ملخص
غالبية مواطني العاصمة توصلوا لقناعة بأنه لا مفر غير التأقلم مع هذا الوضع على خطورته في ظل عدم التزام الطرفين الهدنة المعلنة
ظل المواطن السوداني معاوية عبدالعزيز (61 سنة) الذي يسكن حي الأزهري أحد أحياء جنوب العاصمة الخرطوم، حبيس منزله في الأسبوع الأول من الاشتباكات التي وقعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل (نيسان) خوفاً من أن يتعرض لإطلاق رصاص أو لإصابة بقذيفة طائشة، لكنه اضطر بعد ذلك للخروج لقضاء احتياجات أسرته، المكونة من زوجته وثلاثة أبناء، بحذر شديد وفي وقت وجيز، وبدأ تدريجاً يتعايش مع هذا الواقع المؤلم الذي يتمنى ألا يدوم طويلاً حتى ينعم وأسرته بالأمان والطمأنينة".
يقول عبدالعزيز "ما يحدث في الخرطوم من قتال لا يصدقه أحد بالنظر إلى أن المجتمع السوداني مشهود له بالتماسك والحكمة، لذلك فإن الجميع في حال ذهول، وأنا واحد من هؤلاء الناس، فمنذ اليوم الأول لهذه الأحداث ظللت جالساً في إحدى الغرف البعيدة على الأرض وحولي أسرتي ولا يبارح أي واحد منا مكانه إلا عند الضرورة القصوى، حتى الأكل والشرب حولنا، وغالباً ما نتناول وجبة واحدة في اليوم فجميعنا ليس لديه رغبة في الأكل بسبب شدة الخوف والقلق من المصير المجهول نتيجة دوي إطلاق النار وصوت المدفعية وتحليق الطيران الحربي فوق منازلنا".
وواصل عبدالعزيز، "صحيح أصبحنا أمام الأمر الواقع في تسيير حياتنا اليومية، إذ أخرج يومياً من المنزل في الصباح الباكر لشراء الخبز وسط زحام شديد لأن المخابز العاملة في منطقتنا لا تتعدى المخبزين من مجمل أكثر من سبعة كانت تعمل قبل الحرب، فضلاً عن شراء بعض السلع والخضروات، لكن المشكلة أن بعضها غير متوفر تماماً في المحال التجارية، في حين ارتفعت الأسعار ثلاثة أضعاف مما كانت عليه قبل هذه الاشتباكات، وهو أمر مؤسف واستغلال لهذه الأزمة دون مراعاة لظروف غالبية المواطنين الذين تعطلت أعمالهم".
تجربة قاسية
أما عبدالفتاح آدم البالغ من العمر 53 سنة، فهو حتى الآن لا يصدق ما حدث في الخرطوم من تطورات سريعة أدت لهذه الحرب وحتى اللحظة كأنه في كابوس. يقول "عشت الأيام العشرة الأولى من الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع تجربة قاسية فأنا عامل أعتمد على رزق اليوم باليوم، إذ أعمل في مجال البناء منذ الصباح الباكر وأعود إلى أسرتي المكونة من خمسة أبناء أكبرهم في المرحلة الجامعية (السنة الثانية) حاملاً قوت اليوم من خبز وخضار وغيرهما من السلع، لكن يوم اندلاع الحرب عدت سريعاً إلى المنزل دون أن أحمل معي شيئاً كالمعتاد، وظللنا طيلة هذه الأيام نتناول قليلاً من الأكل المتوفر لدينا بخاصة التمر والنشويات، وكل همنا ألا يصيبنا مكروه، فلم يتحرك أحد منا خارج المنزل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف آدم، "بدأنا منذ منتصف الأسبوع الثاني نخرج إلى الشارع لجلب بعض احتياجاتنا من السلع وكانت المفاجأة أن وجدنا الأسعار ارتفعت إلى أكثر من الضعف وبعضها انعدم تماماً من الأسواق، لكن المشكلة أن كثيرين أمثالي أصبحوا غير قادرين على مجاراة هذا الوضع لعدم توفر المال اللازم، وما يطمئننا أن هناك بعض الجيران المقتدرين يوزعون بعض السلع وهو ما خفف من المعاناة".
ولفت إلى أن "الوضع الآن داخل الخرطوم في غاية التردي من جميع مناحي الحياة، سواء الانقطاعات المتواصلة للكهرباء لمدى يصل إلى 15 ساعة في اليوم ومثلها المياه، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية، فالآن الناس تساعد بعضها بعضاً في ظل غياب أي جهة رسمية وهو ما زاد من أعباء المواطن الذي أصبح في حيرة من أمره، لأنه ليس له خيار غير التعامل مع هذا الوضع بواقعية باعتباره أمراً واقعاً لحين انجلاء هذه الحرب".
فتح الأسواق
إسحاق بابكر البالغ من العمر 42 سنة، كان يعمل في إحدى دول الخليج وجاء قبل اندلاع هذه الحرب بأسبوع ليقضي عيد الفطر مع أسرته المستقرة في منطقة شرق النيل إحدى ضواحي الخرطوم، ولديه بنت وولد في المرحلة الابتدائية، يصف ما يجري بـ"جريمة مكتملة الأركان من الطرفين المتحاربين" لكون صراعهما على السلطة "دمر بلادهما وأدخل الخوف في المواطن الذي كان يعيش في أمن وأمان".
وأردف، "من الصعب أن يتخيل أي إنسان اندلاع حرب داخل مدينة بهذه الرعونة، فأنا يومياً أشاهد في فناء منزلي بقايا من شظايا الأسلحة المختلفة، بل اخترق الرصاص ثاني يوم من القتال زجاج سيارتي التي تقف أمام منزلي، وهو ما سبب لي ولأسرتي رعباً متواصلاً، وحينها فكرت بضرورة الهرب من هذه المنطقة نظراً إلى تمركز قوات الدعم السريع فيها، وبالفعل انتقلت وأسرتي في اليوم الثامن من القتال إلى أم درمان حيث تقيم أسرة زوجتي وكان الوضع أفضل نوعاً ما".
ونوه بابكر بأن "غالبية مواطني العاصمة توصلوا لقناعة بأنه لا مفر غير التأقلم مع هذا الوضع على خطورته في ظل عدم التزام الطرفين الهدنة المعلنة، لذلك بدأت معظم الأسواق تفتح أبوابها للمواطنين على رغم شح السلع وارتفاع أسعارها، لكن الحذر مطلوب، فأنا شخصياً لا أغادر المنزل إلا عند الضرورة القصوى".