ملخص
أكدت الحكومة المصرية أن المنتج السياحي الفردي "ليس على المستوى المطلوب"، ومطالب بتفعيل القانون على المتجاوزين وتوعية المصريين بكيفية التعامل مع السياح
اعتاد المصريون مشهد "الفوج السياحي" الذي تصاحبه قوة أمنية متنقلاً بين فنادق الإقامة والمناطق السياحية، لكن مشهد "السائح المنفرد" لم يعد مستغرباً أيضاً، إلا أن بعض تقييمات السياح القادمين إلى مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت شكاوى من مضايقات وعدم تنسيق أفسد تجربتهم السياحية.
وجاءت معظم تلك التعليقات ممن يطلق عليهم "السياح الفرديون"، وهم من يعتمدون على أنفسهم في إعداد برنامجهم السياحي، وحجز الرحلات بأنفسهم من دون الاعتماد على شركة سياحة.
وعلى الصعيد العالمي، تشير بيانات المواقع المتخصصة بالسياحة والسفر إلى تزايد نزعة السفر الفردي منذ انحسار جائحة كورونا، إذ تظهر مؤشرات موقع "سكاي سكانر" لحجز رحلات الطيران إلى أن 54 في المئة ممن شملهم استطلاع يفكرون في السفر بمفردهم خلال العام الجاري.
كذلك أظهر استطلاع أجراه محرك البحث حول السفر "كاياك" إلى أن عمليات البحث عن رحلات السياحة الفردية أعلى 36 في المئة في رحلات السفر خلال 2023 مقارنة بالعام الماضي.
وأظهرت بيانات موقع "بوكينغ" الأشهر في مجال حجز المنشآت السياحية أنه في فترة ما قبل الجائحة كان 14 في المئة فقط من المسافرين يسافرون بمفردهم، لكن بحلول منتصف عام 2021 تضاعف هذا العدد تقريباً إلى 23 في المئة، وفق المنشور في موقع "solotravelerworld".
واستقبلت مصر العام الماضي 11.7 مليون سائح ارتفاعاً من ثمانية ملايين في 2021، وتوقع وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى أن يبلغ عدد السياح بنهاية هذا العام 15 مليوناً، بعدما نمت الحركة السياحية الوافدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 43 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، وتستهدف مصر استقبال 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
تجارب السياح
التجارب السياحية الفردية في مصر تبدو بحاجة إلى المراجعة، فقبل أسابيع، نشر مدون أميركي متخصص في السفر باليخت مقطع فيديو عبر صفحته الرسمية في "يوتيوب"، تجربته في مصر بصحبة عائلته، بعد أن قضوا أسابيع داخل يختهم في البحر الأحمر.
وتحت عنوان "ماذا حدث في مصر؟" اشتكى المدون "كيث" الذي قدم إلى مصر عبر يخته الخاص، من الإجراءات الحكومية المصرية والمضايقات وكثرة التفتيش التي واجهتهم خلال وجودهم في خليج العقبة.
وحكى المدون تجربته في التنقل باليخت الخاص به، في مصر والسعودية والأردن وتركيا بصحبة عائلته، عبر قناته على "يوتيوب" المشترك فيها نصف مليون شخص، مؤكداً أنه طوال تجربته في التنقل حول العالم بيخته، لم يشعر أبداً بخطر فقدان مركبه مثلما شعر بذلك في مصر.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، نشرت مؤثرة على موقع "إنستغرام" تدعى "آجي" عن توقيف الأمن المصري لها خلال زيارتها منطقة الأهرامات، بدعوى عدم ارتدائها حمالة صدر، وأثار منشورها ضجة كبيرة بسبب عدد متابعيها الكبير على مواقع التواصل، الذي يفوق المليون.
وردت وزارة السياحة والآثار المصرية حينها ببيان قالت فيه إن السائحة كانت متجردة من ملابسها، ووجهها الأمن الإداري إلى ارتداء ملابسها كون فعلها يتنافى مع العادات والتقاليد والقوانين المصرية.
اعتراف حكومي
وزير السياحة والآثار المصري كان قد أقر في بيان نهاية مارس (آذار) الماضي بأن المنتج السياحي المصري الفردي، "ليس على المستوى المطلوب". موضحاً أن هناك 14 مسار عمل يتم العمل عليها في النصف الثاني لهذا العام مع السائح الفردي.
كذلك، قالت نائبة وزير السياحة، غادة شلبي، إن الوزارة تدرك أن "تجربة زيارة السائح بشكل فردي تواجه كثيراً من المشكلات". وضربت مثالاً بزيارة الأهرامات التي لو قام بها السائح بمفرده "لن تكون ممتعة"، ولذلك تعمل الحكومة على تعظيم دور شركات السياحة التي تستضيف السائح، وتتولى إدارة رحلته بالكامل حتى لا يتعرض لمشكلات، وفق حديث نائب الوزير خلال جلسات المحور الاقتصادي في الحوار الوطني، الثلاثاء الماضي 16 مايو (أيار) 2023.
المتخصص في الشأن السياحي حسام هزاع قال لـ"اندبندنت عربية"، "السياحة الفردية ازدهرت في عدد من دول العالم على عكس مصر". موضحاً أن الأفراد المعتمدين على هذا الشكل من السياحة "قد نعتبرهم مغامرين، وهناك تخوف من زياراتهم وزيادة أعدادهم في مصر".
وأكد هزاع أن الأفضل للسياح الحجز من طريق شركات سياحة معتمدة، موضحاً أن السائح الفردي أو المغامر "يتعرض لسلوكيات من غير العاملين في قطاع السياحة تؤدي إلى نقل صورة سلبية عن مصر، مثل عمليات النصب والاستغلال".
هزاع الذي يمتلك إحدى كبريات شركات السياحة، شدد على ضرورة القضاء على ما سماه السوق الموازية في قطاع السياحة المصرية، التي تفتح باباً للعمل بطرق غير رسمية مع الوفود الأجنبية، مما يتسبب بالنهاية بالانتقاص من سمعة مصر كوجهة سياحية عالمية.
تصريح مرافقة أجنبي
ويلزم القانون المصري أن يحمل المواطن المصاحب للسائح تصريح "مرافقة أجنبي"، وهو ما انتقده البعض على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، إذ حاز منشور كتبه شاب يدعى "محمود رشاد" عبر حسابه على "فيسبوك" تفاعلاً كبيراً، بعدما كشف أنه اضطر لدفع رسوم قدرها 100 جنيه (3.24 دولار أميركي) نظير تصريح مرافقة سائح في منطقة أثرية، مشيراً إلى أنه كان يصطحب صديقاً وزوجته يحملان الجنسية الألمانية إلى مدينة الأقصر، التي تعج بالآثار والمعابد الفرعونية، لكنه خرج بخيبة أمل جعلته يقول إن مصر "لا تستحق ملايين السياح الذين يزورنها كل عام". واصفاً تجربته بـ"المريرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح رشاد أن كثيراً من التفاصيل خلال الرحلة "تسيء إلى صورة مصر. بداية من إيجاد سيارة أجرة من دون مزايدات ومطاردة السائقين للسياح في الكورنيش، وحتى عرض بيع المواد المخدرة عليهم".
كما كشف عن تجربة سائحين إيطاليين كانا معه على القطار تعرضا لموقف سيئ بسبب عدم إتاحة حجز التذاكر عبر موقع هيئة السكك الحديدية للأجانب، بينما يسمح للمصريين بذلك، ما دفع المسؤول داخل القطار إلى مطالبة السياح بدفع 120 دولاراً غرامة، وإلا سيتم إنزالهم في المحطة المقبلة.
لكن هزاع دافع عن إجراء تصريح مرافقة السائح، مؤكداً أن القطاع السياحي "يحتاج إلى نظام ووجود تصاريح أمنية خاصة تؤكد أهلية الشخص للتعامل مع الزائر الأجنبي". داعياً إلى "احترام مهنة المرشد السياحي".
كما نفى أن تكون السياحة الفردية أرخص أو أقل تكلفة بالنسبة إلى الأجنبي القادم إلى مصر، قائلاً إن السائح "ينزل مصر من دون الاستعانة بالطريقة السليمة من خلال الشركات المرخصة يدفع تكلفة أكبر، لأنه يدفع التكلفة نفسها للطائرة والفندق، وقد ينتقل داخلياً بشكل أرخص، لكن بدلاً من وسيلة نقل مريحة ومؤمنة سيصبح عرضة للاستغلال والنصب".
رغبة في التوفير
في المقابل، أرجع نقيب السياحيين، باسم حلقة، انتشار ظاهرة السياحة الفردية إلى رغبة السياح في توفير نفقات السفر لتصبح اقتصادية أكثر وملائمة لحجم مدخراتهم، مؤكداً أنها أصبحت موجودة في كل دول العالم، عبر سفر أفراد أو مجموعات قليلة من السياح بمفردهم من دون حجز مسبق مع أي من شركات السياحة المحلية.
وقال حلقة، لـ"اندبندنت عربية"، "رواد السياحة الفردية يفكرون في توفير النفقات خلال رحلاتهم، مما يضطرهم للاستغناء عن رفاهيات كثيرة فبدلاً من الفنادق يبحثون عن (هوستيل) أو نزل للشباب تكون تكلفته أقل".
ولا ينكر حلقة تعرض بعض السياح في مصر لمضايقات كثيرة، بخاصة غير المتعاقدين مع شركة سياحية، "من آمن العقاب أساء الأدب. توجد قوانين تجرم التحرش أو التعرض للسياح، لكن مع الأسف لا تطبق بجانب وجود قصور في واجبات أفراد الأمن في الأماكن الأثرية".
وعن المقارنة بين مصر ودول أخرى في السياحة الفردية، قال حلقة إن مهمة السائح بشكل فردي تعد أصعب من دول أخرى مثل تركيا والمغرب، "بخاصة أننا لدينا نسبة تحرش بالسياح مرتفعة، إضافة إلى أزمة الباعة الجائلين والتسول وجميعها سلوكيات مرفوضة وصعب على السائح التعامل معها".
وطالب نقيب السياحيين الدولة بـ"ضرورة تدخل وتفعيل القانون لردع المحتكين بالسياح من الإساءة إليهم أو مضايقتهم سواء بالقول أو الفعل، مع تنامي دور وسائل الإعلام المختلفة في توعية المصريين بكيفية التعامل مع السياح".
تحسين التجربة
كانت وزارة السياحة والآثار قد أعلنت استراتيجية لتطوير قطاع السياحة، من بين محاورها "تحسين التجربة السياحية"، التي تنقسم إلى هدف قصير المدى عبر تحسين طرق جذب المجموعات عبر وكلاء السفر، وآخر طويل المدى لتحسين تجربة السائح الفردي قبل وأثناء وبعد الوصول، والعمل على تقييم التجربة عبر قياس رضا السياح، ومحاولة الحفاظ على الصورة الذهنية للسياحة المصرية باعتبار الوزارة رقيباً ومنظماً للعملية السياحية، فضلاً عن تطوير التشريعات مثل تعديل قانون التحرش.
وكان وزير السياحة والآثار قد أعلن في وقت سابق أن الدراسات التي أجرتها الحكومة المصرية عالمياً أثبتت وجود 272 مليون سائح محتمل يرغبون في تجربة المنتج السياحي المصري، 11 في المئة منهم يرغبون في السياحة الثقافية والترفيهية، و16 في المئة يحبذون السياحة الثقافية و15 في المئة منهم يرغبون في سياحة المغامرة، وستة في المئة يفضلون سياحة الاستجمام، بخلاف خمسة في المئة يرغبون في السياحة مع عائلاتهم.
وتهدف الحكومة المصرية إلى مضاعفة إيراداتها من قطاع السياحة لنحو 30 مليار دولار سنوياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، كما تستهدف زيادة أعداد الوافدين بنسب تتراوح بين 25 و30 في المئة خلال العام.
ويقدر عدد العاملين في القطاع السياحي بنحو 10 في المئة من قوة العمل في مصر، أو نحو ثلاثة ملايين شخص، حسب دراسة لمعهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط، نشرها في مايو 2020.
وكان أكثر عدد من السياح في مصر قد سجل في عام 2010 بوصول 14.7 مليون زائر، بإيرادات بلغت 12.5 مليار دولار، وتهدف الحكومة لمضاعفة ذلك الرقم تقريباً عام 2028 ليصل إلى 30 مليون سائح.
ومنذ ذروة الانتعاش السياحي في 2010 تباينت أعداد السياحة الوافدة، حيث زار مصر 9.8 مليون سائح في عام 2011 عقب اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وارتفع العدد في العام التالي إلى 11.5 مليون سائح، ثم عاد إلى الانخفاض في 2013 ليكون نحو 9.4 مليون.
وكان الانخفاض الأكبر عام 2016 بتسجيل 5.3 مليون سائح في أعقاب حادثة سقوط طائرة روسية في أجواء سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، إلا أن القطاع تعافى في عام 2019 مسجلاً 13.1 مليون سائح، لتأتي جائحة كورونا مطيحة أعداد السياح التي سجلت 3.5 مليون سائح فقط، ومع انتهاء الجائحة زار مصر في العام الماضي 11.7 مليون سائح.