Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريطة تمدد "داعش" في أفريقيا بين الأثر والخطر

انتشار حركي مؤكد وتهديدات متواصلة للشعوب وسط مخاوف دول القارة من التدخل الأميركي

 تنظيم داعش في أفريقيا لم ينته بموت قادته (غيتي)

ملخص

يثبت ارتفاع تدفق المنتمين إلى "داعش" في أفريقيا أن التنظيم لم ينته بموت قادته، بل وجد القارة الأفريقية مرتعاً خصباً لتوسعه شرقاً وغرباً، في المقابل تخشى دول الساحل الأفريقي أن تكون "مكافحة الإرهاب" ذريعة لتدخلات أميركية.

يثبت ارتفاع تدفق المنتمين إلى تنظيم "داعش" في أفريقيا، خصوصاً بمنطقة الساحل، أن التنظيم لم ينته بموت قادته، وأن القارة الأفريقية مثل غيرها من المناطق لم تصل إلى مرحلة أن تكون خالية من الإرهاب والعنف، على رغم أنها ليست منبتاً للجماعات المتطرفة بأنواعها، وإنما وجدتها التنظيمات مرتعاً خصباً في سياق توسعها شرقاً وغرباً، فجندت جماعات محلية مثل "بوكو حرام" في نيجيريا و"حركة الشباب" في الصومال، وبايع أعضاؤها التنظيم الأم ثم انطلقوا في طريق التطرف العنيف.

بدأ ذلك في السابع من أغسطس (آب) 1998 عندما نفذ أعضاء من تنظيم "القاعدة" عمليات تفجير للسفارتين الأميركيتين في دار السلام بتنزانيا ونيروبي بكينيا في وقت واحد، وأسفرت الهجمات عن مقتل 224 شخصاً وإصابة ما يزيد على 5 آلاف فرد، وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيهما وهدم المباني المجاورة، وجرت الحادثتان عقوبات دولية على السودان الذي كان يقيم فيه زعيم التنظيم الأسبق أسامة بن لادن، ورجحت الولايات المتحدة أنه خطط لذلك قبل مغادرته البلاد عام 1996.

الأثر العالمي الذي تركه الهجومان حمس تنظيم "القاعدة" على إنشاء ساحات معارك جديدة في أفريقيا، غير مبال بالتهديدات الأميركية بجعلها هدفاً مستمراً حتى الآن، وزاد من توسعها في القارة أنها بدأت تفقد جزءاً من قواعدها بالشرق الأوسط على إثر أحداث "الربيع العربي"، ومنذ تلك الفترة ارتفعت هجمات الجماعات المتطرفة في الأراضي الأفريقية، ولما عادت مرة أخرى إلى نشاطها في المنطقة الشرق أوسطية، كانت أسست قاعدة أفريقية قوية واتسع نطاق تهديدها.

ولإضعاف التنظيم وإلحاق الهزيمة به على مختلف الجبهات وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته العالمية، تأسس التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش" في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ التزم أعضاؤه الـ86 بتنسيق العمل والتدخلات لضمان تحقيق هذا الهدف وفق نهج شامل ومتكامل.

إعادة تموضع

مع أن "داعش" الذي سيطر عام 2014 على مناطق واسعة في سوريا والعراق، ألحقت به هزائم متواصلة وخسر مناطق سيطرته في العراق 2017 وسوريا 2019، إلا أن هجمات عناصره المتقطعة ضد القوى الأمنية لا تزال متواصلة، ومع تكبده خسائر كبيرة نتيجة عمليات عسكرية أميركية، إذ قتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بعد غارة شنتها القوات الأميركية في عملية خاصة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وبعد عامين من تعيين أبو إبراهيم القرشي خلفاً للبغدادي قتل في الثالث من فبراير (شباط) 2022 بتفجير نفسه بعد تنفيذ الولايات المتحدة غارة جوية على الشمال الغرب السوري، وعين خلفاً له أبو الحسن القرشي الذي لقي مصرعه منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بمحافظة درعا في عملية نفذها الجيش السوري الحر، ثم عين خلفاً له أبو الحسين الحسيني القرشي الذي مات هو الآخر في الـ29 من أبريل (نيسان) الماضي خلال عملية خاصة للاستخبارات التركية بشمال سوريا.

يخيل إلى المتابع من سرعة القضاء على قيادات "داعش" خلال أربع سنوات فقط بأن التنظيم أوشك على فقد موقعه في العراق وسوريا، ولكن تبنيه هجمات في أفريقيا يوضح أن لديه خطة بديلة تعتمد على الانتشار الأفقي بدلاً من التركيز على التأثير الرأسي، وساعد في تنفيذها تلاشي تأثير كاريزما القيادة، فالزعماء الثلاثة بعد البغدادي غير معروفين، ولم يظهروا كثيراً في التسجيلات التي كان يصدرها حين تتبنى العمليات الهجومية.

 

 

 لمواجهة هذه الخطة التي انتهزت فرصة انشغال العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية كان لا بد من مواصلة وزراء خارجية التحالف الدولي لمكافحة "داعش" جهودهم بالدعم المستمر لبرامج مكافحة الإرهاب في مناطق النشاط بأفريقيا والعراق وسوريا وجنوب ووسط آسيا عبر تجديد استراتيجية المكافحة بما يتناسب مع التطورات الأخيرة وسرعة الانتشار، وفي اجتماع وزراء التحالف أخيراً في الرياض حمل البيان الصادر عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن ووزراء خارجية التحالف تصورات محددة للتعامل مع التنظيم في المناطق المحررة من العراق وسوريا إضافة إلى إعادة الإدماج، وأن "القتال ضد التنظيم في هذين البلدين لا يزال يمثل الأولوية الأولى للتحالف"، أما في أفريقيا جنوب الصحراء من شرقها إلى وسطها وجنوبها ثم غربها فبدأ ظهور فروع جديدة لـ"داعش"، منذراً بأن الهدوء النسبي الذي صاحب الفترة الماضية كان لإعادة تموضع هذه الجماعات.

ازدياد النفوذ

قالت منظمات دولية إن ثلثي الهجمات الإرهابية في الفترة من 1997 حتى 2015 تمت في أفريقيا بواسطة تسعة تنظيمات إرهابية تنتمي إلى تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وأن جماعة "بوكو حرام" وحركة "الشباب الصومالي" مسؤولتين عن ما يقرب من 50 في المئة من الهجمات، والآن يتعامل التحالف الدولي مع تنظيم إرهابي بعدد من الرؤوس التي برزت نتيجة لانهيار "الخلافة"، إذ تعمل على تعزيز منظمات وإن لم تكن بارزة، فإنها أكثر نشاطاً وعنفاً وستحل محل "داعش" بعد أن ينتهي "اسماً" ولكن رمزيته في التهديد المتواصل من الجماعات المتطرفة الأخرى لم تنته بعد.

في الثامن من يونيو (حزيران) الجاري أعلنت الولايات المتحدة إدراج اثنين من قادة تنظيم "داعش" على قوائم الإرهاب لدورهما في النظام المالي العالمي لتمويل الأنشطة الإرهابية، وهما عبدالله مكي الرفيعي أمير مكتب ولاية بلاد الرافدين في العراق، وأبو بكر بن محمد الميناكي وهو قيادي بارز في مكتب الفرقان بمنطقة الساحل الأفريقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد أكثر الجماعات الإسلامية عنفاً في أفريقيا "بوكو حرام" و"حركة الشباب" التي بايعت "داعش" وتعتمدان على الموارد الأفريقية، لذلك لم يفرض هذا الانتشار للتنظيم في أفريقيا أي أعباء مالية، بل إن بعض المقاتلين ينتقلون من سوريا لأفريقيا ويواصلون القتال من هناك، ولكن ما تخشاه دول الغرب الأفريقي في مالي ونيجيريا وغانا والسنغال والكاميرون وبوركينا فاسو والنيجر هو ازدياد النفوذ التنظيمي في المنطقة.

 وفي مطلع مارس (آذار) الماضي عقد في نيامي (عاصمة النيجر) اجتماع مجموعة التركيز الأفريقي (أفريكا فوكوس غروب) التابعة للتحالف الدولي لهزيمة "داعش"، التي يترأسها بشكل مشترك النيجر والمغرب والولايات المتحدة وإيطاليا، وفيه سلط عدد من أعضاء التحالف والمراقبين الضوء على مختلف مبادرات مكافحة داعش، وناقشوا خطة المجموعة "من أجل تعزيز أمن الحدود ومكافحة دعاية التنظيم الإرهابي وأساليبه في التجنيد ومكافحة تمويل الإرهاب".

حدود ثلاثية

زادت أهمية منطقة الساحل فظهرت في تسجيلات قادة "داعش" باسم "ولاية الساحل" في مارس (آذار) الماضي، بدلاً من تبعيتها إلى "ولاية غرب أفريقيا" بحسب التقسيم الذي اعتمده البغدادي، والتركيز الأخير على دول الساحل لا سيما مالي ينطوي على تركيز كثيف ترجمته عشرات العمليات التي تبناها التنظيم خلال الأشهر الماضية وراح ضحيتها مئات.

وظلت مالي تدير حرباً شرسة مع جماعات عدة مسلحة منذ 2012 ولم تفلح مع بوركينا فاسو والنيجر في حماية حدودها الثلاثية على رغم أن نيامي وحدها خصصت نحو 12 ألف من جنودها للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب، ولكن الانقلابات العسكرية في المنطقة أنهت اتفاقات التعاون العسكري مع القوات الفرنسية والأوروبية، إذ طالب قائد الانقلاب في واغادوغو إبراهيم تراوري بمغادرة قوات فرنسا بداعي أنها لم تكن جادة في محاربة الإرهاب، واستجابت باريس لذلك وسحبت 400 جندي إضافة إلى إخلاء قاعدتها العسكرية، وحلت محلها مجموعة قوات "فاغنر" الروسية ليزداد خطر الجماعات المسلحة والإرهابية في المنطقة الحدودية.

وعلى إثر ذلك تحركت أخيراً قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (مينوسما) بنشر وحدتين في منطقة الحدود الثلاثية بين الدول الثلاث، وقالت المنظمة الأممية في بيان لها "الوضع الأمني في المنطقة الحدودية، لا سيما في بلدات تيسيت وتلاتاي وأنسونغو ومنطقة ميناكا المالية، تدهور بشدة خلال الأسابيع الأخيرة".

وتعاني النيجر التمدد الإرهابي إذ أعلن جيشها توقيف نحو 1400 عضو من جماعة "بوكو حرام" التي تقاتل "داعش" في غرب أفريقيا (إيسواب) التابعة للتنظيم والمنشقة منذ سنوات، ولكن تفوقت على الجماعة في ميدان القتال كونها أكثر تسليحاً وعنفاً، ونزحت أعداد كبيرة من معارك "داعش" مع "بوكو حرام" في نيجيريا من ضمنهم ما يزيد على 13 ألف امرأة وطفل، فروا من الهجمات الإرهابية على الجزر الواقعة على نهر النيجر غرب البلاد. وتنبع أهمية هذه المنطقة الحدودية التي نقل إليها التنظيم هجماته من أنها غنية بالموارد المعدنية مثل الذهب والنفط واليورانيوم والفحم الحجري، مما يمكن الجماعات من تمويل عملياتها.

 

 

ومن هذا التمدد نجد أن تحدي الصراع بين "بوكو حرام" و"إيسواب" لا يقتصر على نيجيريا وحدها، لكن يتجاوز شمال شرقي البلاد إلى جنوب شرقي النيجر، مما يشكل تحدياً أمنياً وإنسانياً لدول الساحل الأفريقي، وفي رحلات النزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار يتشكل واقع جديد كان مقتصراً على الصراعات الإثنية وعلى الموارد، لتدخل هذه العناصر وقوداً لصراع الجماعات الإرهابية.

ولاية السودان

قبل مقتله بأشهر قليلة دعا أبو بكر البغدادي في تعليقه على سقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019 بفتح جبهة جديدة لإقامة "ولاية السودان"، تبعها إعلام التنظيم الذي يدعو إلى تنفيذ المخطط، وعندما اندلعت الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع راهن "داعش" على الفوضى الناتجة من تفكك الدولة، هذا بالنسبة إلى الوضع على الأرض أما القوات فيراهن التنظيم على تجنيد الميليشيات من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى التي ينضم عدد منها إلى قوات الدعم السريع.

هناك خطر آخر يتحرك من شرق أفريقيا وعلى رغم معيقات وصوله بسهولة إلى السودان، إلا أن إحداث أي نوع من الفوضى الأمنية أو افتعال معارك في الشرق سينذر بكارثة أخرى، وهناك حادثة محدودة لكن تنبئ بتحرك هذه الجماعات وهي ضبط مجموعات في خضم الحرب الدائرة بالخرطوم تتاجر بالأسلحة، إذ تسللت عبر مدينة بورتسودان ففرض الجيش حال الطوارئ في المدينة، وأتم عملية أمنية لم يكشف عن تفاصيلها، وذلك  قبل أن تعود الحياة هناك إلى طبيعتها مرة أخرى.

فراغ استراتيجي

 المناخ الأفريقي لم يعد كما كان سابقاً تتمتع فيه الولايات المتحدة وحدها بحرية الحركة حتى لو كان الغرض مكافحة الإرهاب، لا سيما وأن تجربة انسحاب القوات الأميركية من المنطقة في أوج اضطرابها لا يزال حاضراً في أذهان الأفارقة، كما أن منافسة أخرى طرأت من قوى دولية أخرى، متبوعة بالترويج إلى أن شعار محاربة الإرهاب الذي تتبناه واشنطن هو كي تضع يدها على ثروات القارة الأفريقية.

وتستدل هذه القوى بتجارب الولايات المتحدة في أفغانستان للاستيلاء على نفط آسيا الوسطى (قيرغيستان وأوزبكستان)، وما صحب مكافحة أسلحة الدمار الشامل في العراق بغرض السيطرة على نفطه، وأنه في مقدمة محاربة الإرهاب بأية منطقة لا بد أن تكون هناك سوق مفتوحة لحسابها، وأن أفريقيا نفسها لم تكن بعيدة من ذلك، فأقامت واشنطن قواعدها العسكرية في مقابل إنهاء النزاعات ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وظلت القواعد ولم تنته النزاعات كما لم تتحقق الديمقراطية.

في الصلابة الأفريقية التي تمثلها الانقلابات العسكرية العديدة والنزاعات المستمرة يكمن ضعف أفريقي شامل في بنية المجتمع تجعله مسرحاً مليئاً بالمطبات الإرهابية، ومن المؤكد أن القضاء على الإرهاب لن يكون سهلاً، ولكن معاناة القارة خصوصاً منطقة الساحل لسنوات في مكافحة الإرهاب تكشف عن فراغ استراتيجي تستغله الجماعات الإرهابية، وبينما تستبعد آمال الوصول إلى الديمقراطية بالمفهوم الأميركي التي تذوي بالتخلص من ثنائية الجماعات المسلحة المتمردة والإرهابية، يكون الرهان على مقدرة دول التحالف على تحقيق الأمن والسلام وصولاً إلى التنمية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل