ملخص
ما أسباب تأجيل هذه الزيارة؟ وما تداعيات ذلك على صورة تونس؟ وهل فعلاً تقهقرت الحقوق والحريات في البلاد؟
فوجئ المجتمع المدني والحقوقي في تونس بتأجيل زيارة الأممية المعنية باستقلال القضاة والمحامين مارغريت ساترثويت، التي كانت مقررة خلال الفترة من الـ16 إلى الـ26 من مايو (أيار) 2023، بطلب من الحكومة التونسية.
وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة دعت في بيان نشر بموقعها على الإنترنت المهتمين بحقوق الإنسان والقضاء ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين إلى تقديم معلومات ومقترحات لمساعدة المقررة الأممية خلال هذه الزيارة.
وكان من المقرر أن تبحث مارغريت ساترثويت الإطار القانوني والسياسي الخاص باستقلال القضاة والمحامين ومتابعة مختلف التطورات في قطاعي القضاء والمحاماة، علاوة على التحديات التي قد تواجه فئات معينة في النفاذ إلى العدالة، بما في ذلك النساء والفئات المهمشة والأقليات وغيرهم، وكذلك بحث سبل تعزيز استقلالية القضاء والممارسة الحرة والمستقلة لمهنة المحاماة.
قرار متعمد وغير مبرر
وبينما كان الحقوقيون والمجتمع المدني ينتظرون هذه الزيارة أعلن ائتلاف للجمعيات، ومقره في جنيف، أن تأجيل الزيارة إلى أجل غير مسمى جاء بطلب من تونس، مستنكراً قرار التأجيل الذي وصفه في بيان بـ"المتعمد وغير المبرر ويدل على تخبط السلطة والشعور بتورطها في انتهاكات خطرة لمبدأ استقلال القضاء ومعاييره الدولية"، لافتاً إلى "الوضع المزري الذي يعيشه القضاة والقضاء حالياً الذي لم يشهد له نظير في تاريخ تونس".
ووجهت هذه الجمعيات نداء عاجلاً إلى المسؤولين في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وكل المنظمات المهتمة بحماية حقوق الإنسان، للتحرك العاجل لوضع حد لما وصفته بـ"المأساة التي يعيشها القضاة والقضاء التونسي ومن ورائه المعتقلون السياسيون وكل ضحايا نظام الاستبداد في تونس".
فما أسباب تأجيل هذه الزيارة؟ وما تداعيات ذلك على صورة تونس؟ وهل فعلاً تقهقرت الحقوق والحريات في البلاد؟
انتهاك الإجراءات القضائية
عمقت حملة الاعتقالات الواسعة التي بدأتها السلطات في تونس منذ منتصف فبراير (شباط) 2023 وشملت المعارضين السياسيين وعدداً من الصحافيين من الأزمة السياسية في البلاد، وقوبلت هذه الحملة برفض مكونات المجتمع المدني الذين أكدوا ضرورة احترام قرينة البراءة وتوفير الحماية القانونية للمعتقلين وضمان أسس المحاكمة العادلة.
وفي السياق نددت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بـ"محاكمات الرأي والسياسيين والصحافيين والنشطاء الحقوقيين على خلفية التعبير عن آرائهم وممارسة نشاطهم"، كما استنكرت "الانتهاكات الخطرة المتعلقة بالإجراءات القانونية وبخاصة لمرسوم المحاماة ومجلة الإجراءات الجزائية".
ويرى المتابعون للشأن العام في تونس أن السياق السياسي الراهن لا يسمح بمثل تلك الزيارات التي ستكشف عن عديد الإخلالات، بخاصة في ما يتعلق بمحاكمة عدد من الزعماء السياسيين من دون توجيه تهم واضحة ومن دون توفر أدلة كافية لإدانتهم.
تخبط السلطات التونسية
وبينما رفض رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي التعليق على طلب الحكومة التونسية تأجيل زيارة المقررة الأممية، أكد جمال مسلم الناشط الحقوقي والرئيس السابق للرابطة في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "تونس موقعة على الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بمقرري الأمم المتحدة حول عدد من القطاعات ومن بينها القضاء والمحاماة"، مبدياً استغرابه من قرار التأجيل.
ويرى جمال مسلم أن "تونس ستتحمل تبعات تأجيل هذه الزيارة لأنها ملزمة بقبول المقررة الأممية"، لافتاً إلى أن "الجدل الحاصل حول الإيقافات السياسية هو من الأسباب الرئيسة لطلب تونس تأجيل الزيارة"، معتبراً أن "قرار التأجيل يدل على تخبط السلطات التونسية التي ستدفع ثمن ارتجالها في التقرير الأممي النهائي، إذ لن يخدم صورة تونس في الخارج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الناشط الحقوقي أن "القضاة في تونس اليوم متخوفون من السلطة التنفيذية ولا يعملون في استقلالية تامة بعد أن تعرض عدد منهم إلى ضغوط ومضايقات، علاوة على تعدد القضايا ضد المحامين".
ويقر الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان بـ"وجود تراجع لافت في الحقوق والحريات"، داعياً السلطة إلى "تجاوز هذا الإشكال وقبول المقررة الأممية وتسهيل عملها حفاظاً على سمعة تونس في الخارج".
القوانين سارية على الجميع
في المقابل وبينما لم يصدر أي توضيح رسمي من الحكومة التونسية حول تأجيل زيارة المقررة الأممية، أكد بيان لوزارة الشؤون الخارجية رداً على تعليقات عديد الدول حول حملة الاعتقالات التي طاولت سياسيين وصحافيين في تونس أن "قوانين الجمهورية التونسية سارية على جميع المتقاضين على حد سواء ومن دون تمييز مع توفير جميع الضمانات اللازمة، وأن العدالة تمارس برصانة من دون تأثر بموجة التعليقات غير المقبولة".
وأضاف البيان أن "مثل هذه التعليقات من شأنها الانعكاس سلباً على جهود الدولة المكثفة لتصحيح الوضع الاقتصادي والمالي الواقع تحت الضغط، نتيجة سوء الحوكمة التي اتسم بها العقد الماضي، وما انجر عنه من تداعيات لا يزال التونسيون يتحملون تبعاتها".
تحامل دولي على تونس
من جهته أكد الناشط السياسي سرحان الناصري أن "الشعب التونسي اليوم يطالب بمحاسبة كل من أجرم في حق تونس خلال العشرية الماضية من توظيف للقضاء وتخريب لمنظومة العدالة، وبخاصة الفساد المالي الذي دمر تونس"، لافتاً إلى أن "القضاء في تونس مستقل، إلا أنه يواجه ضغوطاً من أجل التسريع في محاسبة جميع المتورطين"، نافياً أن يكون القضاء يواجه تضييقات من السلطة.
وشدد الناصري على أن "بناء الجمهورية الجديدة يحتاج إلى تنقية المناخ السياسي، والتأسيس للعدالة عبر محاسبة المجرمين وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب"، مشدداً على أن "الموقوفين على ذمة جملة من القضايا منها ما يتعلق بالإرهاب وغسل الأموال والتآمر على أمن الدولة، سيحاسبهم القضاء في احترام تام لجميع حقوقهم".
ولفت الناشط السياسي إلى أن "المعارضة السياسية تتظاهر في الشوارع بكل حرية، وتونس لا تحتاج إلى دروس من أي كان، ولا تقبل أي تدخل دولي في عمل مؤسساتها"، مشيراً إلى "وجود تحامل من الجهات الأجنبية يستهدف تونس".
يذكر أن المقرر الأممي لاستقلال القضاة والمحامين سبق أن زار تونس عام 2014، والتقى وقتها مختلف مكونات المجتمع المدني والحقوقي وممثلي السلطات، وانتهى إلى تقرير نوه بوضع القضاء والمحاماة في تونس، وتضمن جملة من التوصيات لمزيد من تعزيز استقلالية القضاء لتحقيق العدالة.