ملخص
تمتد الشبكة الحديدية في تونس على طول يزيد على 2240 كيلومتراً وتتولى نقل ملايين المسافرين طوال العام
تمتد الشبكة الحديدية في تونس على طول يزيد على 2240 كيلومتراً تؤمنها الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية وشركة نقل تونس وشركة تونس للشبكة الحديدية السريعة. وتتولى هذه الشبكة نقل ملايين المسافرين طوال العام (40 مليون مسافر سنوياً على خطوط الأحواز وخمسة ملايين مسافر على الخطوط البعيدة)، ويعود تاريخها إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي.
الباي يدشن خط "تي جي أم"
ويعود تاريخ السكك الحديدية في تونس إلى منتصف القرن الـ19، حين تم تدشين أول خط حديدي يربط تونس العاصمة بالضاحية الشمالية، التي دشنها محمد الصادق باي عام 1872، ويعرف بخط "تي جي أم"(TGM)، وهي اختصار لأسماء أبرز المدن التي يمر بها القطار باللغة الفرنسية وهي تونس (Tunis)، حلق الوادي (La Goulette) ثم المرسى (La Marsa).
ومثَّل هذا الخط وقتها ثورة في النقل في تونس، ويستحضر علي بن حسين (67 سنة) المتقاعد من شركة النقل بتونس، ذكريات تفوق الـ50 سنة، حين كان يستقل ذلك القطار صيفاً للذهاب مع عائلته وهو طفل إلى شاطئ حلق الوادي، يقول "يشق القطار طريقه بجانب بحيرة تونس، ونسيم البحر يملأ عرباته، بينما يختار بعض الشباب الوقوف عند الأبواب المفتوحة طول المسافة الفاصلة بين محطة الـ(تي جي أم) بالعاصمة والمرسى، التي تمتد على 16 كيلومتراً".
ويضيف "شاءت الأقدار أن أعود إلى القطار نفسه بعد عقد تقريباً ليتم انتدابي في شركة نقل تونس كقابض، وكان عمري وقتها 25 سنة، كنت حينها مزهواً بالزي الرسمي للشركة، حاملاً محفظتي الجلدية وكمية من التذاكر والصرف (النقود)، وأنا أتنقل بين الركاب الذين كنت أعرف أغلبهم لأنهم يستقلون القطار بشكل يومي، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بينهم فرنسيون وإيطاليون كانوا يقيمون في ضواحي العاصمة".
شريان السياحة والثقافة
ويتابع حديثه قائلاً، "كان القطار وقتها فضاء لتبادل الأخبار وتحليل أبعادها كأحداث الخبز، وتداعيات أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، وأحداث قفصة"، لافتاً إلى أنه في عام 1977، تم التخلي عن العربات الخشبية البيضاء اللون التي كانت تميز قطار الضاحية الشمالية، ليتم استبدالها بقاطرات زرقاء اللون وهي التي تعمل إلى اليوم بالطاقة الكهربائية".
ويعتبر خط الضاحية الشمالية ضارباً في عمق تاريخ تونس، وشريان السياحة والثقافة إلى اليوم. فهو الذي يربط العاصمة بمدن قرطاج وبآثارها الرومانية، وبمدينة الكرم التي تحتضن قصر المعارض حيث تنتظم أكبر المعارض في تونس وأيضاً بمدينتي المرسى وقمرت، وهما مدينتان سياحيتان معروفتان بشواطئهما الجميلة ومناطقهما السياحية.
وتشرف شركة نقل تونس على شبكة الميترو الخفيف لمدينة تونس التي يبلغ طولها الإجمالي اليوم 38.8 كلم، وبدأت أشغال بناء هذه الشبكة عام 1985.
الشبكة الحديدية واستغلال المناجم
وفي الأول من سبتمبر (أيلول) 1875، تم تشغيل خط تونس باجة جندوبة لاستغلال مناجم الرصاص، وعام 1882 بدأت تونس استغلال خط الأحواز الجنوبية، الرابط بين تونس وحمام الأنف، الذي شهد تطوراً ليمتد اليوم على مسافة 32 كيلومتراً ويصل إلى محطة الرياض.
وعام 1894، تم استغلال الخط الرابط بين منطقة الجديدة وبنزرت، وضمت الشبكة الحديدية إثر ذلك خطوطاً جديدة عدة على غرار القلعة الخصبة في الشمال الغربي، وسوسة وصفاقس في الساحل، ثم الخط الرابط بين حيدرة والقصرين .
وبعد الاستقلال عام 1957، أصدرت الدولة أمراً تتولى بمقتضاه الشركة الوطنية للسكك الحديدة التونسية الاستغلال الرسمي للشبكة الحديدية بداية من يناير (كانون الثاني) 1957.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستغناء عن عديد الخطوط
ويقول الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية، مختار الصادق، إن "الشبكة الحديدية الحالية تضم 23 خطاً، على طول 2165 كلم، وتنقسم الشبكة إلى جزأين، جزء منها مجهز بالسكة وفق مقاييس عالمية، وهما خطا تونس غار الدماء وتونس بنزرت، بينما الجزء الثاني مجهز بشبكة عرض متر واحد على بقية الشبكة الحديدية أي ما يعادل 80 في المئة من الشبكة الإجمالية، ولا يمكن بالتالي استغلال المعدات والعربات على كل الشبكة الحديدية"، مشيراً إلى أن "الشبكة ذات المتر الواحد موجودة في الدول الأفريقية، وهي مستعمرات فرنسا السابقة وفي جنوب أفريقيا".
ويضيف الصادق "منذ الاستقلال إلى اليوم تم الاستغناء عن عديد من الخطوط في الشبكة الحديدية، بدعوى عدم الجدوى الاقتصادية وأهمها خط ماطر- طبرقة، خط تونس- نابل، خط القلعة الصغرى- القصرين، وخط المكنين- المهدية، وتم خلال تلك الفترة بناء خط قفصة قابس وخط سوسة المنستير المهدية".
كما تم تجديد الشبكة على كامل تلك الخطوط وتجهيزها بالشارات الضوئية، كما تم كهربة خط تونس برج السدرية وخط سوسة والمنستير والمهدية.
ولأسباب اجتماعية تتعهد الدولة بدفع الفارق في تسعيرة تذاكر النقل في خطوط الأحواز.
صعوبات مالية تهدد مصير الشركة الحديدية
ومنذ عام 2010، تتعرض الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية إلى صعوبات مالية كبيرة، بسبب أزمة نقل الفسفاط حيث كانت تنقله الشركة من مناطق الاستخراج إلى المغاسل قبل أن تتولى نقله شركات خاصة.
ويصف نجيب الجلاصي الكاتب العام لنقابة السكك الحديدية التونسية، في تصريح خاص، وضع الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية اليوم، بأنها "في حالة موت سريري"، داعياً الدولة إلى "الاستثمار في الشركة عبر ضخ الأموال لشراء قطع الغيار، حتى تتمكن من الانخراط بدورها الوطني في التنمية الاقتصادية وبخاصة في مجال نقل الفسفاط".
وبينما تراهن تونس على هذا القطاع الحيوي لتوفير السيولة والعملة الصعبة لميزانية الدولة، دعا الجلاصي إلى ضرورة وضع حد للاعتصامات التي وصفها بـ"المفتعلة، حتى تستعيد الشركة أنفاسها وتتمكن من تطوير إمكاناتها".
ولفت المسؤول النقابي إلى أن "الشركة تتكبد خسائر كبيرة بسبب تعطل نقل الفسفاط"، مندداً بـ"التسهيل لبعض الشركات الخاصة، نقل الفسفاط بالشاحنات بينما يتم تعطيل نقله عبر قطارات الشركة".
شركة السكك الحديدية ترفض الرد
وتطالب النقابة "بضرورة إصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية، للمحافظة على ديمومتها كعنصر تنمية من خلال رفع تسعيرة نقل الفسفاط وتجديد أسطول الشركة من قطع غيار ومعدات".
وفي المقابل، باءت كل محاولات اندبندنت عربية تحصيل رد من الجهات المسؤولة في الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية حول وصف الوضع الراهن للمؤسسة بالفشل، ورفض مسؤول الشبكة الحديدية وإدارة الاتصال في الشركة الإجابة عن مراسلاتنا كلها.
ويذكر أن الشبكة الحديدية تعززت في 20 مارس (آذار) 2023 بالبدء في استغلال الخط الحديدي "E" للشبكة الحديدية السريعة، الرابط بين برشلونة وبوقطفة بالعاصمة، في مرحلة أولى من مشروع نقل جماعي عمومي في منطقة تونس الكبرى، يتمثل في شبكة حديدية سريعة متكونة من خمسة خطوط طولها الإجمالي 85 كلم.
وتعتبر الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية واحدة من أهم الشركات العمومية التونسية، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من الحوكمة والشفافية في إدارتها، بحسب معنيين، علاوة على صون موروثها التاريخي من خلال إعادة فتح متحف الشركة الذي يضم جزءاً من الذاكرة الوطنية.