ملخص
يقول ناشطون حقوقيون إن جهات مجهولة تخطف ناشطين في العمل التطوعي وآخرين بطريقة عشوائية
تعيش أسر سودانية عدة معاناة نفسية يصعب وصفها بسبب اختفاء أبنائها في ظروف غامضة منذ بدء الحرب في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل (نيسان) الماضي، إذ تعج مواقع التواصل الاجتماعي بعديد من الإعلانات والنداءات التي تحمل صور هؤلاء المفقودين في ظل توقف عمل الشرطة منذ تفجر القتال، مما عقد عملية البحث عبر الجهات الرسمية.
وعلى رغم عدم وجود أي تواصل أو توفر أدلة تؤكد وجود هؤلاء المفقودين لدى جهة محددة، وبعد أن بلغ عددهم 229 شخصاً منذ اندلاع الحرب بحسب جهات حقوقية، فإن ذويهم لم يفقدوا الأمل في الوصول إلى أبنائهم من خلال البحث بجميع الطرق والوسائل المتاحة، بخاصة أن معظمهم غادر منزله بحثاً عن الحاجات الضرورية من غذاء ودواء من دون عودة، فضلاً عن انقطاع سبل التواصل بينهم وذويهم عبر الهاتف.
خوف ويأس
تروي إخلاص أحمد التي فقدت ابنها البكر محمد في اليوم السادس من بداية الحرب أي اليوم السابق لعيد الفطر، وتقول "كان ابني يعمل حارساً لإحدى الشركات في منطقة الخرطوم، وظللنا نتحدث معه يومياً مرات عدة منذ اندلاع الحرب، وفي يوم الخميس 20 أبريل اتصل بنا مبكراً ليخطرنا بأنه في الطريق إلينا من دون أن نعرف وسيلة تنقله من الخرطوم إلى الخرطوم بحري (حي الحاج يوسف)، وكنا في غاية السعادة بحضوره حتى تكتمل فرحتنا بالعيد رغم الحزن الذي يعصر قلوبنا جراء هذه الحرب اللعينة وما أحدثته من دمار وأوجاع لكل السودانيين، فلم يسلم أحد وإلا تعرض للضرر بشكل أو بآخر". وأضافت "بعد مرور نحو ثلاث ساعات من تحركه حاولنا الاتصال به فوجدنا هاتفه مغلقاً، ووضعنا احتمال أن يكون فقد الشحن أو بسبب عطل في شبكات الهاتف التي بدأت تتأثر فعلاً، فضلاً عن توقف بعضها، لكن القلق بدأ يساورنا مع مرور الوقت حتى دخل الليل، ليصبح الأمر بالنسبة لنا غير عادي، فاتجهنا إلى مركز الشرطة في منطقتنا فلم نجد أحداً به، وعدنا إلى المنزل والخوف واليأس يحاصرنا، فلم أستطع النوم طوال تلك الليلة، وقمنا بالاتصال بزملائه في العمل، حيث أكدوا لنا بأنه تحرك بالفعل إلى المنزل منذ صباح أمس، ومنذ ذلك اليوم بدأنا في البحث عنه من خلال التواصل مع الصليب الأحمر ونشر صوره في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن نجد أي خيط يوصلنا إليه حتى هذه اللحظة".
بحث عن دواء
كذلك، قال معتز الجيلي وهو شقيق مفقود آخر يدعى عمر، "ذهب شقيقي البالغ من العمر 21 عاماً في 13 مايو لشراء أدوية لوالدي الذي يعاني مشكلات في القلب، وفي البداية لم نعر تأخره لأكثر من ساعتين انتباهاً، من منطلق أنه يبحث عن تلك الأدوية في عدد من الصيدليات بضاحية جبرة بالخرطوم، بخاصة أن معظمها مغلق بسبب الحرب، لكن عندما تأخر كثيراً اتصل إلينا بهاتفه لنجده مغلقاً، وهنا بدأ يساورنا الشك بأن الأمر غير طبيعي". وتابع "اتصل إلينا بأصدقائه في المنطقة وأكدوا لنا عدم وجوده معهم وأنهم لا يعرفون عنه شيئاً، واتجهنا إلى الإعلان عن فقده في مواقع التواصل الاجتماعي، وتوصلنا إلى قناعة بأنه إما اعتقل أو قتل في ظل حالة الانفلات التي تشهدها العاصمة، وما زلنا في انتظار أي خبر عنه، فوالداه في حالة يرثى لها من المعاناة النفسية، لكن أملهما كبير في العثور عليه".
229 مفقوداً
وبحسب تقرير صادر عن مبادرة "مفقود"، فإن "عدد المفقودين منذ بداية الحرب وحتى 20 مايو (أيار) الحالي، ارتفع إلى 229 مفقوداً من مدنيين وعسكريين وغير سودانيين، بينهم 11 أنثى، وقد يكون العدد أكثر أو أقل من ذلك نسبة لتوسع رقعة الاشتباك وتذبذب وسائل الاتصال وصعوبة التبليغ والحركة للبحث عن المفقودين".
وأشار التقرير إلى أنه "تم العثور على سبعة قتلى من المفقودين، بينما أطلق سراح 35 مفقوداً، بيد أن أعمار معظم هؤلاء تراوح بين 20 و35 سنة. ونالت مدينة الخرطوم النصيب الأكبر من المفقودين بعدد 194 مفقوداً، تليها أم درمان بـ37، ثم بحري بـ34 مفقوداً، فضلاً عن ستة مفقودين يتوزعون بين مدن مروي وشندي ومدني ووادي حلفا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت عضو مبادرة "مفقود" سارة حمدان لـ"اندبندنت عربية"، أن "قوات الدعم السريع هي من اعتقلت هؤلاء الشباب من الجنسين، من دون أن تكون هناك أي أسباب موضوعية، فهو مجرد اعتقال عشوائي واستهداف للمدنيين لبث الرعب في قلوبهم"، مبينة أن أعضاء المبادرة "يواجهون صعوبات جمة تمنعهم من الوصول إلى هؤلاء المفقودين لأنه ليس لديهم صلاحية دخول المعتقلات أو مقار الدعم السريع بخاصة أن البلاد تمر بحرب، كما لا توجد أي جهة يتواصلون معها في هذا الخصوص غير أسر المفقودين".
وحثت مبادرة "مفقود" على ضرورة "تسهيل الوصول إلى أماكن الجثث في الشوارع وأي مكان يتم الإبلاغ عنها، والالتزام بالهدن المعلنة وتوفير ممرات آمنة للعالقين حتى يلتئم شمل المفقودين مع أسرهم، فضلاً عن توثيق أماكن دفن مجهولي الهوية إن وجدت، وتوفير الحماية الكاملة والخدمات للمستشفيات والمشارح حتى يتثنى حصر المفقودين بها وضمان سلامة الأحياء وعدم تأثر الجثث".
اتهام بالموالاة لأحد أطراف الصراع
في السياق قال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف، الصادق علي حسن، "ليس لدينا إحصائيات بعدد المفقودين من جراء هذه الحرب، والراجح أن أعدادهم كبيرة، كما هناك قتلى وجثث متناثرة في الشوارع بخاصة وسط الخرطوم، لكن بحسب المعلومات المتداولة هناك عديد من الشباب الذين تم اعتقالهم بواسطة طرفي النزاع من بينهم أعضاء في لجان المقاومة والطوارئ الذين يقدمون المساعدة الإسعافية للمتأثرين بالأحداث من مصابين وجرحى، وذلك بسبب اتهامهم بموالاة هذا الطرف أو ذاك".
وواصل حسن "كذلك من بين المفقودين الشباب الذين يقومون بأعمال الرصد والتوثيق لعمليات الحرب، وسبق أيضاً أن تلقت الهيئة بلاغاً باحتجاز نساء إثيوبيات بضاحية أركويت بالخرطوم ضمن سودانيين آخرين، ولم ترد حتى الآن أي معلومات بالإفراج عنهن، وقد تكون الهدنة التي بدأت، الإثنين، لمدة سبعة أيام فرصة للبحث عن المفقودين والتحقق من أماكن احتجازهم، لكن بشكل عام من المؤكد وجود قتلى وأسرى ومعتقلين ومصابين، وآخرين محاصرين في منطقة وسط الخرطوم حيث لم يتمكنوا من الخروج".
وبين رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف أن "طرفي الحرب لا يثقان سواء في ذاتهما أو بالغير، لذلك تجري اعتقالات جزافية بمجرد الاشتباه وفق تقديرات مختلفة، فأنصار النظام السابق المحسوبين على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان يعتبرون عناصر قوى الحرية والتغيير أو المشتبه فيهم بأنهم حرية وتغيير أو من يرفضون الحرب، عناصر معادية، وفي المقابل نجد أن قوات الدعم السريع تستهدف عناصر النظام السابق، بالتالي لا توجد معايير واضحة، حيث شاعت ثقافة القبض الجزافي وتصفية الخصومات".
جهات مجهولة
كما أوضحت الناشطة الحقوقية، إيمان حسن عبدالرحيم "واضح أن هناك جهات مجهولة تلقي القبض على مجموعات الشباب الفاعلة والناشطة في العمل التطوعي وآخرين بطريقة عشوائية، وهو أمر مفهوم وطبيعي في ظل ظروف الحرب حيث يكون هناك استهداف باين من قبل طرفي الصراع، والمشكلة أنه لا أحد يستطيع أن يوجه أي نوع من الاتهام بخاصة أن الشرطة غائبة تماماً من المشهد".
وأردفت الناشطة الحقوقية "هذه القضية مقلقة جداً للأسر التي فقدت أبناءها ولا تدري أين مكان اختفائهم وهل هم أحياء أم مقتولون وما وضعهم الصحي؟ وللأسف فإن الجهد في هذه الحالة يكون عبر وسائل غير رسمية مثل مواقع التواصل ولجان متطوعة وناشطين وغيرهم، بالتالي تكون وسائل البحث ضعيفة جداً، بعكس الوضع عندما تعمل الشرطة التي تمتلك آليات وصلاحيات وخبرات في هذا المجال، إضافة إلى أن التحرك في ظروف القتال يكون خطراً ومحسوباً بالتالي تزداد صعوبة العملية".