ملخص
يضخ تحالف "أوبك+" نحو 40 في المئة من الإنتاج العالمي ما يعني أن قراراته المتعلقة بسياسة الإنتاج لها تأثير كبير على أسعار النفط
في أجواء غلب عليها الهدوء على رغم حالة الترقب الشديد من الأسواق النفطية، عقد وزراء النفط في الدول الأعضاء لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" اجتماعاً قصيراً في مقر الأمانة العامة للمنظمة في العاصمة النمسوية فيينا، لكن الوزراء غادروا المبنى بعد الاجتماع ولم يرد معظمهم على أسئلة الصحافيين، ولم يعلقوا على احتمال صدور قرارات تتعلق بسياسة الإنتاج.
ومع خروج وزراء "أوبك" على رأسهم وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان "مطمئنين يداً بيد"، يعطي إشارة قوية إلى أن هناك حالة من التوافق والتفاهم بين أعضاء المنظمة.
وفي السياق ذاته كشف مصدر لـوكالة "رويترز" عن انتهاء اجتماع "أوبك" من دون مناقشة أي موضوعات مرتبطة بالسوق.
ومن المنتظر أن يعقد اجتماع "أوبك+" بالحضور الشخصي، غداً الأحد، في الثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي للعاصمة النمسوية فيينا (12:00 بتوقيت غرينتش) لمناقشة التطورات الجديدة في السوق النفطية واتخاذ القرار حول سياسة الإنتاج الحالية.
يأتي ذلك وسط تضارب التوقعات في شأن ما يتجه إليه تحالف "أوبك+"، والذي قد يبحث خيارات محتملة، من بينها تخفيض إضافي لإنتاج النفط غير أن غالبية المحللين يشيرون إلى الإبقاء على المستوى الحالي من التخفيض، من دون تغيير على مستوى الإنتاج، وذلك للحفاظ على استقرار الأسواق.
تخفيضات جديدة
ويبدو أن الانطباع العام هنا في فيينا أنه ليس هناك اتفاق عام أو توجه يتحدث فيه الجميع عن خطوة بعينها حتى مساء اليوم، مما يعطي مؤشرات مختلفة أمام تحالف "أوبك+" الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء في مقدمتهم روسيا ويفتح الباب أمام عدة احتمالات، من بينها تخفيضات جديدة للإنتاج قد تصل إلى مليون برميل يومياً، إذ تواجه "أوبك" تراجعاً في أسعار النفط مع تخمة في المعروض تلوح في الأفق.
يضاف ذلك إلى تخفيضات حالية تبلغ مليوني برميل يومياً وأخرى طوعية تبلغ 1.6 مليون برميل يومياً تم الإعلان عنها في خطوة مفاجئة في أبريل (نيسان) الماضي ودخلت حيز التنفيذ في مايو (أيار) الماضي، وإذا تم الاتفاق على هذا فسيرتفع إجمالي تخفيضات الإنتاج إلى 4.66 مليون برميل يومياً، أو نحو 4.5 في المئة من الطلب العالمي.
حديث سابق لأوانه
وكذلك، تحدث بعض الوزراء إلى الصحافيين في الفنادق التي يقيمون بها في فيينا، إذ أكد وزير النفط العراقي حيان عبدالغني للصحافيين، أنه من السابق لأوانه الحديث عن تخفيض "أوبك+" لإمدادات النفط بنحو مليون برميل يومياً قبل غد الأحد وإنه لم يتم التطرق بعد إلى هذه الأمور، مؤكداً أن "التحالف لن يتردد في اتخاذ أي قرار يحقق مزيداً من التوازن في السوق العالمية".
وفي الإطار ذاته، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، إن "هناك تطلعاً إلى قرار يضمن توازناً مستداماً للعرض والطلب".
وتابع المزروعي أن "التحالف صلب. سنأخذ دائماً القرار الصحيح لتحقيق التوازن في الأسواق، كما سنبين جاهزيتنا لمواجهة أي تحديات قد تأتي في المستقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته قال نائب وزير النفط الإيراني أمير حسين زماني نيا، إن دول منظمة "أوبك" لم تناقش في اجتماع اليوم في فيينا إمكانية تخفيض إنتاج النفط من قبل أعضاء "أوبك+"، مضيفاً أن "هذا الموضوع مطروح على جدول أعمال الاجتماع العام للتحالف غداً.
وقبل ساعات من بدء الاجتماع، برز من الكرملين تأكيد للتنسيق بين الرياض وموسكو بخصوص سياسات الإنتاج النفطي، في إطار تحالف "أوبك+"، إذ أشار المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قبل يومين رداً على سؤال عن العلاقات مع السعودية قال إنها "بناءة وقائمة على التفاهم المتبادل والاحترام المتبادل والثقة المتبادلة وعملية للغاية".
وفي وقت سابق حذر وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، البائعين على المكشوف الذين يراهنون على انخفاض أسعار النفط، وهو ما فسره عديد من مراقبي السوق على أنه تحذير من تخفيضات إضافية للإمدادات، لكن ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي قال في وقت لاحق إنه لا يتوقع أي خطوات جديدة من "أوبك+" في فيينا، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام روسية، قبل أن يعود ليوضح أن التصريحات التي نقلت عنه كانت "مجتزأة"، وأن موسكو ستعمل مع بقية أعضاء التحالف، على تحديد الأفضل للسوق مع الالتزام بجميع القرارات السابقة.
ومن المتوقع أن يحضر نوفاك، المدرج على قائمة العقوبات الأميركية، الاجتماعات في فيينا غداً الأحد.
كانت موسكو قد تعهدت تخفيض الإنتاج رداً على العقوبات الدولية بسبب هجومها على أوكرانيا، لكنها لم تظهر سوى قليل من الدلائل، حتى الآن، على المضي قدماً في هذا المسعى.
وقررت روسيا تخفيض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً، قبل أن تنضم إلى لكبار منتجي "أوبك+" في قائمة التخفيض الطوعي لاحقاً، لكن وكالة الطاقة الدولية قالت في تقرير إن موسكو قامت بتخفيض إنتاج النفط في أبريل الماضي بنحو 200 ألف برميل يومياً فقط، وستحتاج إلى تخفيض الإنتاج بواقع 300 ألف برميل يومياً كي تفي بالتزاماتها ضمن تحالف "أوبك+".
تخفيض مفاجئ
وكان التحالف قد فاجأ الأسواق في مطلع أبريل الماضي بإعلان تخفيضات طوعية بنحو 1.2 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو الماضي تستمر حتى نهاية العام.
وكان قرار التخفيض الطوعي الأخير والمفاجئ، الذي اتخذته بعض دول التحالف، تسبب في رفع سعر برميل النفط بنحو تسعة دولارات ليبلغ 87 دولاراً، لكن مكاسب الأسعار الناتجة من التخفيض تلاشت ويتم تداول النفط الخام حالياً دون مستويات ما قبل التخفيض حول مستوى 75 دولاراً بسبب مخاوف الركود العالمي وتراجع الطلب.
وجاء هذا بعد الاتفاق في الاجتماع الوزاري الـ33 الذي عقد في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على تخفيض قدره مليونا برميل يومياً من مستويات الإنتاج المستهدفة مقارنة بمستوى أساس للإنتاج في أغسطس (آب) 2022، وبذلك، ارتفع إجمالي تخفيضات الإنتاج إلى 3.66 مليون برميل يومياً، أو نحو أربعة في المئة من الاستهلاك العالمي.
ويضخ تحالف "أوبك+" نحو 40 في المئة من الإنتاج العالمي، ما يعني أن قراراته المتعلقة بسياسة الإنتاج لها تأثير كبير على أسعار النفط. وعادة ما تسري تخفيضات الإنتاج في الشهر التالي للذي شهد الاتفاق عليها، لكن يمكن للوزراء أيضاً تحديد موعد أبعد للتنفيذ.
واتهمت دول غربية "أوبك" بالتلاعب بأسعار النفط وتقويض الاقتصاد العالمي من خلال رفع كلفة الطاقة، كما اتهم الغرب "أوبك" بالانحياز الشديد لروسيا على رغم العقوبات الغربية المرتبطة بغزو موسكو لأوكرانيا.
ورداً على ذلك، قال مسؤولون في "أوبك" إن زيادة الغرب للمعروض النقدي على مدى العقد الماضي فاقمت التضخم وأجبرت الدول المنتجة للنفط على اتخاذ تدابير للحفاظ على قيمة السلعة الرئيسة بين صادراتها.
خيارات محتملة
وتعليقاً على القرارات المرتقبة غداً عن اجتماع "أوبك+"، قال المحلل في شؤون الطاقة، يوسف الشمري، إن "التحالف أمام خيارات محتملة من بينها إمكانية إعلان تخفيض إضافي بنحو 500 ألف برميل يومياً أو مليون برميل في اليوم"، مستدركاً "لكن تبقى الصعوبات أن يكون الاتفاق موحداً بين الأعضاء"، لافتاً إلى أنه "يجب ألا تتحمل السعودية بمفردها جميع الأعباء، ويجب المشاركة من جانب كبار المنتجين في ذلك أيضاً".
أضاف الشمري لـ "اندبندنت عربية" أنه إذا "تم الاتفاق بين أعضاء منظمة "أوبك" ستكون المسألة أسهل، ويتبقى الجانب الروسي ضمن التحالف"، موضحاً أن "موسكو حالياً لا تعلن عن أرقامها، وإذا التزمت روسيا بالتخفيضات خلال الأشهر المقبلة فهذا هو السيناريو الأفضل".
وأشار الشمري إلى أن "السيناريو الآخر الأكثر ترجيحاً هو الإبقاء على سياسة الإنتاج دون تغيير، ولن يتسبب في نزول حاد بالأسعار"، لافتاً إلى أن "إقرار الكونغرس الأميركي اتفاق سقف الدين دعمت أسواق النفط وأغلقت عند 76 دولاراً بنهاية الأسبوع الماضي".
وأوضح المحلل في شؤون الطاقة أن اجتماع "أوبك+" الحالي سيلعب دوراً كبيراً في استقرار الأسعار خلال شهري يوليو وأغسطس، وقد تصل الأسعار إلى 85 دولاراً للبرميل"، لافتاً إلى أن "وجود المضاربين يؤثر في السيولة، لكن الجانب السلبي عندما تكون الأسواق غير متحكم بها، وتلعب بها المضاربات، ويحدث فيها انخفاضاً حاداً في الأسعار، بينما العوامل الأساسية تدعم استقرار الأسواق".
وأكد الشمري أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة من البنوك المركزية حول العالم والتضخم واحتمالية وجود ركود اقتصادي لاحظنا كيفية انعكاسها على أسعار الخام، خصوصاً بعد أزمة القطاع المصرفي بالولايات المتحدة كان ذلك بسبب المضاربين، وكانت المفاجأة عندما أعلن "أوبك+" التخفيضات الطوعية التي شكلت مفاجئة للمستثمرين.
اجتماع حاسم
من جهتها، أوضحت نائبة رئيس مكتب مؤسسة "إنرغي إنتليغنس" المتخصصة بالطاقة آمنة بكر أن اجتماع وزراء "أوبك+" غداً سيكون حاسماً، وقد يكون هناك تخفيض آخر للإنتاج "على الطاولة"، وإذا حدث ذلك التخفيض عادة يتم من الدول الأكبر في الإنتاج، السعودية والإمارات والكويت والعراق هم من يستطيعون تقديم التخفيض، فهل هم مستعدون لذلك، إذ إن الصورة لا تزال غير واضحة، لافتة إلى أن "الأسعار حالياً 75 دولاراً فهي في مستوى مقبول".
أضافت لـ "اندبندنت عربية" أن تخفيض الإنتاج الذي حدث في الاجتماع الماضي في أبريل الماضي كان للحد من المضاربين، والتأكيد أن "أوبك+" هو المسيطر على السوق، متسائلة "فهل سيقوم التحالف بإعطاء درس جديد للمضاربين خلال هذا الاجتماع؟".
خسائر أسبوعية
قبل الاجتماع المرتقب لتحالف "أوبك+" ارتفعت أسعار النفط الخام، أمس الجمعة، آخر تداولات الأسبوع، بأكثر من اثنين في المئة، بدعم من إقرار الكونغرس الأميركي اتفاق سقف الدين الذي يجنب الحكومة في أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم التخلف عن سداد ديونها، فضلاً عن نشر بيانات الوظائف التي عززت الآمال في توقف محتمل لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
إلى ذلك، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.85 دولار أو 2.5 في المئة إلى 76.13 دولار للبرميل عند التسوية، فيما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.64 دولار أو 2.3 في المئة إلى 71.74 دولار عند التسوية، وعلى رغم ذلك تكبدت أسعار الخام خسائر أسبوعية بأكثر من واحد في المئة في أول خسارة أسبوعية في ثلاثة أسابيع، على رغم المكاسب الكبيرة التي سجلتها في آخر جلستين، والتي تجاوزت خمسة في المئة مع استمرار المخاوف في شأن تأرجح الطلب في السوق.
وعلى مدار الأسبوع سجل خام برنت خسائر بنحو 1.1 في المئة، في حين هبط الخام الأميركي 1.3 في المئة.
ومنذ بداية العام الحالي، هبطت أسعار الخام بأكثر من 13 في المئة وسط تباطؤ تعافي الاقتصاد الصيني من سياسة صفر "كوفيد" من ناحية، ومخاوف تتعلق بتقشف عنيف في السياسة النقدية في الولايات المتحدة من ناحية أخرى، كما تأثرت الأسعار جزئياً باستمرار صادرات النفط الخام من روسيا.