ملخص
"الجيش يدفع الآن سبب خطأ استراتيجي كبير ارتكبته القيادة السياسية في حكومة البشير"
شغلت الحرب الدائرة في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاعها في 15 أبريل (نيسان)، السودانيين داخل البلاد وخارجها خوفاً من اتساع رقعتها. فالكل يأمل إيقافها سريعاً على رغم ما حصدته من أرواح (750 قتيلاً) وإصابات بلغت أكثر من أربعة آلاف، فضلاً عن تدمير البنى التحتية للعاصمة.
لكن ما الوسيلة الناجعة لإنهاء هذا الصراع في ضوء المعطيات الماثلة بعد فشل الطرفين في حسم المعركة عسكرياً لأكثر من شهر ونصف الشهر؟ سؤال يدور في خلد كل مواطن سوداني، فهل يمكن التعويل على الوساطة الدولية التي تقود المفاوضات بين الجانبين في مدينة جدة لوقف هذا القتال؟
عوامل الترجيح
أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية عبده مختار، قال "وفقاً لمعطيات الواقع ترجح المؤشرات كفة الجيش السوداني في كسب هذه المعركة، لكن سيأخذ ذلك وقتاً أكثر مما يتوقعه كثيرون من المراقبين وحتى العسكريين أنفسهم. ويبدو أن الجيش يدفع الآن سبب خطأ استراتيجي كبير ارتكبته القيادة السياسية في حكومة البشير".
وتابع مختار "فقدان الدعم السريع للقيادة وانقطاع الإمداد عن قواته (تسليحياً ولوجيستياً)، إضافة إلى دخول الطيران الحربي في المعركة، عوامل ترجح كفة الجيش في ميزان القوة على الأرض، لكن العامل الأساسي في تأخير حسمه المعركة هو تغلغل أفراد قوات الدعم السريع في الأحياء ووسط المواطنين مما يصعب عملية القتال عن طريق المواجهة، ويؤخر الحسم إلى وقت أطول. ومع مرور الوقت يزداد الأمر سوءاً على المواطنين الذين يدفعون ثمن حرب وهم ليسوا طرفاً فيها".
ولفت إلى أن "الهدنة على الأرض لم تتحقق، بالتالي لم يتم إنقاذ هؤلاء السكان المدنيين أو وصول المساعدات الإنسانية لهم (غذاء ودواء)، لا سيما أن معظم المواطنين لا يملكون أموالاً لشراء السلع التي تضاعفت أسعارها وزادت ندرة كثير منها، لذلك أصبح وضعهم كارثياً ومأسوياً".
تدخل أممي
وواصل أستاذ العلوم السياسية "مثلما فشلت المساعي الخارجية فشلت أيضاً المبادرات الداخلية، لأن الوساطة المحلية لا تستطيع الوصول إلى الأطراف المتحاربة للاجتماع بها لتحقيق اتفاق ينهي الحرب أو يحقق هدنة ناجحة على الأقل، لذلك من المتوقع أن يستمر النزاع طويلاً ربما أسابيع، وقد يكون السيناريو الأرجح (الإنهاك المتبادل)، وهذا يؤدي إلى مزيد من حالة الفوضى في الدولة وانعدام الأمن بصورة كاملة شاملة بخاصة في الخرطوم، وربما يقود هذا السيناريو إلى تدخل أممي بالفصل السابع، وهو سيناريو غير مرغوب فيه، ولكنه أقرب إلى الواقع".
وأردف "إذا تم ذلك، ستعود الكرة لملعب القوى السياسية لحسم عملية تشكيل الحكومة، مع الأخذ في الاعتبار أن خلافات واختلافات هذه القوى تمثل أحد عوامل الحرب القائمة بتأخرهم في تشكيل هذه الحكومة، لذلك من الأفضل الاتجاه لتكوين حكومة كفاءات مستقلة ليس فيها أحزاب ولا حركات مسلحة، لأن اتفاق جوبا نفسه قد ألغته هذه الحرب حيث لم تعد دارفور هي منطقة حرب كما كانت سابقاً. الآن شملت الحرب السودان كله مما يستدعي النظر في معادلة للحكم تحقق العدالة للجميع في توزيع التنمية والخدمات والفرص والإعداد للانتخابات تحت رقابة دولية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومضى مختار قائلاً "الحل النهائي في أن يتعظ السياسيون من هذه التجربة ويتفرغوا لإعادة بناء أحزابهم، وأن يتم تجريد الحركات من أي أسلحة وتكوين جيش قومي واحد وأن يكون مهنياً لا تحتكره جهة واحدة، وأن تتحول الحركات المسلحة إلى أحزاب سياسية تسجل نفسها وفق القانون وتخوض الانتخابات، عدا ذلك لن تقوم للدولة السودانية قائمة".
العصا الغليظة
من جهته يقول، المحلل السياسي السوداني الحاج حمد "في تقديري أن العامل الأساسي الذي يمكن أن يسهم في إيقاف هذه الحرب، هو استمرار الشارع السوداني في الابتعاد عن طرفي الصراع اللذين حدث لهما إرهاق شديد بسبب القتال، كما أن الجنود من الجانبين لديهم أسر تضررت من الحرب، فضلاً عن محدودية طاقتهم، لذلك فقدوا التركيز مع طول أمد الحرب، لكن واضح أن الجيش يتفوق تقنياً على قوات الدعم السريع باستخدام الطيران الحربي، وفي المقابل تفوق الأخير (الدعم السريع) بأعداد المشاة".
وأضاف حمد "الحرب هي عملية إنهاك، وكل طرف يعتقد أن لديه تأييداً دولياً يسمح له بتصفية الآخر أو إخضاعه تحت سيطرته التامة، ويلاحظ ذلك في ما يحدث من خرق لهدن وقف إطلاق النار الموقت التي تتم للمرة العاشرة من دون مراقبة، وهو أمر لم نسمع به في التاريخ، مما يشير إلى أن هناك تسامحاً عالياً جداً من النظام العالمي تجاه طرفي القتال، وهذا يؤكد أهميتهما لدى المجموعة الدولية المستفيدة تاريخياً من الشراكة معهما".
وبين أن "المشكلة الحقيقية أنه لم يكن هناك اعتبار كاف لمصالح الموطن، وهو الطرف الذي وقع عليه العبء الأكبر في هذه الحرب، حيث ينزف يومياً دماً وجوعاً ولوعة ورعباً من دون أن يلتفت إليه أحد، بل نهبوا ممتلكاته من منازل ومتاجر وسيارات في وضح النهار، فضلاً عن تعطيل أعماله التي هي مصدر عيشه الأساسي وكلها جرائم حروب".
وزاد المحلل السياسي "الوساطة الدولية تتحمل مسؤولية كبيرة جداً لأنها معنية بالسلام العالمي، في حين نجد أن الاتحاد الأفريقي اتخذ موقفاً قوياً، لكن لم يترجم فعلياً على الأرض".