ملخص
تتطلب عملية انتخاب رئيس لبنان غالبية الثلثين (86 نائباً) من أصوات نواب البرلمان البالغ عددهم 128، في الدورة الأولى، في حين يكفي الحصول على الغالبية المطلقة (65 نائباً) بالجولات التالية، ورغم الرهان على حسم الجلسة المنتظرة، فلا يزال المشهد ملبداً بضبابية التوافقات مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تعوق إنهاء الشغور الرئاسي.
قبل 72 ساعة من موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، يسود الترقب المشهد السياسي في لبنان ويستمر الغموض في مواقف معظم الكتل السياسية والحزبية، تزامناً مع تزايد وتيرة اللقاءات والاتصالات الدبلوماسية محلياً ودولياً في محاولة لدفع عجلة التوافق بين الأطراف كافة، عشية موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد فراغ دستوري استمر 26 شهراً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون.
وكان تحديد موعد الجلسة أتى بعد أقل من 24 ساعة على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف إطلاق النار مع "حزب الله" في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إذ يرى مراقبون أن دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للهيئة الناخبة في البرلمان جاءت في سياق "صفقة سياسية متكاملة" قد تحدد هوية ومستقبل لبنان داخلياً وإقليمياً لمرحلة ما بعد الحرب.
ومنذ نهاية ولاية الرئيس عون، أصر الحزب على ترشيح زعيم تيار المردة والوزير السابق سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، غير أن هذه المحاولات قوبلت برفض واضح من قوى المعارضة التي استطاعت فرض معادلة التوازن السلبي على مدى 14 جلسة نيابية، انتهت جميعها بعدم قدرة المعارضة على إيصال مرشحها وبخروج نواب "الثنائي الشيعي" من الجلسات لإفقادها النصاب، في مرحلة كان "حزب الله" يعد نفسه أنه بات ممسكاً بزمام الأمور في البلاد.
أبرز الأسماء
تتطلب عملية انتخاب رئيس لبنان غالبية الثلثين (86 نائباً) من أصوات نواب البرلمان البالغ عددهم 128، في الدورة الأولى، في حين يكفي الحصول على الغالبية المطلقة (65 نائباً) بالجولات التالية، وعلى رغم الرهان على حسم الجلسة المنتظرة، فلا يزال المشهد ملبداً بضبابية التوافقات مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تعوق إنهاء الشغور الرئاسي.
وخلال عامين من الفراغ الرئاسي، تم تداول عدد من الأسماء سواء خلال الجلسات الـ14 التي عقدت لانتخاب الرئيس، أو من خلال نقاشات ومفاوضات بين القوى السياسية، أو حتى عبر ترشح مباشر وعلني، ومن أبرز تلك الأسماء:
1- قائد الجيش العماد جوزيف عون، يطرح اسمه بقوة من قبل جهات دولية وإقليمية على أنه شخصية توافقية يعول عليها لضبط الأمن وملاقاة مطالب المجتمع الدولي في تكريس سيادة الدولة وإجراء الإصلاحات، إلا أن العائق بانتخابه هو تعديل دستوري بأكثر من ثلثي (86 نائباً) أعضاء مجلس النواب، باعتبار أنه لا يزال في منصبه حتى اللحظة.
لكن في الوقت عينه يقول حقوقيون ومن بينهم الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، إنه لا حاجة لإجراء هذا التعديل الدستوري في الظروف الراهنة ولأسباب عدة منها أن الانتخابات الرئاسية، قد طاولت أكثر من سنتين مما يعني انتفاء الحاجة لتعديل المادة 49 من الدستور لتمكين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها ومنهم قائد الجيش من الاستقالة بسبب سقوط المهلة بالدرجة الأولى.
2- مدير الأمن العام اللواء إلياس البيسري، وهو من الأسماء البارزة المطروحة كمرشح توافقي، ويحظى بدعم بعض أطراف اللجنة الخماسية كما الوزير السابق جبران باسيل، وعزز حضوره من خلال إجراءات ضبط المنافذ الحدودية لا سيما البرية منها مع سوريا عقب سقوط النظام.
3- الوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت على اسمه قوى المعارضة مع التيار الوطني الحر في الجلسات السابقة، وحصل على تصويت 59 نائباً في آخر جلسة بوجه مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية الذي نال حينها 51 صوتاً، ولا يزال اسمه مطروحاً بين المرشحين التوافقيين.
4- النائب إبراهيم كنعان، انتخب نائباً منذ عام 2005 ضمن لوائح "التيار الوطني الحر"، شارك في صياغة "اتفاق معراب" الذي أوصل العماد ميشال عون إلى الرئاسة عام 2016، يترأس لجنة المال والموازنة منذ 2009، استقال من "التيار" عام 2024، ويعد حالياً من أبرز الأسماء المطروحة للرئاسة، وهو ضمن سلة الأسماء التي طرحها البطريرك الماروني بشارة الراعي، ويعد من الأسماء المقبولة من المعارضة وقوى أخرى.
5- الوزير السابق زياد بارود، من الأسماء المتداولة على أنه يمثل المجتمع المدني، اسمه مطروح بوصفه "خياراً توافقياً"، وصوت له رمزياً عدد من النواب في المجلس النيابي خلال الجلسات السابقة، مما وضع اسمه ضمن خريطة السباق الرئاسي على رغم أنه لم يعلن الترشح علنياً وكذلك لم يحظَ بتأييد علني من الكتل النيابية في المجلس.
كذلك برزت أسماء عديدة في إطار التداول منهم أو الترشح العلني، ومنهم النائب نعمت فرام، والنائب فريد الخازن، والمصرفي سمير عساف، والسياسي ألفريد رياشي، والرئيس الفخري لخريجي جامعة هارفرد في لبنان حبيب الزغبي، والعميد المتقاعد جورج خوري، والمستشار المالي الدولي اللبناني – الأميركي جورج فارس، وغيرهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبادل الأدوار
على رغم اقتراب موعد الجلسة التي ينتظرها الداخل كما الخارج، لكن لم تحسم الأطراف السياسية خياراتها في شأن هوية الرئيس المقبل بعد، إذ لم يتخذ الثنائي الشيعي (حركة "أمل" و"حزب الله") موقفاً واضحاً، لا بسحب ترشيح فرنجية ولا بطرح اسم جديد، فيما يظهر بالنسبة للبعض أن الثنائي عاد إلى منهجية "توزيع الأدوار"، إذ يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري الحراك الدبلوماسي والسياسي، في حين يحكم "حزب الله" القبضة على الأرض عبر التلويح بـ"فرض وقائع عسكرية"، ولعل تحذيرات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم حول تطبيق القرار 1701 وحصره بجنوب الليطاني، مع التشديد على استمرار "المقاومة واستعدادها"، تندرج في إطار رفضه القاطع لأي تقييد لسلاح الحزب أو تحركاته على كامل الأراضي اللبنانية.
رئيس انتصار
في المقابل تبدو "القوات اللبنانية" غير متحمسة لانتخاب رئيس "تسوية"، إذ ترى أن هزيمة المحور الإيراني في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، والمواجهة العسكرية مع إسرائيل، يجب أن يترجم سياسياً بوصول رئيس يمثل صراحة هذا الواقع لحسم خروج لبنان من تموضعه السابق في المحور الإيراني.
لذلك لا تخفي القوات رغبة في تأجيل الجلسة الاستحقاق الرئاسي، على أمل أن تحمل الأيام المقبلة معطيات جديدة، أبرزها بدء ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وما قد يواكبها من تغيرات في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، وانتهاء مهلة الـ60 يوماً لانسحاب إسرائيل من لبنان.
من ناحيته يسعى "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل منع وصول قائد الجيش إلى الرئاسة، مخافة أن تستقطب شخصية جوزيف عون القاعدة الشعبية للتيار التي تضمر ولاء تقليدياً للمؤسسة العسكرية، في حين يتقاطع باسيل مع بري على محاولة تمرير مرشح، يحفظ دورهما في المؤسسات الرسمية والإدارات العامة في ظل العهد الجديد.
سمير جعجع بين التأييد والرفض
في المشهد السياسي اللبناني المتشابك، يبرز اسم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في طليعة الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، على رغم كل التحديات السياسية والطائفية، معززاً بحضوره البرلماني والشعبي والتمثيل المسيحي، في مقابل رفض "حاد" له من قبل مجموعة من اللبنانيين.
ترشيحه، الذي لم يعلنه بنفسه إنما خرج عبر سياسيين ونواب وإعلاميين إلى العلن، يعد تحدياً للقوات والخصوم، فجعجع يمثل اليوم التوجه المسيحي في لبنان كما أن كتلة حزبه هي الأكبر في البرلمان اللبناني مع 18 نائباً، مما يعزز بالنسبة لكثيرين شرعيته مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، استناداً إلى القواعد التي حكمت النظام اللبناني في الأعوام الماضية. لكن القوات ومع حلفائها غير قادرة على إيصاله إلى قصر بعبدا وسط التركيبة النيابية الحالية التي "تصعب" مهمة حصوله على 65 صوتاً.
في المقابل تتعامل معظم الأوساط السياسية اليوم مع جعجع كمرشح فعلي، لكن هذا الترشيح يواجه عوائق متعددة، أبرزها موقف "حزب الله" الذي أعلن على لسان القيادي في صفوفه وفيق صفا أن لديهم "فيتو" على وصول جعجع للرئاسة، في ما يبقى موقف الكتل النيابية الأخرى ضبابياً من التصويت له، فيما يقول مؤيدوه إن انتخابه قد يعيد تشكيل التحالفات الداخلية والخارجية في هذه المرحلة المفصلية.
بين النصيحة والضغط
وسط هذا المشهد المعقد، أجرى الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان جولات مكثفة على المسؤولين اللبنانيين، وكذلك جولة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي وصل اليوم الاثنين إلى لبنان في مهمة مزدوجة عنوانها تثبيت وقف إطلاق النار والعمل على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وتفيد المعلومات أن هوكشتاين يتحرك بموجب "تفويض ديمقراطي–جمهوري" من واشنطن عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، مما يؤهله لإيصال رسالة حازمة إلى الفرقاء المحليين بأن المناورات أو تأخير انتخاب رئيس لن يخدم أي فريق، وأن التوجه الإقليمي والدولي نحو انتخاب العماد جوزيف عون مرشحاً توافقياً، تفادياً لانهيارات أكبر قد تطاول المؤسسات العسكرية والمالية في لبنان.
تاريخ رئاسي حافل بالتحولات
منذ نيل لبنان استقلاله عن فرنسا عام 1943، تطور الاستحقاق الرئاسي على نحو يعكس تغيرات الداخل وتقلبات المحيط الإقليمي. فقد افتتحت حقبة الاستقلال بانتخاب بشارة الخوري (1943-1952) رئيساً أول للجمهورية، إذ شهد عهده تأسيس الجيش اللبناني وإقرار "الميثاق الوطني" مع رئيس الحكومة رياض الصلح. تلاه كميل شمعون (1952-1958)، الذي عرف بـ"رئيس الثورة البيضاء"، وواجه تحركات كبيرة على الأرض في أواخر ولايته، لتأتي بعدها حقبة فؤاد شهاب (1958-1964)، قائد الجيش الذي أسس لمرحلة عرفت بالعهد الشهابي، واشتهر بشعار "لا غالب ولا مغلوب".
واصل شارل الحلو (1964-1970) نهج شهاب وسط أزمات مالية وأحداث إقليمية بارزة، وصولاً إلى سليمان فرنجية (1970-1976) الذي وصل بفارق صوت واحد في البرلمان، وتزامن عهده مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. ثم جاء إلياس سركيس (1976-1982) الذي حاول إخماد نيران الحرب، فإن اجتياح إسرائيل لبيروت عمق الانقسام. وشهدت البلاد انتخاب بشير الجميل (1982) رئيساً لم يتسلم الحكم بسبب اغتياله، فخلفه شقيقه أمين الجميل (1982-1988) وسط مفاوضات غير ناجحة مع إسرائيل وانقسام حكومي حاد.
بعد اتفاق الطائف وانتهاء الحرب الأهلية عام 1990، بدأ عهد إلياس الهراوي (1989-1998) الذي واجه حربين إسرائيليتين، وأقر في عهده حل الميليشيات. أعقبه إميل لحود (1998-2007)، الذي اصطدم مع الرئيس رفيق الحريري وشهد انسحاب الجيش السوري عام 2005. وانتخب إثره ميشال سليمان (2008-2014) عقب تسوية الدوحة، وهو ثالث قائد جيش يصل إلى الرئاسة بعد الاستقلال، في فترة تخللها انخراط الحزب في الحرب السورية.
أما ميشال عون (2016-2022) فأنهى وصوله أطول شغور رئاسي شهده لبنان، لكن عهده تزامن مع انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، وخروجه من قصر بعبدا ترك البلاد في حال فراغ رئاسي متجدد، وسط تعطيل سياسي يحول دون انتخاب رئيس جديد حتى اليوم.