Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كسينجر يلوح بسيف الذكاء الاصطناعي لتجنب الحرب العالمية الثالثة

رأى أوكرانيا خطرة بتسلح فائق وقيادة قليلة الخبرة وذكر بسلام المئة عام

عمل هنري كيسنجر طيلة عقود في عوالم السياسة والديبلوماسية (الموسوعة البريطانية)

ملخص

رأى كيسنجر أن العالم يقف في وضعية المجابهة بين قوتين عظيمتين وفائقتي التسلح ومصرتان على الانتصار، مما يصنع آلية لحرب عالمية مقبلة. ودعا إلى تجنبها عبر الاعتدال واستباق تمدد الذكاء الاصطناعي في المنظومة الدولية

على رغم أن أعوامه المئة قد تضعه ضمن صورة الماضي السحيق بالنسبة إلى زمن التطور الضوئي لإيقاع الذكاء الاصطناعي، فإن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر استخدم كلمات تشبه ما يروج الآن بين شباب الألفية الثالثة كي يرسم خريطة طريق لوقاية النظام العالمي من حرب عالمية ثالثة. وفي مقابلة استمرت ثماني ساعات مع مجلة "إيكونوميست"، لوح الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الأميركي، بسيف التقدم المتسارع لثورة المعلوماتية والاتصالات، كي يهدد الولايات المتحدة والصين، بأن الذكاء الاصطناعي لن يمهلهما أكثر من خمس سنوات، قبل أن يجدا نفسيهما خلف الزمن وإيقاعاته.

عند هذه النقطة، ربما يهز بعض متابعي المفكر الاستراتيجي "المئوي" استهجاناً من استناده إلى ثورة ما كي يرسم نظاماً عالمياً يضمن السلام، فيما اشتهر هو بالذات بالسير على خطى السياسي المحنك كليمانس فون مترينخ في صناعة سلام يدوم بفضل عدائه للثورات، بل لفكرة الثورة بحد ذاتها، لأن ما تحمله من تغيير يتناقض مع فكرة الاستقرار التي تقف في أساس تفكير كسينجر ومترينخ. وقد اشتهر ذلك السياسي النمسوي بلقب "طبيب الثورات" من شدة عدائه لها، خصوصاً أنه عايش تجربة ضخمة مع الثورة الفرنسية وبطلها نابليون، الفلاح الثائر الذي تحول طاغية وإمبراطوراً. وتوضيحاً، فقد تمكن وزير الإمبراطورية النمسوية – الهنغارية من إرساء ما يعتبر شكلاً مبكراً للنظام العالمي الحديث، حينما استطاع إرساء سلام دام قرابة المئة عام، بل عرف بهذا الاسم، بعد سقوط نابليون بونابرت ومشروعه الإمبراطوري في الهزيع الأول من القرن التاسع عشر. ولطالما نظر إلى "معاهدة فيينا" التي نسج خطوطها مترينخ في 1815، باعتبارها بداية أطول فترة سلام في القارة الأوروبية، إذ امتدت حتى الحرب العالمية الأولى في 1918.

وكذلك حملت تلك المقابلة مع "إيكونوميست" مفارقة أخرى جاءت عبر كلمات هنري كيسنجر عن ثورة الذكاء الاصطناعي.

فقد شهد القرن التاسع عشر الثورة الصناعية الأولى، بل إن نابليون لم يسقط عن عرش الهذيان بمشروع القوة الإمبراطورية العالمية قبل أن يشهد "الحركة اللودية" The Luddite Movement  التي اندلعت تحت شعار الخوف من أن يؤدي انتشار الآلات الميكانيكية الصناعية إلى القضاء على فرص البشر في العمل.

والآن، ينادي كيسنجر بلجم مشروعين "إمبراطوريين" معاصرين، فيما تجتاح العالم سيول من آراء احتجاجية عن حلول الروبوت وآلات الذكاء الاصطناعي بديلاً من البشر في الوظائف والأعمال!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما الذي يخشاه كيسنجر حقاً؟

بالعودة إلى تلك المقابلة التي عانت، وفق "إيكونوميست"، بطء النطق ولهجة ألمانية ثقيلة تخالط إنجليزيته، رأى كيسنجر أن العلاقة بين أميركا والصين تشكل المفتاح الأساس في تجنب حرب عالمية ثالثة، إذا استطاع البلدان نسج نظام عالمي توافقي شريطة أن تكون لدى قيادتيهما قناعة عميقة وجذرية بضرورة السلام.

وضمن خلاصات أساسية شدد عليها كأساس في خطة لتجنب حرب عالمية ثالثة، دعا كيسنجر أميركا والصين إلى تجاوز ميلهما المتصاعد إلى التفكير بالانتصار، مع ما يرافق ذلك من مواقف وإجراءات متطرفة. واستطراداً، حث وزير الخارجية الأسبق القوتين اللتين تملكان فعلياً ما يتكفل بتدمير البشرية في حال تصادمهما، إلى تبني الاعتدال والتوازن والمسؤولية في التفكير الاستراتيجي. وفي تشبيه متوقع، دعا كيسنجر القيادات العالمية الكبرى إلى صوغ نظام دولي يحمل "شيئاً أساسياً من النظام الذي ظهر بعد الحروب النابوليونية في أوروبا"، بالتالي أوضح كيسنجر أن ذلك يعني صوغ نظام عالمي لا يكون فيه ميل إلى فرض منظومة ما من القيم أو الأنماط السياسية، بل يتمحور حول السلام وحفظ الاستقرار. ولم يتردد الأكاديمي المخضرم في الاعتراف بصحة النقد الذي وجه إليه دوماً بأنه لم يستطع صوغ نظام مماثل لما صاغه مترينخ في "معاهدة فيينا" وما تلاها. وإذ أعطى كيسنجر لذلك الإخفاق تبريرات عدة، لفت إلى أنه بذل قصارى ما يستطيع من جهود في ذلك.

وفي السياق نفسه، أعرب كيسنجر عن توجسه من كارثة تدميرية قد يحدثها الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر رفع درجة التدمير في الأسلحة الاستراتيجية، بما في ذلك النووية والبيولوجية. وكذلك يعمل الذكاء الاصطناعي، وفق كيسنجر، على زيادة درجة الاضطراب العالمي في أوساط المجاميع البشرية، بصورة تفوق كثيراً العلاقة المعروفة بين انتشار الطباعة والحروب الطاحنة في القرنين السادس عشر والسابع عشر. واستكمالاً، رأى كيسنجر أن الاتفاق بين أميركا والصين في مجال الذكاء الاصطناعي يشكل ركيزة أساسية في تجنب حرب عالمية ثالثة. وأوضح أن "صُنّاع الذكاء الاصطناعي لا يعرفون الأمدية الكاملة لقوته. يستطيع صنع أدوات بيولوجية فائقة تنشر جائحات، إضافة إلى تأثيره المعروف في الأسلحة الاستراتيجية". وشدد على أن الذكاء الاصطناعي يجعل الحروب المقبلة أقرب إلى الإبادات المتوالية. وفي خلاصة مكثفة عن خطر الذكاء الاصطناعي، لاحظ كيسنجر أنه "في تاريخ الحروب العسكرية كلها، لم يكن القضاء التام على الخصوم ممكناً، بسبب الجغرافيا ودرجة دقة الأسلحة. [ومع الذكاء الاصطناعي]، بات الجميع في وضعية الخصم المنكشف بدرجة مئة في المئة"، وفق كيسنجر، بمعنى أن أحداً لن ينجو من حروب المستقبل إذا اندلعت.

مديح الهند والتأسي على انقسام قيادات واشنطن

في غير موضع من تلك المقابلة، برز تشكك كيسنجر في مدى التمرس السياسي الاستراتيجي لدى القيادات السياسية المعاصرة في القوى الرئيسة من النظام الدولي. وكذلك مال إلى ملاحظة أن القيادات الصينية قد تكون أكثر ميلاً إلى الاعتدال، لكن من دون ضمانة فعلية لاستمرار ذلك. وامتدح كيسنجر النخبة السياسية الهندية التي رآها ميالة إلى تبني "سياسة التعاملات الواقعية المتبادلة"، مع النأي عن سياسة المحاور والانحياز إلى طرف عالمي ضد آخر.

وفي سياق التوجس من الانجرار إلى حرب عالمية ثالثة، وجه كيسنجر نقداً شديداً إلى القيادات الأوروبية، استناداً إلى ما أظهرته عنها الحرب الروسية على أوكرانيا. وبعبارات غير ملطفة، وصف المستشار الأسبق لمجلس الأمن القومي الأميركي القيادات الأوروبية بأنها "تتصرف بشكل مجنون" مع أوكرانيا التي "لا يرغبون في انضمامها إلى حلف الناتو"، مع ما يحمله ذلك من ضمان أمني استراتيجي قد يخدم صنع السلام بين روسيا وأوكرانيا. وبدلاً من ذلك، تعمد القيادات الأوروبية إلى اتباع سياسة "الإفراط في التسليح" مما يحمل إمكانية أن تغدو أوكرانيا خطرة بكونها "البلد الأفضل تسلحاً لكن مع القيادة الأقل تمرساً من الناحية الاستراتيجية"، في القارة الأوروبية.

ووفق ما ورد في المقابلة مع "إيكونوميست"، قدّم كيسنجر رؤية عن السلام الممكن في أوكرانيا. ورأى أن السلام يستلزم حدوث نقلتين نوعيتين، أولاهما قبول الأوروبيين بانضمام كييف إلى الناتو، والثانية سعي الاتحاد الأوروبي بفعالية إلى التقرب من روسيا بطريقة تضمن استقرار الحدود الشرقية لذلك الاتحاد.

وفي ثنايا المقابلة مع "إيكونوميست"، أورد كيسنجر انتقادات لا حصر لها للمستوى القيادي في المؤسسة السياسية الأميركية، خصوصاً في تعاملها مع تصاعد الانقسام السياسي داخل أميركا إلى مستوى غير معهود في الأزمنة المعاصرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرؤية المتوترة حيال الصين.

إذ استعاد كيسنجر أيام توليه منصبي الخارجية والأمن القومي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مشيراً إلى أن قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي كان مألوفاً لديها الترافق في سهرات العشاء مثلاً، أو الوثوق ببعضها بعضاً على غرار ثقة الديمقراطيين برصانة الرئيس الجمهوري جيرالد فورد. وبالتالي، أوضح كيسنجر أن الوضع المتوتر الحالي قد تخرج فيه الأمور عن السيطرة أيضاً. إذا حدث أمر على غرار فضيحة "ووترغيت" [تجسس الرئيس الجمهوري نيكسون على خصومه في الحزب الديمقراطي]، فلربما تنفلت الأمور لأن قيادات الحزبين تتصرف وفق قاعدة أن كل الوسائل مسموح بها!

ووفق كلمات السياسي الأميركي العجوز، "لقد دفع بايدن وترمب الأمور إلى حدود أعلى سقوفها. لا يستطيع بايدن أن يعطي الإلهام بالشكل الكافي. وأتمنى أن يجد الحزب الجمهوري شخصية أخرى [غير ترمب]".

المزيد من دوليات