حققتها الجولة الثالثة لصالح الجيش النظامي، فإن ثمة قناعة ترسخت لدى الحكومة المركزية، تتمثل في أن الحسم العسكري لن يكون حلاً مستداماً للأزمة، لا سيما مع دخول جبهة الأورومو في المعارك، وأن إيجاد مخارج سياسية هو الخيار الأوحد، بالتالي فإن عقد اتفاقية السلام في بيرتوريا مع جبهة تيغراي كان من المنتظر، بحسب المتابعين للشأن الإثيوبي، أن يعقبه اتفاق موازٍ مع جبهة الأورومو.
شروط المرحلة
يقول المحلل السياسي المتخصص في منطقة القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم، إن المبادرة الأخيرة لإطلاق المفاوضات بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير الأورومو تعد "تطوراً نوعياً" ظل مرتقباً لمتابعي تطورات الأوضاع في إثيوبيا.
ويضيف أبو هاشم لـ"اندبندنت عربية" أن "جبهة الأورومو ظلت مرتبطة بجبهة تيغراي، كما ظلت تحصل على دعم لوجيستي وسياسي منها على رغم الخلافات التاريخية بينهما خلال العقود الثلاثة الماضية التي حكم فيها تيغراي إثيوبيا، وهذا الدعم والتنسيق المشترك كان هدفه الرئيس بعثرة تركيز حكومة المركز وتشتيت قواها بين الأقاليم الإثيوبية الشاسعة، بالتالي دفعها إلى تقديم تنازلات مهمة لصالح الجبهتين".
ويوضح أن الأورومو الآن مضطرون لاتباع خطوات حلفائهم المرحليين في السلام، لا سيما أن الفرصة مواتية لفرض عدد من الشروط، فإدارة آبي أحمد تورطت في خلاف سياسي ومواجهات عسكرية مع الميليشيات الأمهراوية التي تحالفت معها في حرب تيغراي، بالتالي فإن ظهر الجيش النظامي أضحى مكشوفاً، وعليه إيجاد حلفاء جدد من الحاضنة الاجتماعية والسياسية لآبي أحمد الذي يتحدر من قومية الأورومو.
ذاكرة وتحديات
بدوره يرى المحاضر في التاريخ الأفريقي بجامعة "كيترينج" الأميركية الإثيوبي أزقاليم جبيسا، أن "ثمة تحديات كثيرة تواجه المفاوضات المرتقبة بين الحكومة وجبهة الأورومو، لا سيما أن ذاكرة الحرب الطويلة بين الطرفين، لا تزال تخيم على الراهن السياسي الإثيوبي".
ويوضح أن الجبهة لا تزال تشكل وجدان الأورميون، الذين ظلوا يعانون الإقصاء والتهميش من قبل معظم الأنظمة التي حكمت البلاد"، مضيفاً أن "ثمة قناعة ظلت مترسخة في ذاكرتهم تتعلق بتحقيق حلم الانفصال عن إثيوبيا وإقامة دولة أورومية مستقلة"، وهو ما يمثل تحدياً أمام المفاوضين.
ويستطرد جبيسا "الأمر يتطلب شجاعة في طرح الحلول، وفي مجابهة التحديات، بعيداً من الأحلام التي ظلت ترسخها الجبهة في أذهان مؤيديها".
ويعدد جملة من التحديات على المستوى الحكومي، حيث من المطلوب منها إزالة "اسم الجبهة من قائمة الإرهاب، وتجاوز مرارات الحرب وكلفتها من أجل تحقيق السلام، وهو ما يتطلب توفر إرادة سياسية حقيقية من الطرفين".
في حديثه عن دور الوسطاء يرى جبيسا أن "هناك تأييداً دولياً كبيراً لهذه المفاوضات، لكنه يحتاج إلى توفير دعم لوجيستي ومزيد من التعهدات على المستوى الاقتصادي والمالي، فضلاً عن الإدراك الشامل للأزمة المستدامة لأكثر من خمسة عقود".
ويرى البرفيسور الإثيوبي أن "اتفاق بريتوريا بإمكانه أن يمثل مرجعية مهمة للمفاوضات القادمة، حيث ينص على أن جميع بنوده ملتزمة روح ونصوص الدستور الفيدرالي الإثيوبي الساري".
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالبند الدستوري 39، الذي يتيح للقوميات الإثيوبية إمكانية الانفصال وتأسيس دول مستقلة. يقول جيبسا "هذا البند الدستوري تم سنه من قبل جبهة تيغراي بغرض تفعيله في حال فقدانها للسلطة في أديس أبابا"، مقللاً من إمكانية تطبيقه على الحال الأورومية، حيث يرى أن "انفصال الأورومو، الذين يشكلون غالبية السكان عن إثيوبيا أمر غير موضوعي لأسباب تاريخية وجغرافية وديموغرافية، ولا أعتقد أن المطلوب من هذه المفاوضات تحقيق هذا المبدأ، بل إتاحة الفرص لحياة سياسية فاعلة وعادلة لكل القوى الممثلة للقوميات الإثيوبية، من دون تهميش أو إقصاء، علاوة على تعزيز فرص الوحدة الوطنية".
ويختم بأن "قبول التفاوض مع جبهة الأورومو بعد تيغراي يمثل مساراً تاريخياً مهماً يرسخ لفكرة المواطنة من جهة، ولحلحلة الأزمات السياسية عبر الحوار وليس البندقية من جهة أخرى، وهو ما يمثل أهم مكاسب هذه المرحلة التي تشهد فيها إثيوبيا تحديات كبرى كادت تعصف بوحدتها الوطنية".