في خطوة تعكس التخبط المالي الذي تعانيه إيران في ظل سياسات ليست مستقرة، تتجه إلى حذف 4 أصفار من العملة الوطنية، مع تدشين سوق صرف أجنبية جديدة في أغسطس (آب) المقبل. وفي هذا الصدد يؤكد خبراء "أن الخطوة تأتي لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم في إيران وتعكس انهيار قيمة العملة المحلية تأثرا بالعقوبات الأميركية، وتنذر بمزيد من التدهور للاقتصاد الإيراني بالفترة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقرت الحكومة الإيرانية مقترحا يقضي بحذف 4 أصفار من العملة الوطنية الريال وتغيير مسماه إلى التومان، بغرض الحفاظ على فاعلية العملة الوطنية وتسهيل وتحديث أدوات المدفوعات النقدية في التعاملات المحلية، إلى جانب خفض تكاليف طبع الأوراق النقدية والحد من مشكلات الأعداد الضخمة في التبادل اليومي، وأعباء عد العملة والمسكوكات النقدية وحمل المبالغ الكبيرة منها، بحسب وكالة فارس الإيرانية للأنباء شبه الرسمية.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، في مؤتمر صحافي في طهران، "إن الحكومة أقرت مشروع قانون لحذف أربعة أصفار من العملة والتومان سيكون عملتنا الوطنية"، وهذه الخطوة ستجعل العملة الوطنية أكثر فاعلية، وستكون أكثر انسجاما مع ممارسة شائعة فالريال لا يستخدم كثيرا، كما أن النقود المعدنية سيتم تداولها مجددا".
وتم الإعلان عن القرار في يناير (كانون الثاني) الماضي، بدراسة حذف 4 أصفار من عملتها المحلية "التومان أو الريال"، التي سجَّلت مستويات هبوط تاريخية خلال العام الماضي، بعد أن تراجعت بنحو حاد بعد أن وصل الدولار إلى سعر 193 ألف ريال بنهاية العام الماضي بالسوق السوداء، مقابل 42.9 ألف ريال في البنك المركزي. ويعني حذف الأصفار أنها العملية التي يتم بموجبها تعديل القيمة الإسمية للعملة المحلية، بسبب ارتفاع نسب التضخم وانخفاض قيمة العملة.
نظام جديد لأسعار الصرف
وحسب تصريحات محافظ البنك المركزي ناصر همتي، الأحد الماضي، "فإن النظام الجديد سيكون دوره تنظيميا وليس محددا لسعر الصرف الأجنبي، وسيعرف باسم (السوق المتعددة)، وسيكون الهدف منه بلورة أسعار وصفها بـــ(الواقعية) تخص النقد الأجنبي أمام الريال الإيراني، كما أن سوق النقد الأجنبية الجديدة المرتقب البدء بالعمل فيها بحلول 12 أغسطس (آب) ستحقق الشفافية إزاء عرض أوراق النقد الأجنبية".
وسيضم النظام الجديد شركة تشمل كلا من شركات الصرافة واتحاد البنوك الإيرانية الحكومية، ورابطة المصارف الخاصة، ومساهمي السوق الموازية بالبورصة الإيرانية تحت إشراف البنك المركزي للحفاظ على استقرار السوق والوصول لسعر مناسب، وستمثل تلك الكيانات المذكورة الآلية الرئيسية لأنشطة سوق العملات المتشكلة، حيث من المقرر أن تتم المعاملات المالية داخلها يوميا بشكل إلكتروني. وكانت معدلات التضخم مرتفعة بشكل غير عادي منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في مايو (أيار) 2018.
وذكر مركز الإحصاء الإيراني في تقريره الأخير، الذي نشر الخميس الماضي، "أن معدل التضخم ارتفع إلى نسبة 48% مع موجة الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية. وبالنظر إلى التضخم الذي دام 12 شهراً، والذي يظهر ارتفاع الأسعار خلال فترة عام واحد، نرى أن معدل التضخم في يوليو (تموز)، كان الأعلى في إيران منذ عام 1975".
وتشهد العملة الإيرانية انهيارا حادا منذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، إذ وصل سعر الدولار 130 ألف ريال في أواخر يونيو (حزيران)، لكنه انخفض الأسبوع الماضي ووصل إلى أقل من 120 ألف ريال عن كل دولار، الأسبوع الماضي.
القضاء على التضخم المرتفع
في هذا الصدد يذكر جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية "أن قرار حذف الأصفار من العملة الإيرانية، يهدف إلى محاولة القضاء على التضخم المرتفع الذي تسجله البلاد، التي تعاني من مشاكل اقتصادية في ظل العقوبات الأميركية أدت إلى انهيار عملتها وتحديداً منذ انسحاب الولايات المتحدة في مايو( أيار) 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وحتى اليوم".
وأضاف عجاقة "يجب هنا التفريق بين القرارين، الأول تغيير اسم العملة من (الريال) إلى (التومان)، والأخير يعتبر سياسياً من الدرجة الأولى حيث لا يؤثر في الغالب في قيمة العملة النقدية أما الثاني حذف الأصفار من العمل حيث يأتي نتيجة تقلص الخيارات الموجودة أمام الحكومة ".
وأوضح "أن قيمة العملة تتأثر بعوامل عدة منها سياسية واقتصادية ومالية وقانونية إلى جانب تداعيات ذلك على الصعيد الاجتماعي وعلى الصعيد النفسي للمواطن حيث تدفعه لعدم الثقة في عملته الوطنية ويتطلع دائما إلى العملة الأجنبية"، لافتاً إلى "أن هذا الإجراء يأتي بعد أن فشلت طهران في القضاء على نسب التضخم المرتفعة التي وصلت إلى 48%، مع موجة الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية إذ أصبحت أزمة التضخم أكبر من قدرة البلاد على حلها".
وبين "أن الأهداف الكامنة وراء حذف الأصفار تتضمن السعي نحو كسب المصداقية الدولية لجذب استثمارات خارجية، السيطرة على أسواق التجزئة وخفض الضغوط التضخمية السعي إلى زيادة المواطنين في النظام الحاكم وتعزيز الهوية الوطنية".
وعن فعالية تلك الخطوة، قال جاسم عجاقة، "تظل رهينة بتحقق العديد من العوامل أبرزها الاستقرار الاقتصادي والذي يتعرض لضربة كبيرة في إيران حالياً بسبب العقوبات، وخفض التضخم، والإنفاق الحكومي وحجم التعاطف من المواطنين في سياساتها، إلى جانب الاندماج في الاقتصاد العالمي وهو غير موجود لدي نظام طهران".
وأضاف "أن السلبيات من حذف الأصفار قد تصبح كارثية مثل تأثير التضخم الناتج عن تدوير الأسعار ما سيدخل المنظومة الاقتصادية كاملة في إيران في فوضى، التأثير النفسي للنقص في الأجور إلى جانب صعوبة تحديد الأسعار على المدى القصير حيث تصبح السوق ساحة للتجار والتحكم في الأسعار، أما الخطورة الأكبر أن قيمة ما تم حذفه من أصفار يعود مع الوقت"، مؤكداً "على نجاحها يتطلب خطة اقتصادية واضحة وإجراءات تقشفية للإنفاق العام ويكون هناك انتظام مالي يعود للتكرار أكثر من مرة بسبب فشل الإجراءات حتى الأسواق تتفاعل إيجابا مع حذف العملة".
الخبير الاقتصادي تحدث عن تكاليف باهظة سيتحملها البنك المركزي الإيراني والقطاع المصرفي، إذ سيتم إلغاء جميع أوراق النقد الموجودة في الأسواق وطباعة أوراق نقدية جديدة ما يجعلها تتحمل تكاليف طباعة إضافية، إلى جانب وجود تحدٍ على كل القطاعات في توفير الرواتب بالقيم الجديدة للموظفين.
وأوضح جاسم عجاقة، "أن القرار لا يزال بحاجة إلى إقرار البرلمان وموافقة الرئيس لبدء العمل به، حيث لا يزال ممهورا بمصادقة الحكومة الإيرانية".
وعالمياً قال عجاقة، "إن عملية حذف الأصفار تمت 71 مرة لعملات 19 دولة حول العالم، منها 10 بلدان قامت بها أكثر من مرة، أبرزها 6 مرات في البرازيل التي أزالت 18 صفراً من عملتها الوطنية، و5 مرات في يوغسلافيا و4 مرات الأرجنتين، و3 مرات في أوكرانيا وروسيا وبلجيكا وبولندا مرتين في بوليفيا ومرة في تركيا وكوريا وغانا حيث يقدم عدد من الدول على خطوة حذف أصفار من عملتها المحلية، في إطار خطة اقتصادية لمواجهة التضخم الكبير في العملة، ولمواجهة الانهيار المحتمل، كحل قد يكون من شأنه خفض التفاقم الاقتصادي".