ملخص
يفاقم الأزمة ارتفاع أسعار المحروقات وصعوبة تأمين الكميات الكافية للإنتاج، في ظل عجز الحكومة ومصرف لبنان عن توفير الدولارات اللازمة للاستيراد، فإلى متى يظل لبنان مظلماً؟
تنسحب معاناة اللبنانيين على جميع نواحي حياتهم اليومية، وذروة هذه المعاناة تأتي مع انقطاع التيار الكهربائي. ففي خضم الانهيار المالي الكبير والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019، تواجه الحكومة اللبنانية ومؤسسة كهرباء لبنان عجزاً كبيراً في تأمين الطاقة الكهربائية، وهو ما يحرم الناس في بعض المناطق من التيار الكهربائي أحياناً 24 ساعة كاملة، وقد يمتد الانقطاع أياماً متتالية.
يفاقم الأزمة ارتفاع أسعار المحروقات وصعوبة تأمين الكميات الكافية للإنتاج، في ظل عجز الحكومة ومصرف لبنان عن توفير الدولارات اللازمة للاستيراد. والحقيقة أن هذه الأزمة ليست وليدة الانهيار المالي الذي رافق عام 2019، بل تمتد منذ 30 عاماً تقريباً، حيث فشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في إدارة مؤسسة "كهرباء لبنان"، مما أدى إلى انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي.
سبب الانهيار المالي
يعتبر قطاع الكهرباء ولا يزال السبب الرئيس للانهيار المالي الذي حصل، ذلك أن القطاع استهلك ما يقارب 50 مليار دولار من الأموال العمومية التي استدانتها الدولة بواسطة سندات الخزانة من المصارف، وكما بات معلوماً فإن هذه الأموال هي ودائع للمواطنين ولبعض المستثمرين العرب والأجانب، وتمنعت الدولة عن إعادتها أو دفع فوائدها.
في 18 يناير (كانون الثاني) الماضي عقدت حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً برئاسة نجيب ميقاتي خصص لمناقشة وضع مؤسسة "كهرباء لبنان"، بعد إقرار مجلس إدارة المؤسسة لزيادة التعرفة على الفواتير، وحينها أعلن ميقاتي أن معالجة مشكلة الكهرباء تحل 50 في المئة من مشكلات البلاد. ووافق مجلس الوزراء على منح الكهرباء سلفة بقيمة 62 مليون دولار كثمن محروقات للمعامل، و54 مليون دولار للصيانة والتشغيل، على أن تعتمد خطة لاحقة تبلغ كلفتها 300 مليون دولار إذا ما نجحت المرحلة الأولى من الإصلاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمنت الخطة حينها التيار لما بين ثماني إلى 10 ساعات يومياً، وبعد مضي ما يقارب ثلاثة أشهر يبدو أنها فشلت، وظلت التغذية مقتصرة على تزويد الشبكة العامة بما بين ساعتين وأربع ساعات كهرباء، ولم يتمكن المواطنون من الاستغناء عن المولدات الخاصة وفواتيرها المرتفعة، فضلاً عن أن كثيراً من المواطنين استغنى عن "كهرباء الدولة" كما تسمى في الشارع اللبناني، وتحول إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية.
أما نظام الجباية الجديد الذي اعتمدته "كهرباء لبنان" من تحصيل فواتير الطاقة وفق التعرفة الجديدة التي تعتمد على سعر منصة "صيرفة" التابعة لمصرف لبنان المركزي، وهو يتبدل تبعاً لسعر دولار السوق السوداء، فقد أثر على ارتفاع فواتير الكهرباء لتسجل أرقاماً غير مسبوقة تخطت معه المليون ليرة (نحو 67 دولاراً)، بينما كانت تصل إلى 200 أو 300 ألف ليرة كحد أقصى، مما دفع بعديد منهم إلى إلغاء عداداتهم، إضافة إلى فواتير المولدات الخاصة التي بات أصحابها يشترطون إما الدفع نقداً بالدولار، أو وفق سعر صرف السوق السوداء الذي لامس قبل فترة عتبة 130 ألف ليرة لبنانية. مع ذلك لم يتلق المواطن اللبناني إلا أربعة إلى خمس ساعات في أفضل الأحوال، وهو ما لا ينطبق على جميع المناطق اللبنانية.
وكان وزير الطاقة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، أعلن عن نجاح نسبي ضئيل في خطة الكهرباء، مع زيادة التغذية لحد أقصى يصل إلى خمس ساعات يومياً. وقال في مؤتمر صحافي، أبريل (نيسان) الماضي، إن "نجاح خطة الكهرباء نسبي وضئيل، ونحاول زيادة التغذية الكهربائية قدر الإمكان، وكان ممكناً الوصول من ثماني إلى 10 ساعات كهرباء يومياً، ولكن محدودية التمويل من مصرف لبنان ووزارة المال والقدرة على شراء الفيول أدت إلى تأمين تغذية بين أربع وخمس ساعات في المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة".
النفط العراقي
يروج المسؤولون منذ فترة ليست قصيرة أن "كهرباء لبنان" قادرة على تأمين ما بين 10 و12 ساعة من التيار يومياً في حال تأمين الوقود اللازم، لكن ساعات التغذية تقتصر على ما يصل إلى لبنان من الفيول العراقي الذي يؤمن ثلاث ساعات من التغذية غير المستقرة، ذلك أن تلك الشحنات تتأخر أحياناً، فتطفئ معامل وتشغل أخرى بالحد الأدنى.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي صرح بأنه "لولا النفط العراقي لما كان لدينا ولا دقيقة كهرباء، ومن خلاله بقيت التغذية مستمرة في المؤسسات العامة وعلى رأسها مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي".
وبشر ميقاتي اللبنانيين خلال حديث لقناة "العراقية الإخبارية"، 18 مايو (أيار) الحالي "بزيادة ساعات الكهرباء إلى كل لبناني وإلى كل منزل بفضل النفط العراقي". وقال "العراق دائماً اليد المعطاءة للبنان في هذا الظرف الصعب، وأشكره حكومة وشعباً على كل ما يقدمه لنا".
وكان المكتب الإعلامي لوزير الطاقة ليد فياض أصدر بياناً جاء فيه أن "مجلس الوزراء العراقي وافق، وبناء على اقتراح الوزير فياض، على تأمين كامل حاجات لبنان من المشتقات النفطية لزوم تشغيل معامل الكهرباء لتأمين تغذية إضافية مع بداية موسم الصيف، التي وردت في رسالة فياض إلى وزير النفط العراقي، وتتلخص في نقاط ثلاث، أولاً تأمين كامل الكميات المتبقية في اتفاقية تزويد لبنان بزيت الوقود السارية المفعول على أساس أربع دفعات من يوليو (تموز) إلى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مما يشكل زيادة في كمية الفيول الشهرية إلى الضعف أو ما يعادل 160 ألف طن من زيت الوقود الثقيل شهرياً بدلاً من 80 ألف طن".
النقطة الثانية، بحسب المكتب الإعلامي لوزير الطاقة، هي تجديد اتفاقية التزويد بشروطها الحالية مع زيادة 50 في المئة على الكمية السنوية لتبلغ 1.5 مليون طن متري. والثالثة الموافقة على إبرام توقيع عقد جديد بشروط تجارية من دولة إلى دولة لتأمين إلى حدود مليوني طن في السنة من النفط الخام، يصار إلى استبدالها بما يتوافق مع المواصفات الموضوعة من قبل مؤسسة "كهرباء لبنان" ضمن آلية تنافسية شفافة، ووفق شروط ميسرة تتضمن آلية دفع مؤجل لستة أشهر من تاريخ التسلم من دون ترتيب أي فوائد مالية وبسعر يراعي الأسعار العالمية التنافسية.
وأشار البيان إلى أن "هذا القرار يأتي بعد زيارة الوزير فياض الأخيرة للعراق في السادس والسابع من مايو (أيار) الحالي، التي بحث فيها هذه الاقتراحات مع رئيس الوزراء، بحضور نائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير وكل الوزراء المعنيين.
من جهته قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي إن "موافقة العراق على تلبية حاجات لبنان من مشتقات النفط لتشغيل معامل الكهرباء لسنة إضافية هو من باب العلاقة الأخوية بين البلدين"، لافتاً إلى أن "فياض سيستكمل المفاوضات والعمل على المستوى الحكومي في لبنان والعراق لمتابعة الإجراءات النهائية الآيلة إلى التنفيذ".
وكان فياض أعلن في أبريل الماضي، أن هناك ثلاثة عناصر أساسية لإنجاح خطة الكهرباء، الأول ضرورة أن يكون هناك تعامل ديناميكي بين مصرف لبنان ووزارة المال في موضوع فتح الاعتمادات لشراء الفيول، حيث إن السرعة مطلوبة لعدم تأخير زيادة التغذية للمواطنين. والثاني دفع القطاع العام والمؤسسات العامة المستحقات المتوجبة عليها لصالح كهرباء لبنان، أما الثالث فمرتبط بمخيمات اللاجئين، بحيث جرى تركيب عدادات لتسديد المستحقات والفواتير على أساسها، و"على الجهات المعنية بشؤونهم تحمل المسؤولية في حال الفشل أو التقصير"، بحسب تصريح فياض.
كذلك تحدث عن بعض التقدم على صعيد إزالة التعديات على الشبكة الكهربائية، لافتاً إلى أنه "صحيح هناك تأخير لكن البوادر التي رأيناها منذ بدء التنفيذ الفعلي لخطة الطوارئ في فبراير (شباط) الماضي، تشير إلى أن الأمور تسير بشكل جيد".
وحول استفادة مناطق من الكهرباء على حساب أخرى، قال فياض إنه يجري قياس النسبة المهدرة على كل مخرج للطاقة، وذلك عبر إحصائية على عدد محاضر المخالفات بالنسبة إلى عدد المشتركين.
رهان العقد الجديد
نشرت بعض وسائل الإعلام اللبنانية تفاصيل ما سيمنحه العراق إلى لبنان من فيول ونفط خام، حيث كان لبنان توصل لاتفاق مع العراق قضى بتسليم الأخير لبنان 1.5 مليون طن من الفيول المستخدم في إنتاج الكهرباء، ومليوني طن من النفط الخام. وسيقوم العراق بتسليم لبنان شهرياً (وفق العقد الجديد) 125 ألف طن من الفيول، و160 ألف طن من النفط الخام بدءاً من أكتوبر المقبل ولغاية أكتوبر 2024، أي ما مجموعه 285 ألف طن شهرياً.
وتفترض وزارة الطاقة أنها ستستخدم هذه الكمية بعد مبادلتها بكميات تلائم حاجات المعامل عن طريق (Swap) لإنتاج كهرباء لما يصل إلى 10 ساعات في اليوم كحد أدنى. أما الوصول إلى هذه الأرقام فسيبقى رهن الانتهاء من تطبيق العقد القديم.
ووفق ما سرب من معلومات فقد بقي من قيمة العقد القديم الموقع بين الجانبين ما مجموعه نحو 750 ألف طن جرى تقسيمها بشكل منتظم ومتساو لغاية سبتمبر (أيلول) المقبل.
وفي السياق قال مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون، في حديث إعلامي، إن "خطة الكهرباء من الأساس مبنية على أوهام وشروط مستحيلة التنفيذ"، مشيراً إلى أنها "أسقطت على مؤسسة كهرباء لبنان من وزارة الطاقة، وبإلحاح من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكان أن وضعت شروطاً تعجيزية".
ولفت بيضون إلى أن الخطة "اشترطت تعاون مصرف لبنان وتأمين الدولارات بسعر خاص، إلى جانب تعاون وزارات المالية والعدل والدفاع والبلديات، وتأمين مادة المحروقات للمؤسسة لمدة ستة أشهر، والاعتمادات المالية اللازمة في الموازنة العامة لتغطية استهلاك إداراتها، وكذلك بالنسبة إلى المؤسسات العامة ومصالح المياه بما يغطي التعرفة الجديدة، وذلك بقيمة إجمالية تبلغ نحو 200 مليون دولار تعادل خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية، وهو طبعاً ما لم يحصل، لأن الخطة جاءت بعد إقرار الموازنة التي لم تتضمن الاعتمادات المطلوبة".