Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا الخارجية من الداخل: خداع وجهل وفشل

"خداع مفبرك في تركيب مستمر لأفكار كبيرة بعضها فوق بعض بواسطة صانعي سياسة مقنعين بمقاصدهم النبيلة تجاه منطقة يعرفون عنها القليل ويهتمون لها أقل"

العادة في واشنطن منذ عقود هي أن الرئيس يحكم وعينه منذ اليوم الأول على ما بعد الخروج (pxhere)

ملخص

ليس أمراً عادياً أن تنفق أميركا 8 تريليونات دولار على مغامراتها الخارجية وحروبها منذ عام 2001، بحسب إحصاءات جامعة براون.

أميركا لغز معقد وإن بدت سياساتها مكشوفة. لا حدود لما لديها من وثائق تحت عنوان "سري جداً"، ولا بلد في العالم يتم تسريب وثائقه وكشف أسراره مثل أميركا. كان الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون يقول من باب الخبرة "الأميركي يدخل معك في مصعد إلى الطبقة السابعة، لكنه ينزل منه في الطبقة الثانية تاركاً إياك تصعد وحيداً إلى الطبقة السابعة". وكان الرئيس الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق يقول "تنام إلى جانب الأميركي وحولك واحة أشجار ونهر، ثم تستفيق فلا تجد نهراً ولا أشجاراً ولا أميركياً". والانطباع السائد لدى حلفاء أميركا وخصومها هو أنها دولة مصالح الشركات الكبرى، لكن المسؤول السابق فيليب غولب يتحدث عن "التناقض في واشنطن بين الأهداف العالمية لرأس المال والتي تتجاوز الاعتبارات السياسية والحسابات الجيوسياسية للإدارة". والكل يتصرف على أساس أن الإدارات الأميركية تعمل ضمن استراتيجية عظمى لضمان مصالحها، ليسمع في واشنطن من يعترف بأن القوة العظمى تمارس السياسات من دون استراتيجية متكاملة وعملية.

والعادة في واشنطن منذ عقود هي أن الرئيس يحكم وعينه منذ اليوم الأول على ما بعد الخروج لضمان ثروة من مئات ملايين الدولارات ثمناً لمذكراته التي يجمع لها الوثائق. وهذا ما يفعله الوزير والمسؤول الكبير في الإدارة، فضلاً عن أن المسؤول ينفذ سياسة الإدارة ويدافع عنها، ثم ينتقدها بعد أن يصبح خارج المسؤولية. فالحكم في أميركا استعراض سياسي يغلب عليه التمثيل. والخارجون من الحكم يمارسون نوعاً من الاستعراض السياسي، هذا ما فعله الرؤساء جونسون ونيكسون وكارتر وريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما في مذكراتهم ومحاضراتهم المدفوعة، وما سيفعله ترمب وبايدن بعد أن يحقق كل منهما حلم الولاية الثانية أو يفشل في ذلك، وهذا ما فعله الوزراء كيسينجر وشولتز وجيمس بيكر وكوندوليزا رايس وبومبيو، وما فعله المسؤولون في الأمن القومي والخارجية بريجنسكي وهاس وبولتون وإنديك وأوبراين وبيرنز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحدث كتاب في هذا الباب هو كتاب ستيفن سايمون، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي والخارجية، خلال ولايات ريغان وبوش الأب وكلينتون وأوباما تحت عنوان "الخداع الكبير: صعود الطموح الأميركي في الشرق الأوسط وهبوطه". وهو يقول بالطبع ما لا يقوله أيام المسؤولية. مختصر السياسة الأميركية في الشرق الأوسط كما يراها سايمون هو "خداع مفبرك في تركيب مستمر لأفكار كبيرة بعضها فوق بعض بواسطة صانعي سياسة مقنعين بمقاصدهم النبيلة تجاه منطقة يعرفون عنها القليل ويهتمون لها أقل"، لا بل "قصة سوء فهم فاضح وأخطاء مروعة وموت ودمار". وهي قصة ثمانية رؤساء مع السياسة الخارجية، إذ "الخداع له جذور في الاقتناع بأن الحقائق لا شأن لها وكل الشأن للحقائق التي تخلقها مقاصدنا وأهداف سياساتنا". أيزنهاور وكينيدي وجونسون تركوا التدخل العسكري في الشرق الأوسط للبريطانيين، كما يقول. أما "عسكرة السياسة الخارجية" فإنها بدأت مع اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أيام كارتر، وأما سياسات "بناء الديمقراطية وضمان الاستقرار وتقزيم الإرهاب فإنها أنتجت تقوية الأوتوقراطية وتفاقم البؤس الاقتصادي والفوضى". وإلى أن تحدد أميركا "مصالحها في الشرق الأوسط ستبقى في مطهر التورط المخادع وتفشل"، أليس الشائع عندنا هو العكس، وأن مصالح أميركا في المنطقة محددة بدقة؟

ليس أمراً عادياً أن تنفق أميركا ثمانية تريليونات دولار على مغامراتها الخارجية وحروبها منذ عام 2001، بحسب إحصاءات جامعة براون، تدفع مالاً ودماً وتخسر. تحاول تخفيف التزاماتها في الشرق الأوسط فتعيدها المنطقة مرغمة إلى الانخراط فيها. تبقى القوة الوحيدة القادرة على ضمان الأمن والممرات البحرية في المنطقة، وتتراجع مكانتها حتى عند حلفائها الذين علمتهم التجربة خطورة وضع البيض كله في السلة الأميركية. والمشكلة أن البدائل الدولية منها محدودة القدرة مثل روسيا، أو قليلة الالتفات إلى الصراع الجيوسياسي لأن طموحها اقتصادي وتجاري مثل الصين، والبدائل الإقليمية الطامحة ليست في مرتبة البدائل، بل تدور مع التحولات الكبرى. والخيار الطبيعي أمام الدول العربية هو تنويع العلاقات ثم الانتقاء في إطار العلاقات مع أميركا أو الصين أو روسيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل