ملخص
يفرض قانون المرور العراقي غرامة مالية تحت قانون "ملصقات الزينة" على أصحاب المركبات الذين يضعون ملصقات أو يقومون بالكتابة على زجاج السيارات
عبارات اشتياق تتغنى بالحبيبة وجمالها، وبعضها تندب سوء الحظ من تجارب الحياة والخذلان من غياب الوفاء، هذا ما تتزين به السيارات وعجلات الـ "توك توك" التي تجوب شوارع العاصمة بغداد.
أمثال وأشعار شعبية وكذلك ملصقات جاهزة يرى أصحاب المركبات أنها تعبر عن أوضاعهم ومزاجهم، فالمساحة البسيطة التي تشغلها العبارات على زجاج السيارات باتت تعبر عن لسان حالهم ومشاعرهم وسخطهم من ظروف الحياة.
ويتفاخر بعضهم بأنه يضع حكمة أو بيت شعر شعبي لم يتداوله أحد قبله، فبعضهم يتنافس من أجل وضع عبارات يصفها بالفريدة وغير المتداولة، منها ما تلوم الآخرين لعدم الصدق والوفاء "الكالوا أحنه ذهب زنجارهم بين"، وهو ما معناه أن الإخلاص بات عملة نادرة ومن كان يدعي الوفاء، انكشف معدنه وبدا يصدأ، ومنها ما تشبه الحزن بالرفيق الدائم، "مادام الوجع بالروح مثل كل مرة نتحمل"، مما يعني أن الألم ستتحمله الروح التي اعتادت عليه، وبعضها مدعاة للتفاخر "شما تصعد جبل تلكانه فوق" أي الرفعة والعلو على الجميع.
عبارات الحب والتحذير
يضع حسين عبدالله عبارة "أم العيون السود"، ويقول إنها مهداة لحبيبته صاحبة أجمل عيون، و"لكي أوكد حبي الدائم لها وضعت هذه الجملة من أجلها"، لكن عبارات الحب ترافقها أيضاً عبارات تحذير من الاقتراب من الحبيب "أكتله وأذبحه اللي يحط عينه على ولفي بغير نية"، أي أقتل الشخص الذي ينظر إلى حبيبتي، وهي رسالة تحذير وضعها سيف أحمد لينذر بعضهم من الاقتراب من حبيبته التي وعدها بالزواج عندما تتحسن أوضاعه المالية.
ويرى فرات علي الباحث والمهتم بالشأن الاجتماعي أن هذه العبارات تشكل حالاً مجتمعية تغزو الشباب العراقي بشكل لا إرادي، وكثير منها رسائل تهدف إلى لفت الانتباه لعدم رضا أصحاب المركبات عن أنفسهم، أو توجيه نصائح توعوية أو الازدراء من الأوضاع المعيشية، وبعضهم يكتب عنوان حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي كعامل جذب أو لطلب المتابعة من قبل النساء.
المزاج النفسي
عبارات مثل "كن من تكن فإنك من تراب" وعبارة "ابتسم ربما أنت الشهيد القادم" وكذلك "أسرع ولا يهمك أكو إسعاف تلمك"، أي أسرع ولا تهتم لما يحدث فهناك إسعاف سيأتي لنجدتك، وكلها عبارات تجسد حال يأس وحزن. وفي هذا السياق يرى الكاتب علي حسين أن هذه الكتابات ترتبط بالقيم المتنوعة التي تسود المجتمع، وهي تعبر عن المزاج النفسي لهذا المجتمع، قائلاً "في دراسة نشرها عالم الاجتماع المصري السيد عويس بعنوان (هتاف الصامتين... ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات)، اعتبر أن هذه الظاهرة هي صورة من صور التعبير عن وجدان الشعوب وأفكارها، كما أنها تسلط الضوء على شخصية المجتمع من خلال الحكم والأشعار التي يكتبها بعض أصحاب المركبات على هياكل سياراتهم".
وفي السياق نفسه يرى الروائي مرتضى كزار أن هناك ميلاً شعبياً نحو تقديس الأحزان والتغني بالمشاعر السلبية، وربما يشير ذلك إلى روح الانكسار العمومية واعتياد الإنسان على التسلي باليأس والتظاهر بالحزن الأنيق الذي قد يجلب لصاحبه جاذبية ما، ويقدمه للناس في الشارع كشخص جاد اكتسب حكمة من تجربة شخصية.
أمنيات مؤجلة
"إذا الله خلانا وصرنا شياب على ظهور العواجي ندك أساميكم"، بمعنى إذا تقدم بنا العمر ووصلنا إلى مرحلة الشيخوخة فسنحفر أسماءكم على العصي التي تسندنا، وهي إشارة إلى أمنيات الوفاء مهما تقدم العمر.
الكاتب علي حسين يرى أن هذه الكتابة تتحول إلى نوع من أنواع التعويض، إذ يعجز كثير من الناس عن الحصول على ما يريدونه، فتتحول مركباتهم إلى أمنيات مؤجلة، وهي محاولة للتكيف مع الواقع وفي أحيان أخرى تعبر عن مشاعر هذا الشخص، فنجده يبث أشواقه لحبيبته أو يعبر عن اعتزازه بوطنه أو مفاخرته بقبيلته أو التغني بمدينته، وأحياناً تكون تقليداً للآخرين فنجد من يكتب عبارة ينسخها من دون أن يفهم معناها.
صراع الهويات
لا يمكن أن ينفصل الواقع السياسي عن الحياة الاجتماعية فغالباً ما تلقي التداعيات السياسية بكل ثقلها على فئات المجتمع لتصبح نقاشاتهم وحياتهم اليومية تدور في فلك السياسية، وليس بالمستغرب أن تعكس عبارات السيارات الصراع السياسي.
ويحدثنا كرار حسين، صاحب عجلة الـ "توك توك"، عن سجالات تحدث بين من يمجد حزب أو جهة دينية ومن يقف ضد هذه الجهة، مما جعل كثيراً يبتعد من العبارات السياسية لأنها غالباً ما تتسبب بنقاشات حادة وخلافات.
وفي هذا الشأن يوضح الصحافي وصانع المحتوى أحمد الحسيني أن العراق شهد بعد عام 2003 صراعاً للهويات بشكل غير مسبوق، بدءاً من الأحزاب السياسية التي اتخذت أعلاماً وشعارات خاصة بها، وكذلك الميليشيات المسلحة التي رفعت رايات مختلفة.
وأكمل، "هذا الجدل السياسي انعكس على الواقع الاجتماعي لتعبر العبارات على السيارات عن وجهة نظر معينة، وتعلن للآخرين عن رؤية صاحب المركبة للحياة بشكل مختلف، ولكي يعلن أنه موجود لكنه ليس من ضمن الجماعة التي ينتمي إليها، وكذلك يذكر الكاتب علي حسين أن هذه العبارات غالباً ما تحمل رغبات دفينة أو رسائل موجهة هدفها الإفلات من رقابة المجتمع.
وشم السيارة
تميل بعض العبارات إلى السخرية مثل عبارة "اللهم أجعلني 24 ساعة في بال من يكرهني"، وبعضها يوجه رسالة لمجهولين مثل "الثقل بالواقع مو بالمواقع"، بمعنى أن الثقافة والحكمة لابد أن تكونا على أرض الواقع وليست كلاماً فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد يرى الكاتب والروائي مرتضى كزار أن "العبارات التي تكتب على العجلات تشبه الأوشام التي يضعها البشر على أجسامهم، واللافتة هي وشم السيارة ولكنه وشم غير دائم وأقل جدية". وبعضها يختصر سيرة إنسان بكامل تاريخه وذكرياته يرثي نفسه أو يوجه رسالة عشوائية لأعداء مجهولين، الزمن والأصحاب والحبيبة، ويميل بعضها إلى الطرافة وتقصد المفارقة البلاغية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويختم قائلاً، "في الغالب أنت ترى العبارات هذه مكتوبة في خلفية السيارة بعد أن تمر السيارة أو أن تكون خلفها، فهي رسالة لمن خلف السائق، لمن تركهم أو ودعهم أو فارقهم، أو هاجر بأوجاعه بعيداً منهم.
والواقع أن كثيراً من هذه الرسائل لا تمثل أصحابها أو وجهة نظر يعتنقها صاحب السيارة بالنيابة عن مؤلفها، مثل أن يغني أغنية يطرب لها من دون أن تمثل حاله الشخصية فعلاً".
الغرامات المالية
ويرى صاحب بسطية لبيع الملصقات الجاهزة أن أكثر رواده من الشباب، ولكنه يقول إن "الإقبال على هذه الملصقات الجاهزة قل كثيراً بعد الغرامات التي يفرضها شرطي السير على المركبات التي تضع هذ الملصقات".
ولتوضيح هذه المسألة قال مدير إعلام المرور العام العميد زياد محارب القيسي لـ "اندبندنت عربية"، إن قانون المرور العراقي رقم (8) لسنة 2019 المادة (25) ثالثاً الفقرة (ي)، خص هذه المخالفة تحت عنوان مصلقات الزينة، وتقدر الغرامة المالية بـ 50 ألف دينار عراقي (39 دولاراً) لكل صاحب مركبة وضع ملصقات الزينة أو قام بالكتابة أو الرسم على زجاج المركبة.
ويرى القيسي أن هذه الملصقات تشتت نظر سائق مركبة أخرى لدى محاولته قراءة العبارات مما يفقده التركيز، ليتسبب بوقوع حوادث مرورية، كما أن بعض العبارات تكون خادشة للحياء ومن غير اللائق وجودها على زجاج السيارات.