ملخص
تحتفظ مصر بنصيب الأسد للتجارة الشعبية مع السودان لسهولة السفر وانخفاض تكاليفه بين البلدين
على امتداد مجرى النيل الهابط من السودان إلى مصر، اشتم السودانيون رائحة التجارة الشعبية المربحة بين القاهرة والخرطوم، كمحاولة جادة للكسب المادي بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة، فضلا عن ضعف عائد الوظيفة التي أصبحت لا تسد احتياجات أسرهم، والتي عرفت بمرور السنوات بـ"تجارة الشنطة".
قبل سنوات، هرع السودانيون إلى عدد من الدول طرقاً لأبواب الرزق كالإمارات والصين وتركيا والهند ومصر، ولكن ظلت القاهرة صاحبة النصيب الأكبر من هذه التجارة لسهولة السفر وانخفاض تكاليفه، خصوصاً عن طريق البر، إضافة إلى قلة الرسوم الجمركية، وتوفر كل احتياجات التجارة السودانية في الأسواق المصرية ومناسبة أسعارها.
وتجارة الشنطة ترتبط ببضائع محددة يتم حملها في عدد من الحقائب، وذات تكلفة مناسبة وربح جيد، حيث يتخصص التاجر في بيع الملابس والعطور وبعض أنواع الحلويات والمفارش والحقائب (الشنط) والأحذية، لبيعها في السودان إما عن طريق الجملة أو القطاعي. وتنشط السودانيات داخل الأحياء في بيع البضائع القادمة من مصر، سواء بواسطتهن أو عبر معارفهن عن طريق القسط الشهري أو نقداً.
فوائد متبادلة
مجلس إدارة اتحاد المصدرين والمستوردين العرب، في أحدث تقرير له مارس (آذار) الماضي، كشف أن "العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان، لا تقتصر على التجارة الرسمية المعلنة بالإحصاءات، ولكن هناك تجارة شعبية غير منظورة تقدر سنوياً بما يزيد على 285 مليون دولار".
تقول رئيس مجلس إدارة اتحاد المصدرين والمستوردين العرب أمل حسن زكي، في تصريحات صحافية، إن "هذه التجارة نشطت خلال الأعوام الأخيرة بدرجة كبيرة، وتمثل انتعاشة ضخمة للأسواق المصرية المحلية؛ إذ تشير إحصاءات الاتحاد إلى أن معدل السودانيين يزيد على 3500 زائر يومياً إلى مصر ذهاباً وإياباً عن طريق الجو والبر، وذلك قبل الأحداث الحالية في السودان".
تجارة مهددة
لكن المعارك التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) الماضي في السودان باتت مهددة للتجارة مع مصر بصورة ملحوظة". ويرى المتخصص في الشأن الاقتصادي وليد النور زكريا أن "الحرب الحالية لن تقضي على تجارة الشنطة فقط، بل ستقضي على معظم التجارة لأن أكبر سوق مستوردة لهذا النوع من التجارة هو سوق ليبيا في أم درمان".
وأضاف زكريا لـ"اندبندنت عربية"، أنه بعد الأحداث الأخيرة نقل معظم التجار بضائعهم إلى ولاية الجزيرة والولايات الأخرى، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، مع مغادرة الآلاف السودان إلى دول الجوار وهاجر آخرون للولايات البعيدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "هناك أعداد كبيرة تتراوح ما بين 60 إلى 70 ألف سوداني غادروا بلدهم إلى مصر، بينما 12 ألفاً توجهوا إلى إثيوبيا، فكل هذه الأعداد المغادرة تمثل القوة الشرائية التي كانت تستهلك هذه التجارة، وبالتالي تأثرت تجارة الشنطة تأثراً كبيراً جداً".
هذا التأثر طاول المشترين وأغلبهم من أصحاب الطبقة الوسطى والموظفين الذين لم يتحصلوا هذا الشهر على رواتبهم وبالتالي حدث تكدس بالسوق وكساد في عملية الشراء بالداخل السوداني. لكن مخاوف زكريا تمتد إلى تراجع تجارة الشنطة بصورة كبيرة في المستقبل بسبب الظروف المذكورة.
ومضى في حديثه "الحرب قضت على الأخضر واليابس، كما أن الخرطوم ستشهد انحساراً في أعداد السكان، فضلاً عن أن معظم التجار نقلوا أنشطتهم إلى أقاليم البلاد المختلفة، مما سيؤثر في تجارة الشنطة ليس فقط مع مصر بل مع كل الدول، حيث كان التجار يجلبون بضائعهم من الإمارات والصين، إذ ستشهد انحساراً في الخرطوم وانتعاشاً في ولايات أخرى خاصة تجارة المواد الغذائية والاستهلاكية، كما ستتأثر السوق المصرية بذلك على نحو واسع".
استياء عام
الحرب السودانية أدت إلى توقف التجارة الشعبية التي كانت تشكل رواجاً كبيراً في البلاد، وبحسب التاجر حاتم أحمد "كنا نسافر أسبوعياً إلى القاهرة ونقضي يوماً أو اثنين لحمل بضائع معينة كالأدوات الطبية، وكانت تجارة ناجحة خصوصاً أن أغلب الذين يعملون فيها استطاعوا أن يبدأوا برأسمال متواضع، ولم يؤثر فيهم ارتفاع الأسعار أو فرق العملة، فكل أسبوع كانوا يلبون حاجة السوق ولأننا نبيع بالجملة فأحياناً نستلم ثمن البضائع قبل أن نجلبها".
وعن الخطط البديلة بعد توقف هذه التجارة، قال "فكرت مع بعض زملاء المهنة أن نواصل التجارة داخل ولايات السودان المختلفة، لكن ما زلنا نتخوف من عدم الاستقرار وسوء الأوضاع، خصوصاً أن النهب والعصابات لا تزال منتشرة في مختلف المناطق، ونخاف من الخسارة مرة أخرى".
أما في مصر نفسها، فقد تأثرت سوقها واشتكى بعض التجار الكساد، بخاصة ممن يستهدفون السوق السودانية، إذ قال تاجر الملابس عبدالرحمن أيمن "أغلب زبائني من السودانيين الذين يعملون في التجارة، وأوفر لهم البضائع التي يفضلونها بمختلف أنواعها، والآن مع الأوضاع الحالية خسرنا مئات التجار الذين كانوا يترددون يومياً لحمل البضائع وإذا استمر الوضع هكذا ستنخفض تجارتنا".