ملخص
ستهطل أمطار "الشتاء النووي" التي سيتسبب بها الغبار والدخان الناتجان من الانفجارات النووية، مما يؤدي إلى تبريد المناخ بشكل كبير وتقليل الإشعاع الشمسي المباشر، فينتقل كوكب الأرض إلى عصر جليدي جديد، تلك سيناريوهات الحرب الباردة.
انقراض الجنس البشري نتيجة حرب نووية شاملة من الكوارث المحتملة، ربما قبل كوارث التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وقبل احتمال ارتطام نيزك ضخم بكوكبنا، أو الانقراض بسبب جوائح الطبيعة التي لا قدرة للإنسان على ردها، التي في كثير من الأحيان كادت تنهي وجود النوع البشري على الأرض، لولا تمكن مجموعات قليلة من البشر من الصمود والبدء من جديد.
الحرب النووية الشاملة هي الاحتمال الأقرب إلى التسبب بانقراض الإنسان وبالطبع غيره من الكائنات الحية، فالسباق على التسلح ما زال قائماً على رغم الاتفاقات الدولية، ويخضع استخدام هذه الأسلحة الفتاكة إلى إرادة أشخاص يمكن لمشاعرهم الخاصة أن تدفعهم نحو ارتكاب أخطاء لا يمكن الرجوع عنها كإشعال حرب نووية، كما يمكن لهذه الأسلحة أن تقع في أيدي مجموعة غير منظمة أو جماعة سرية تعتمد العنف.
يرفع من احتمالات وقوع حرب نووية كونية وجود هذا السلاح في دول متجاورة تتبادل العداء في ما بينها مثل الهند وباكستان والكوريتين الشمالية والجنوبية، يضاف إليها الدول التي حاولت والتي لا تزال تحاول الحصول على السلاح النووي، وعلى رأسها الجمهورية الإيرانية على رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام والشعب الإيرانيين منذ عقود بسبب البرنامج النووي.
أفق الدمار الشامل
لو تخيلنا سيناريو حرب نووية شاملة في أنحاء كوكب الأرض بين فريقين متعاديين، فهل يمكننا توقع النتائج المتعلقة بالحياة على كوكب الأرض وإمكان انقراض الجنس البشري.
أولاً يمكننا توقع دمار هائل وشامل في المناطق التي تتعرض للقنابل النووية، وستقع خسائر فادحة في الأرواح، كما سيكون من الصعب السيطرة على نوبات وموجات الحرائق المتتالية التي ستنتقل من مكان إلى آخر من دون حواجز، إلى جانب التلوث الإشعاعي الذي سيؤدي إلى موت الكائنات الحية وإلى تلوث البيئة بشدة، ولو أخذنا نتائج التلوث الإشعاعي الذي تسببت به قنبلتا هيروشيما وناكازاغي كمقياس لما قد يحدث بعد الحرب القادمة، فإن الناجين اليابانيين من هاتين القنبلتين النوويتين عانوا مرضاً إشعاعياً حاداً، وكانت أعراض إصابتهم هي الإسهال الدموي وتساقط الشعر والحمى والعطش الشديد، وقد مات كثير منهم في وقت قصير لاحق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد حرب نووية واسعة ستهطل أمطار "الشتاء النووي" التي سيتسبب بها الغبار والدخان الناتجان من الانفجارات النووية، مما يؤدي إلى تبريد المناخ بشكل كبير وتقليل الإشعاع الشمسي المباشر، فينتقل كوكب الأرض إلى عصر جليدي جديد قد يكون أقسى من العصور الجليدية السابقة.
ويعتبر الباحثون أن تقدير عدد القتلى والخسائر المادية والاقتصادية من الأمور المعقدة للغاية، لكن يمكن التأكيد على أنه في اللحظات الأولى للحرب ستقع مئات الملايين من الوفيات، خصوصاً إذا ما كانت الصواريخ موجهة إلى المدن الكبيرة والمكتظة.
لو جعلنا أضرار قنبلتي هيروشيما وناكازاغي النوويتين مقياساً للحرب المقبلة على رغم أنهما تعدان صغيرتي الحجم مقارنة بالقنابل الحديثة، فإن التحقيقات اليابانية أفادت بأنه في اللحظات الأولى للانفجار قتل 140 ألف شخص في هيروشيما و73 ألفاً في ناغازاكي، أما بقية الضحايا فماتوا خلال الأشهر الخمسة التي تلت الانفجارين الهائلين.
الباحث مارك ليناس كتب بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يفكر في إمكان استخدام السلاح النووي في ما لو اعتدت دول أجنبية على الأراضي الروسية، "العالم الآن أقرب إلى الصراع النووي من أي وقت مضى منذ عام 1962، أي مرحلة أزمة الصواريخ الكوبية".
ويقول ليناس إن عديداً من العلماء عالجوا أسئلة كثيرة حول وضع الجنس البشري بعد الحرب النووية الكبرى، ولكن النتائج المروعة التي وصلت إليها هذه السيناريوهات لم تلق آذاناً صاغية، ففي فترة السلم لا يدقق أحد في سيناريوهات الحرب التي قد تدهمهم في أي وقت".
ماذا لو وقعت؟
في أحدث تقييم للجيش النووي الروسي فإنه منذ عام 2022 تمتلك روسيا مخزوناً يبلغ حوالى 4,477 رأساً حربياً نووياً، أما في الولايات المتحدة فالمخزون النووي يقارب 5,500 رأس حربي.
لو قررنا تفجير هذا المخزون في حرب بين روسيا والولايات المتحدة مثلاً، فسيكون من الصعب على الخيال البشري فهم القوة التفجيرية لهذه الأسلحة، ففي الحرب العالمية الثانية فجر حوالى 3 ملايين طن من "تي إن تي"، أما اليوم فإن كل غواصة من غواصات "ترايدنت" البريطانية تحمل 4 ميغا طن من "تي إن تي" التي تعادل قوتها التفجيرية قوة انفجار 40 رأساً حربياً نووياً معاً، وإذا ما أجرينا المقارنة مع الحرب العالمية الثانية فإن كل غواصة من هذه الغواصات يمكنها أن تسبب دماراً أكثر مما تسببت به تلك الحرب على بشاعتها.
في دراسة نادرة نشرها موقع scientific Americanقبل عامين، حاولت توقع حجم الدمار القادم والآثار المحتملة لتبادل إطلاق 100 قنبلة بحجم قنبلة هيروشيما على المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند وباكستان، وقدرت أن كل تفجير يحرق مساحة 13 كيلومتراً مربعاً، أما عدد الوفيات البشرية في سيناريو الحرب النووية "المحدود" هذا فيتراوح بين عشرات ومئات الملايين.
وتبريد الغلاف الجوي الذي سيسببه مثل هذا الانفجار أكبر مما يسببه أي ثوران بركاني ضخم، وأشد من أي اضطراب مناخي شهده الكوكب الأزرق خلال الأعوام الـ100 الماضية.
إذا كان 100 تفجير نووي صغير يمكنه إحداث أضرار أقرب إلى إفناء الحياة على الأرض، فكيف ستكون الحال لو استخدمت آلاف الرؤوس الحربية من مخزونات الولايات المتحدة وروسيا؟
في بحث أكاديمي أجري عام 2008 عن حال الكوكب لدى نشوب حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة، افترض البحث أن تستهدف روسيا الدول الأوروبية بـ200 قنبلة نووية، وتستهدف الولايات المتحدة بالعدد نفسه من القنابل الصين وروسيا. وتوصلت التقديرات إلى توقعات قد تقارب الواقع، ومنها أن هذه الحرب النووية واسعة النطاق ستتسبب في موت 770 مليون شخص، وتوليد 180 تيرا غرام من السخام والدخان والغبار. وفي الولايات المتحدة سيقتل خمس مواطني البلاد على الفور، على اعتبار أن الصواريخ ستقع أولاً على المدن الكبرى.
وتوصلت الدراسة إلى أنه خلال عام واحد من هذه الكارثة سينخفض إنتاج الغذاء في العالم بنسبة تفوق الـ90 في المئة، متسبباً في مجاعة عالمية تقتل مليارات البشر جوعاً. أما بخصوص الثروة السمكية فإنها ستختفي بالكامل من البحار والمحيطات، وفي الغلاف الجوي ستختفي طبقة الأوزون، وكل شخص في العالم يعرف الآن تقريباً ما دور هذه الطبقة الجوية في حماية الكائنات الحية على سطح الأرض.
لكن هل سينقرض البشر بسبب هذه الحرب النووية الكبرى، أم أنهم سيتمكنون من البدء في بناء حضارة جديدة؟
توقعت الدراسة أن بعض البشر سيبقون على قيد الحياة لإعادة استيطان الكوكب. وأن انقراض الإنسان العاقل على مستوى الأنواع أمر غير مرجح حتى بعد حرب نووية واسعة النطاق. لكن من المتوقع أن تنهار الحضارة الإنسانية تماماً، فالناجون سيعيدون استيطان كوكب مدمر قاحل وغير صالح للحياة على الأرجح.
لهذا السبب ولمنع وقوع مثل هذه الحرب، استطاع الباحثون والمدققون الأكاديميون تحديد الأضرار الهائلة لحرب نووية لم تقع. وقد كان للنتائج تأثيرات سياسية كبيرة أدت إلى اجتماع الرئيس الأميركي رونالد ريغان والسوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وإعلان الرئيس الأميركي بعد هذا الاجتماع التاريخي عام 1985 بأن "الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً"، وهذا البيان أعيد تأكيده من الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في يناير (كانون الثاني) 2022.