ملخص
"وصية السيد نابوموسينو" رواية لجيرمانو ألمايدا لكنها لا تقرأ إلا بعد وفاته
"وصية السيد نابوموسينو دا سيلفا أراوجو" رواية للكاتب البرتغالي جيرمانو ألمايدا ترجمها إلى العربية المغربي سعيد بنعبد الواحد، وصدرت حديثاً عن دار الخان- القاهرة. وجيرمانو ألمايدا كاتب سبعيني متحدر من جمهورية الرأس الأخضر، وهي دولة تقع على سواحل السنغال من القارة الأفريقية، وتتألف من عشر جزر، يكتب بالبرتغالية وفي رصيده عدد كبير من الروايات والقصص القصيرة. فهو صاحب حوالى 16 كتاباً، منها تسع روايات.
تبدو هذه الرواية من خلال الترجمة الجميلة والسلسة رواية شيقة فيها الكثير من السخرية في الأسلوب والجذالة في التعبير والغرابة في الأحداث. فوصية السيد نابوموسينو كناية عن مجموعة مذكرات واعترافات وأخبار وعودات إلى الوراء وضعها السيد نابوموسينو لتتم قراءتها بعد وفاته. ويكتشف القارئ أن السيد نابوموسينو يلزم الجميع في وصيته اتباع مشيئته. فمن موسيقى غريبة للدفن وترك كتاب لامرأة مجهولة وصولاً إلى فضح كارلوس ابن الأخ الانتهازي الكسول وتركه خارج شركته وتجارته، أخبار وطرف ومصادفات جميلة وغير متوقعة يكتشفها القارئ والراوي والشخصيات من دون استثناء. فيظهر هذا التاجر الذائع الصيت الفاحش الثراء مفاجئاً بقصصه، غريباً بطباعه ومضحكاً في كثير من المواضع.
من هو السيد أراوجو؟
تبدأ أحداث هذه الرواية بوفاة السيد نابوموسينو الذي يترك وصية لا بد من أن تُقرأ وتُنفذ، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الوصية تناهز الـ 387 صفحة وتحتوي على أخبار ومفاجآت كثيرة تثير ذهول الراوي والقارئ والشخصيات على حد سواء. فيقول الراوي في المقطع الأول من الرواية بأسلوب ساخر فيه شيء من التآمر مع القارئ: "إن المرحوم في الحقيقة قد ألف كتاب مذكرات بدل أن يكتب وصية". (ص: 7).
وعلى غرار الكاتب جيرمانو ألمايدا الذي تعود أصوله إلى جمهورية الرأس الأخضر، تدور أحداث هذه الرواية في المكان نفسه أي في جزر جمهورية الرأس الأخضر، ويقدم المترجم معلومة عن وضع البلاد في فترة السرد للمزيد من الإيضاح فيكتب: "كانت الرأس الأخضر مستعمرة برتغالية وحصلت على استقلالها عام 1975." (ص: 22، الحاشية).
أخبار كثيرة ومعلومات يكتشفها القارئ عن شخصية السيد نابوموسينو من خلال وصيته أو سيرته الذاتية التي وضعها بنفسه. فهذا الرجل العصامي الجاد الهادئ القليل الكلام الذي بنى إمبراطوريته من لا شيء، هو تاجر اغتنى بضربة حظ، وكانت له علاقات مع نساء متعددات، وهو فعلياً أب لابنة غير شرعية يرد ذكرها فجأة في الوصية وتخرب على كارلوس ابن الأخ مشاريعه ومخططاته في الاستحواذ على الميراث. ابنة غير شرعية ونساء ومغامرات وأخبار يكتشفها القارئ إلى جانب الشخصيات عن هذا الرجل الغامض الذي عاش طيلة حياته وحيداً منعزلاً والذي سافر إلى فرنسا ومن بعدها الولايات المتحدة الأميركية وعاد مندهشاً بما لقيه هناك من سرعة وتطور وتكنولوجيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رأس إمبراطورية إصدار وتصدير، صاحب بيت كبير وشركة ناجحة وأول سيارة في المدينة على رغم أن مهاراته في القيادة شبه معدومة، يقدم السيد نابوموسينو في وصيته إجابات كثيرة وألغازاً أكثر وذلك في أسلوب سردي هادئ خفيف جميل يجعل قراءة هذه الرواية التي تناهز الـ 188 صفحة قراءة سريعة شيقة.
بين الرواية والفيلم والواقع
على غرار أعمال جيرمانو ألمايدا الأخرى تمت ترجمة هذه الرواية إلى لغات متعددة كما تم تحويلها إلى فيلم بعنوان O testamento do Senhor Napumoceno وذلك عام 1997. ويبدو أن الفيلم قد احترم الرواية بتسلسلها وبأقسامها وبمختلف أحداثها (الفيلم موجود على يوتيوب وتمكن مشاهدته مجاناً ومدته ساعتان تقريباً). لكن المشكلة الكامنة في هذه الرواية وفي عدد من أعمال ألمايدا الأخرى هي أنه يبتعد عن الإشارة إلى الواقع السياسي والأحداث السياسية التي تدور في بلاده. أشار عدد من النقاد إلى هذا الأمر وقد أُخذ عليه ذلك. فعلى رغم أن أحداث روايته تدور في الرأس الأخضر وفي فترة الاستقلال، وعلى رغم أن السيد نابوموسينو يموت عام 1984 أي بعد الاستقلال، لا يشير الكاتب جيرمانو ألمايدا إلى أحداث الاستقلال ولا إلى أي حدث سياسي وقع في تلك الفترة، علماً أنه قبيل إعلان الاستقلال عام 1975 انقسم الناس في الرأس الأخضر إلى مؤيدين للاستقلال وإلى مدافعين عن إبقاء البلاد جزءاً من الدولة البرتغالية. لم يتطرأ ألمايدا إلى هذا الصراع ولم يمنح شخصياته موقفاً واضحاً بل هرب من المسألة السياسية روائياً قائلاً: "المرحوم، طبعاً، كان يعد نفسه ميتاً عام 1974" (ص: 32). أوقف ألمايدا سرده قبل استقلال جمهورية الرأس الأخضر على رغم أن بطله يموت عام 1984، فهل هذا الصمت هو خيار مقصود؟ هل هي مصادفة؟ هل هي حنكة سردية لتجنب إعلان موقف من أحداث عام 1975؟
"وصية السيد نابوموسينو دا سيلفا أراوجو" رواية جميلة قصيرة سريعة تقدم قصة رجل ثري وتاجر عصامي يعيش في مجتمع فقير وفي جزيرة بعيدة عن التقدم والسرعة لكنه يتجلى في حياته الخاصة مختلفاً عن الصورة التي يعرفها الناس والمجتمع عنه. وبينما تدور أحداث السرد في فترة استقلال الجمهورية عن البرتغال، لا يتمكن القارئ من استلال أي معلومة عن شؤون جمهورية الرأس الأخضر في تلك الفترة، فلا يعرف شيئاً عن الصراعات أو المشكلات التي وقعت في حال وقعت وهو أمر يدل على كثافة السرد وتماسك الأحداث وتمحورها حول الحبكة الروائية وحدها عملاً بمبدأ أن العمل الروائي ليس وثيقة تاريخية ولا اجتماعية بل عمل فني مقصود ومحترف.