ملخص
انضمت الصين أخيراً إلى القوى الدولية المهتمة بمعادن أفغانستان وعرضت استثمار 10 مليارات دولار في احتياطات الليثيوم هناك... فما السر؟
يتبادر إلى الذهن عند ذكر أفغانستان في السياق الدولي صور الميليشيات المسلحة وآثار الدمار والحرب، لكن هناك شيئاً آخر يمتلكه هذا البلد ويجذب أنظار العالم إليه منذ عقود، وهي المعادن الثمينة المدفونة في أراضيه.
انضمت الصين أخيراً إلى القوى الدولية المهتمة بمعادن أفغانستان، وعرضت استثمار 10 مليارات دولار في احتياطات الليثيوم هناك، خلال لقاء جمع ممثلين من شركة "غوشين" ووزارة البترول والمعادن في العاصمة كابول، أبريل (نيسان) الماضي. استثمار سيوفر بحسب الصين فرص عمل لـ120 ألف شخص في أفغانستان.
حكومة تصريف الأعمال الأفغانية، قالت في بيان صحافي بعد الاجتماع، إن وزارة البترول والمعادن تلقت هذا العرض من بكين، مرحبة بالاستثمار الصيني، إذ تدرك كابول أهمية احتياطات الليثيوم للبلاد والعالم. وأضافت أن "وزارة البترول ستنظر في عرض الصين وسيتم إجراء عقد استخراج احتياطات الليثيوم بحسب القوانين المعنية".
لم تقبل حكومة "طالبان" عرض الصين بعد، إذ قال المتحدث باسم وزارة البترول والمعادن، همايو خان، في تصريحات إعلامية له، إن قبول العرض ليس أمراً حتمياً، مضيفاً "لسنا في عجلة حيال إجراء عقد لاستخراج المعادن ولن نأخذ خطوة ارتجالية في هذا الموضوع، ليس من الضروري أن تحصل الصين على هذا العقد".
يرى المحللون أن العرض الصيني مبني على مصلحة متبادلة، فكما أن أفغانستان ستستفيد من قبول العرض والسماح لبكين باستخراج الليثيوم فإن الصين أيضاً ستحاول الوصول إلى احتياطات المعادن الأخرى من خلال هذا الاستثمار.
الليثيوم واستخداماته
الليثيوم هو معدن ناعم فضي اللون اشتق اسمه من كلمة ليثوس اليونانية وتعني الصخرة، بحسب الجمعية الملكية البريطانية للكيمياء. تم اكتشاف هذا المعدن عام 1817 ميلادية من قبل جوهان أغسطس، ويستعمل عادة في الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة والكاميرات والبطاريات القابلة لإعادة الشحن المستعملة في المركبات الكهربائية والبطاريات غير القابلة لإعادة الشحن المستخدمة مثلاً في ألعاب الأطفال، كما يستعمل بدمجه مع الألمنيوم والماغنيسيوم في طلاء اللوحة المستخدمة في الستر الواقية من الرصاص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يستخدم 80 في المئة من الليثيوم في صناعة البطاريات، وفقاً للمسح الجيولوجي الأميركي، بينما يعتمد على سبعة في المئة منه في السيراميك والزجاج، والنسبة المتبقية في أشياء أخرى. ويضيف التقرير أن إنتاج الليثيوم يزداد في العالم، إذ تم إنتاج 130 ألف طن منه في 2022 مقارنة بـ107 آلاف طن في 2021، مما يمثل زيادة 21 في المئة، كما ازداد استهلاك الليثيوم تزامناً مع زيادة الإنتاج في العالم، فقد ارتفع استهلاكه من 95 ألف طن في 2021 إلى 134 ألفاً العام الماضي، وهو ما يمثل زيادة 41 في المئة.
أين يوجد الليثيوم؟
98 مليون طن هي احتياطات الليثيوم في العالم، بحسب تقرير احتياطات الليثيوم لعام 2023 الصادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. وتوجد أغلب هذه الاحتياطات في أستراليا والبرازيل وتشيلي والأرجنتين والصين والبرتغال والولايات المتحدة.
ووفقاً للأرقام المذكورة فإن 21 مليون طن من إجمالي الاحتياطات في العالم توجد في بوليفيا، و20 طناً بالأرجنتين، و11 مليون طن في تشيلي، وثمانية ملايين طن في أستراليا، وسبعة ملايين طن بالصين وثلاثة ملايين طن في كل من ألمانيا والكونغو وكندا، كما تمتلك إسبانيا وزيمبابوي والمكسيك والبرازيل والبرتغال والنمسا وكازاخستان وغيرها من الدول مليون طن أو أقل من احتياطات الليثيوم.
هذا التقرير لا يحتوي على أرقام رسمية لاحتياطات الليثيوم التي تمتلكها أفغانستان، لكن تقريراً آخر صدر عن الهيئة نفسها عام 2010 أكد أن أفغانستان تمتلك احتياطات الليثيوم. وقارن التقرير احتياطات أفغانستان باحتياطات النفط الموجودة في السعودية، إذ يقول إن كابول تمتلك معادن تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار التي تحتاج إلى عدة سنوات وتريليونات الدولارات لاستخراجها.
تشير ورقة بحثية للدكتور محمد راجا خان، منشورة في مجلة "مارغلا"، إلى أن الصين استثمرت في قطاع التعدين في أفغانستان لكن الأغراض الاستراتيجية لبكين وراء هذا الاستثمار ليست واضحة إلى الآن. تذكر الورقة أن هناك معادن أخرى في أفغانستان غير الليثيوم بما فيها احتياطات الحديد والتي تقدر بـ421 مليار دولار والنحاس بـ273 مليار دولار.
وتقول ورقة نشرت في جريدة Frontier In إن بكين هي الأولى عالمياً في صناعة سيارات الطاقة الجديدة، إذ تذكر الورقة أن 1367 وحدة من هذه السيارات والمركبات الهجينة تم بيعها في الصين خلال عام 2020 والذي يمثل 42 في المئة من إجمالي مبيعات السيارات في العالم.
سر اهتمام الصين
يبقى السؤال الأهم هنا "لماذا تهتم الصين باحتياطات الليثيوم في أفغانستان؟"... يقول الخبراء إن السبب وراء ذلك هو سهولة نقله إلى الصين، إذ تشترك حدود إقليمي بدخشان الأفغاني مع شينجيانغ الصينية.
وهنا يرى المحرر الرقمي لمجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية وهي مجلة رائدة في مجال الاقتصاد وتغطي دول جنوب آسيا بما فيها أفغانستان، آدم روبرت، خلال حديثه مع "اندبندنت أوردو"، أن اكتشاف احتياطات الليثيوم مستمر عالمياً وقد يصل إنتاجه والنحاس والكوبلت والنيكل - بحسب بعض التقديرات - إلى 13 تريليون دولار بحلول عام 2040.
ولفت روبرت إلى اهتمام الصين بأفغانستان، موضحاً أن "الطلب على السيارات الكهربائية في العالم زاد من استخدام الليثيوم، وهذا هو سبب اهتمام الصين بالاستثمار في أفغانستان"، كما قارن اهتمام الولايات المتحدة باهتمام الصين، إذ قال إنها صفقة خاسرة بالنسبة إلى واشنطن لأنه ليس من السهل على شركات المعادن الأميركية العمل في أفغانستان تحت حكم "طالبان"، إضافة إلى المشكلات اللوجيستية في نقل الليثيوم من كابول إلى واشنطن.
وفقاً لروبرت "من الأسهل بالنسبة إلى الولايات المتحدة استخدام احتياطاتها الخاصة واستخراج الليثيوم في أميركا اللاتينية، حيث توجد نصف احتياطات الليثيوم في العالم وتسيطر الولايات المتحدة على شركات التعدين الخاصة هناك".
مدير مكتب مركز ويلسون في جنوب آسيا وهي منظمة بحثية غير حكومية بالولايات المتحدة ومراقب لشؤون جنوب آسيا مايكل كوجلمان، قال إن عرض بكين للاستثمار في الليثيوم على رغم حالة الأمن السيئة في أفغانستان يظهر مدى أهمية الليثيوم للصين.
ويرى كوجلمان أن اهتمام الصين يأتي في إطار ازدياد أهمية الليثيوم الذي أصبح "الذهب الجديد" في العالم ومحاولة القوى العالمية الحصول عليه، موضحاً أن الصين وضعت أعينها في احتياطات الليثيوم في أفغانستان لكنها تستثمر بحذر شديد بسبب الأوضاع الأمنية هناك.
حينما سئل مايكل كوجلمان عن أثر قبول العرض الصيني للاستثمار في علاقة "طالبان" بالولايات المتحدة، أجاب "لا أعتقد أنه سيؤثر فيها". وأخبر مايك أن علاقة الولايات المتحدة مع "طالبان" تنحصر في مشكلات محلية مثل تعليم البنات ومنع النساء من العمل وعدم اتخاذ إجراءات ضد تنظيم "القاعدة".
لم يكن مايكل متفائلاً بمستقبل العلاقات الصينية - الأفغانية، فقال إن بكين و"طالبان" لم تعملا معاً بشكل جيد قط، وإنه لا يمكن إقامة علاقات تجارية بين الطرفين - فضلاً عن الاستثمار في الليثيوم - تسبب قلقاً للولايات المتحدة قبل أن يتم ضمان توفير الأمان للمواطنين الصينيين في أفغانستان.
نقلا عن اندبندنت أردو