ملخص
في ألمانيا رأت صحف أن مثل هذه الحادثة تعكس صعوبة المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا. صحيفة "دير شبيغل" وصفت الحادثة بأنها "غير دبلوماسية" وتساءلت عن قدرة القيادة السورية الجديدة على فهم البروتوكولات الدولية.
رفض أحمد الشرع، قائد الإدارة العسكرية الجديدة في سوريا، مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لا يعتبر مجرد حادثة بروتوكولية، بل يحمل أبعاداً أيديولوجية ودبلوماسية أوسع تتعلق بالنظرة إلى حكام سوريا الجدد. التصرف الذي اعتبره بعض السوريين تعبيراً عن السيادة السورية والحرية الشخصية، أثار تساؤلات في الأوساط الأوروبية والدولية حول مدى استعداد القيادة الجديدة للاندماج في النظام الدولي واحترام قواعد وأعراف الدبلوماسية العالمية.
في أوروبا خلصت تحليلات عدة إلى أن مثل هذه الحوادث قد تعكس عدم نضج سياسي أو افتقاراً إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع دول كبرى مثل ألمانيا، التي تعتبر شريكاً رئيساً في إعادة إعمار سوريا.
رضا الغرب "لن يُدرَك"
فيما ربطت تقارير أخرى الحادثة بماضي الشرع المتشدد، مما أثار شكوكاً حول قدرته على التخلص من إرثه السابق كقائد جهادي، إذ قد تكون تحفظاته على هذا الصعيد محاولة منه للحفاظ على دعم الطيف المتشدد داخل صفوف مقاتليه والثوار وسوريا بصورة عامة، الذين ينظرون بريبة إلى تحولاته بوصفها "تنازلات غير مبررة"، ولن تجلب له سوى المتاعب، أما رضا الغرب فهو "غاية لن تدرك".
الناشط الحقوقي السوري والمحامي فاضل عبدالغني، الذي التقى في دمشق الوزيرة الألمانية، عبر عن اختلافه مع موقف الشرع واعتبره خطأ دبلوماسياً أضر بصورة الدولة السورية.
في ألمانيا رأت صحف أن مثل هذه الحادثة تعكس صعوبة المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا. صحيفة "دير شبيغل" وصفت الحادثة بأنها "غير دبلوماسية" وتساءلت عن قدرة القيادة السورية الجديدة على فهم البروتوكولات الدولية، فيما رأت "فرانكفورتر ألجماينه" أن هذا التصرف قد يعكس انقسامات داخل القيادة السورية حول العلاقة مع الغرب.
مؤشر لما هو أبعد
أما أنالينا فعلقت على الموقف بأنه لم يكن مفاجئاً، إذ "كان من الواضح لي أنه لن تكون هناك مصافحة عادية هنا، فشركائي في الحوار أيضاً كان ذلك واضحاً لهم، إذ لم يمد وزير الخارجية الفرنسي أيضاً يديه".
ووضعت المصافحة في سياق سوري أبعد، إذ ربطته بقضية حقوق المرأة بوصفها "مؤشر إلى مدى حرية المجتمع"، فيما رد سوريون بأنها هي الأخرى لم تحترم بلباسها "الكاجوال" ثقافة مجتمع محافظ ومزاج مضيفها الذي رأت مسؤولة أميركية سبقتها إلى دمشق أنه يتسم بقدر عال من البراغماتية.
عبدالغني وصف لقاءه مع الوزيرة الألمانية على رغم ذلك بالإيجابي، مشيراً إلى أنه تناول مجموعة من القضايا الأساس التي تشغل الساحة السورية. وقال "تحدثنا عن موضوع المختفين قسرياً وأهمية إعطاء هذا الملف الأولوية في عمليات كشف المصير ودعم المسار الإنساني المرتبط به". كما تناول الاجتماع قضايا أخرى، منها رفع العقوبات عن سوريا وزيادة المساعدات الإنسانية. وأضاف "ناقشنا أيضاً الهجمات الإسرائيلية على سوريا، التي أعتبرها غير مبررة وتستوجب الإدانة، إضافة إلى موضوع المحاسبة على الانتهاكات التي تعد جزءاً أساساً من تحقيق العدالة".
هل أضرت بصورة سوريا الجديدة؟
وعن المصافحة، قال عبدالغني في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه غير متفق قطعياً مع ما قام به السيد أحمد الشرع، "المصافحة هنا ليست مجرد إجراء شخصي، بل هي جزء من البروتوكول الدبلوماسي المتعارف عليه عالمياً. عدم المصافحة يرسل رسالة سلبية ويضر بمصالح الدولة السورية على الساحة الدولية". وأضاف "السيد الشرع يمثل الدولة السورية، ونحن في حاجة إلى إظهار صورة أكثر تقبلاً وانفتاحاً، بخاصة أن هذه الحادثة غطت إعلامياً على قضايا أكثر أهمية".
عبدالغني سلط الضوء على الدور المهم الذي تلعبه ألمانيا في دعم سوريا على مر الأعوام الماضية، قائلاً "ألمانيا كانت من الدول الأساس التي قدمت دعماً إغاثياً واقتصادياً واجتماعياً، إضافة إلى دعمها الحقوقي في مسار المحاسبة. هي دولة محورية بالنسبة إلى سوريا، خصوصاً في مرحلة ما بعد النزاع".
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 قدمت ألمانيا مساعدات إنسانية واقتصادية كبيرة لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المتضررة من النزاع. بلغت قيمة المساعدات الألمانية أكثر من 10 مليارات دولار، شملت مشاريع إعادة الإعمار ودعم التعليم والرعاية الصحية وبرامج توفير فرص العمل في دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا. هذا الدعم أسهم في تخفيف معاناة ملايين السوريين وشكل عنصراً حيوياً في استقرار بعض المناطق المتضررة.
ألمانيا أيضاً استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين في أوروبا، حيث يعيش فيها أكثر من 800 ألف سوري. هؤلاء اللاجئون لعبوا دوراً محورياً في دعم عائلاتهم مالياً في مناطق اللجوء الأخرى في الشرق الأوسط، مما أسهم في استقرارهم اقتصادياً. إلى جانب ذلك، يتطلع عديد من هؤلاء اللاجئين إلى المساهمة في إعادة بناء سوريا بعد التحرير، من خلال نقل المعرفة والخبرات التي اكتسبوها في ألمانيا.
التفكير بمنطق الدولة
الناشط الحقوقي شدد على ضرورة التفكير بمنطق الدولة والتصرف وفق الأعراف والتقاليد الدبلوماسية الدولية. وختم بالقول "بناء علاقات قوية مع الدول الكبرى مثل ألمانيا أمر بالغ الأهمية، لتعزيز موقع سوريا على الساحة الدولية ودعم مساراتها المستقبلية. نحن في حاجة إلى تجاوز هذه الأخطاء وإظهار التزامنا التعاون الدولي".
ومع أن "المصافحة" هنالك أطراف وجدتها تصدق توقعاتهم من الحكم الجديد في دمشق، ويرون أنها يجب ألا تمضي بسلام، فإنها بالنسبة إلى التيار المحافظ وشرائح من المتشدد، خطوة تلامس الحد الأدنى من مطالبهم بقيام حكم إسلامي في دمشق، يكافئ تضحيات الثوار، الذين كثيراً ما وصفهم الشرع بـ"المجاهدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الكاتب السعودي الكبير عبدالرحمن الراشد، حذر في مناسبة أخرى الإدارة الجديدة من العزلة وأخطار الإزالة، إن هي أثارت فزع المجتمع الدولي ببعض المواقف، على نحو من "طالبان" الأفغانية.
نموذج تركيا أم "طالبان"؟
وقال في منشور له على منصة "إكس"، إنه لا أحد ينكر حق السوريين في فعل ما يرونه مناسباً "لكن في الشريعة نفسها مدارس فقهية متنوعة وفيها استنباط للأحكام التي تناسب كل زمان ومكان"، متسائلاً بحكم التشابه التاريخي والتنوع الإثني والطائفي بين سوريا وتركيا عما يمنع النظام السوري الجديد، المدعوم من أنقرة، من "استنساخ التفسير التركي للإسلام وتطبيقات الحكومة الإسلامية التركية التي يحكم بها منذ 23 عاماً".
ولفت إلى أن "التنظيم في إدلب غير الدولة في دمشق، يستطيع أن يكون ’طالبان‘ وهنا سيواجه النتيجة نفسها، ثمن ما يدفعه نظام ’طالبان‘ المقاطع دولياً والمهدد بالعقوبات والإزالة".
عقب زوبعة المصافحة لاحظت صحف أجنبية أيضاً أن صور الوزيرة ومترجمة حضرت اللقاء جرى التأثير في معالمها تقنياً، في وسائل الإعلام السورية الرسمية، مما يكشف جانباً من نظرة الإدارة الجديدة للمرأة، على رغم أنها أظهرت في بداية المطاف مرونة لافتة بالدعوة إلى الكف عن التدخل في لباس النساء بعد فرض الفصائل سيطرتها على دمشق، وأذنت في وقت لاحق للحانات التي تبيع المشروبات الكحولية بفتح أبوابها أمام روادها مثل المعتاد في عهد النظام السابق.
إلا أن تلك المواقف واجهت انتقادات شديدة من التيار الجهادي والمتشدد على وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها "تنازلاً" عن المبادئ، عكس القطاع الأوسع من السوريين والعرب الذين استقبلوها بترحيب واسع، بوصفها تعبيراً عن عقلانية وبراغماتية، تحتاج إليها الإدارة الجديدة للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة.
وسئل الشرع في مقابلات عدة عن شكل النظام الذي سيحكم به البلاد، هل هو إسلامي أم مدني، فرد بأن ذلك مرهون بما سيتفق عليه الخبراء السوريون عند كتابة الدستور. لكن هل يعني ذلك بالفعل أم أنها مرونة يتطلبها التوقيت؟
في كلتا الحالتين لا بد من أن حاكم دمشق الجديد بات منذ الأسبوع الأول وصورة "السيلفي المحجب" مع فتاة من بلاده بين ناري المحافظين والقوى المدنية في الداخل والخارج، عامل الوقت وحده الكفيل يحسم إلى أيهما سينحاز. هذا على رغم أنه أكد أن "سوريا الثورة طويت صفحتها وبدأت سوريا الدولة".