ملخص
كان لآغ غالي تاريخ طويل انتقل خلاله من العمل العسكري إلى الدبلوماسي قبل أن ينتهي به المطاف زعيماً لتمرد الطوارق ثم لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة". وقد انضوى الرجل تحت لواء كتائب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قبل أن يعود إلى بلاده في التسعينيات ويقود تمرداً ضد الحكومة المركزية في باماكو.
في الأشهر الأخيرة من عام 2024 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في حق زعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" إياد آغ غالي الموالي لتنظيم "القاعدة" الإرهابي لتسلط بذلك الضوء على أكثر شخصية جدلية وتقلباً في المنطقة.
فغالي مر بفترة من شبابه بدأت بإدمان الكحول مروراً بمسار دبلوماسي قصير وصولاً إلى تزعم جماعة إرهابية تؤرق الجيش المالي وبقية القوى الحكومية في المنطقة، خصوصاً أنه أضحى يملك نفوذاً واسعاً إثر توحيده الفصائل السابقة التابعة لـ"القاعدة" وقيادتها.
واعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن غالي كان لوقت قصير قبل تحوله إلى زعيم إرهابي "مدمناً للروك وموسيقى البلوز الطوارقية، وأيضاً متعلقاً، بصورة كبيرة بالكحول".
تاريخ طويل
ويتحدر آغ غالي البالغ من العمر 66 سنة من قبيلة "إيفوغاس" العريقة في مالي من مدينة تمبكتو، وعندما أجبرت الظروف المناخية الآلاف من الطوارق على الهجرة، غادر، بدوره نحو ليبيا ولبنان وتشاد.
وكان لغالي تاريخ طويل انتقل خلاله من العمل العسكري إلى الدبلوماسي قبل أن ينتهي به المطاف زعيماً لتمرد الطوارق ثم لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة". وقد انضوى الرجل تحت لواء كتائب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قبل أن يعود إلى بلاده في التسعينيات ويقود تمرداً ضد الحكومة المركزية في باماكو.
وتقلد آغ غالي مناصب دبلوماسية أيضاً، إذ شغل منصب قنصل عام لبلاده لدى السعودية قبل أن يعود إلى مالي ويؤسس حركة "أنصار الدين" المتشددة ثم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".
واعتبر الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان أنه "يمكن قراءة هذه الشخصية وفقاً لما نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) بصرف النظر عن مدى صدقية المعلومات التي وردت في هذا التحقيق، فبيئة إياد آغ غالي السابقة أسهمت في صناعة شخصيته من شاب مدمن للكحول وعاشق للروك إلى قائد لجماعة إرهابية بارزة في منطقة الساحل موالية للقاعدة". وتابع ألبان أن "هذا الأمر يحمل دلالات عميقة، أولها قدرة الرجل على التكيف مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به، وثانياً قدرة الأيديولوجيات المتشددة على استقطاب الأفراد الذين يبحثون عن هدف أو معنى لحياتهم، أو لديهم حتى حال نفسية، أو اجتماعية تدفع بهم للتفكير بصورة سلبية، خصوصاً في مناطق تعاني الفقر والتهميش وغيرهما"، وأوضح أن "آغ غالي أظهر قدرة على الانتقال بين الأيديولوجيات المختلفة، إذ نتحدث عن فترة شبابية في ليبيا مليئة بالموسيقى وصولاً إلى شخصية ملاحقة دولياً، مما يتيح بصورة واضحة التحول من بيئة شخصية قومية إلى شخصية دينية متشددة، وقد أسهمت البيئة السياسية التي نشأ فيها في صقل شخصيته".
مدرج في قوائم المطلوبين
وفي ما خص مسيرة آغ غالي الإرهابية وفي حمل السلاح ضد الحكومة المركزية بمالي ومنطقة الساحل فإن الرجل استفاد بصورة كبيرة من رياح "الربيع العربي" العاتية التي طاولت الساحل الأفريقي أيضاً. وهو عاد إلى مالي بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا، حيث سادت الفوضى المنطقة، وقام بتجميع المقاتلين الأزواد ليقود من جديد معارك شرسة ضد السلطات من خلال زعامته لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".
وقال الباحث السياسي المالي المتخصص في القضايا الأمنية الأفريقية حمدي جوارا إن آغ غالي مواطن مالي نشط في الحركات الإرهابية "وهذا سبب علاقته بالحركات المتشددة والقاعدة، وعاد بعد ذلك إلى مالي، وحاولت السلطات احتواءه وعينوه في مناصب دبلوماسية، لكن الرجل حن إلى حمل السلاح وتحالف مع الإرهابيين". وتابع جوارا في تصريح خاص أن "هؤلاء الإرهابيين خرجوا من العشرية السوداء في الجزائر، وكونوا القاعدة في المغرب الإسلامي، ومنذ ذلك الحين وهو ينشط هناك في مجال ما يسمونه تطبيق الشريعة الإسلامية، إذ تحالف مع القوى الانفصالية لمحاربة الدولة المركزية في مالي". وشدد على أن "كثيرين من الماليين يذهبون إلى أنه يعمل من أجل أجندات غربية وإقليمية للتشويش على مالي بسبب عدم تصفيته من قبل فرنسا حين كانت هناك، ويرجح البعض وجوده في جنوب الجزائر حالياً".
استغلال للظروف
ومن غير الواضح الأسباب الكامنة وراء نجاح "القاعدة" في تجنيد الآلاف في صفوفها في منطقة الساحل الأفريقي، حيث ما زال التنظيم يحتفظ بقوة لا يستهان بها، وتشن هجمات دموية من حين إلى آخر في دول مثل مالي وبوركينا فاسو.
وتشكل انعطافة آغ غالي من شاب يعشق الروك والموسيقى الطوارقية بصورة عامة، حيث كان مقرباً بصورة كبيرة من إبراهيم آغ الحبيب مؤسس فرقة "تينزاوتين" الموسيقية، إلى زعيم لـ"القاعدة" في عمق صحراء الساحل الأفريقي، تساؤلات جدية حول دوافع هذه التحولات.
وقال سلطان ألبان "أعتقد أن سر نجاح القاعدة في استقطاب مثل آغ غالي يعتمد بصورة كبيرة على الاستثمار في الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة لدى الفئات الشبابية، إذ تدفع تلك الظروف الشباب إلى الانتظام في مسارات التجنيد التي تتبعها الجماعة لإقناع المستهدفين بالرسائل والأفكار التي تريد الترويج إليها". وأضاف أن "هناك هشاشة أيضاً في بعض المناطق في منطقة الساحل الأفريقي تدفع زعماء بعض القبائل إلى البحث عن حماية لمناطقهم أو المجتمعات السكنية التي يديرونها، حيث يقوم التنظيم بتعزيز علاقاته بصورة دائمة مع تلك المجتمعات، لا سيما مع انهيار الأنظمة الأمنية والسياسية في المنطقة بصورة عامة، خصوصاً بعد سقوط نظام معمر القذافي الذي كان يمثل صمام أمان بالفعل لدول الساحل الأفريقي".
ولعب آغ غالي دوراً بارزاً في تجنيد محاربين جدد في ليبيا بتكليف مباشر من القذافي الذي كانت له علاقة وطيدة مع زعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".
أمر صعب جداً
مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضده ودخول لاعب دولي جديد هو روسيا إلى مستنقع الساحل الأفريقي، تثار أسئلة جدية حول مستقبل آغ غالي، فالرجل على رغم درايته الكبيرة بالمنطقة، فإن ما يحدث من حوله يطلق العنان لتكهنات واسعة النطاق في شأن مصيره.
وكان آغ غالي توعد روسيا التي حلت محل فرنسا في وقت سابق بـ"الهزيمة"، واصفاً أنظمة مالي والنيجر وبوركينا فاسو المتحالفة معها بـ"الخائنة"، وقال في خطاب مصور بثته مؤسسة "الزلاقة"، وهي الذراع الإعلامية لتنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إن "الحرب أعلنت على روسيا في منطقتنا، وسنلحق بها الهزيمة". وبهذا الخطاب قطع آغ غالي سلسلة من التخفي دامت سبع سنوات.
وقال جوارا "في اعتقادي بالنسبة إلى مستقبل آغ غالي فهو يبقى مطلوباً لدى السلطات المالية ولدى المجتمع الدولي لأنه مدرج في قوائم المطلوبين بسبب المجازر التي ارتكبها"، لكن فرص نجاح الأسرة الدولية والحكومة المركزية في باماكو في القبض على الرجل تبدو ضئيلة وفقاً لألبان الذي رأى أن "القبض على آغ غالي أمر صعب جداً بالنظر إلى عديد من المعطيات أهمها قدرته على الاختباء في المناطق الوعرة في السهول والمناطق الجبلية وغيرها، والعلاقات الجيدة له مع زعماء المجموعات السكنية في بعض المناطق". وأضاف "لكن استمرار الصراعات في الساحل وزيادة التوتر بين الغرب ومنطقة الساحل الأفريقي تجعلان آغ غالي لاعباً رئيساً في منطقة الساحل الأفريقي على رغم الضغوط المحلية والدولية للقبض عليه".