Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صناديق الاقتراع ليست بالضرورة الطريق المأمون نحو الديمقراطية

يتحدث مراقبون عن صعوبة سقوط الديكتاتوريات عبر الانتخابات بسبب عوامل عدة من بينها استراتيجيات شعبوية وقومية عرقية ودينية

متلازمة الانتخابات والانتهاكات الديمقراطية أكثر شيوعاً في مناطق عدة حول العالم في حقبة ما بعد الحرب الباردة (رويترز)

ملخص

يتحدث مراقبون عن صعوبة سقوط الديكتاتوريات عبر الانتخابات بسبب عوامل عدة من بينها استراتيجيات شعبوية وقومية عرقية ودينية

في الأشهر القليلة التي سبقت الانتخابات التركية، لا سيما منذ وقوع زلزال السادس من فبراير (شباط) الذي أودى بآلاف الأتراك، تزايدت التكهنات في شأن هزيمة انتخابية محتملة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وخروجه، أخيراً، من السلطة بعد نحو عقدين قضى نصفهما رئيساً للوزراء والنصف الآخر رئيساً.

كان المشهد مهيأ تماماً لسيناريو الخروج، فجنوب تركيا يغلي بالغضب من إدارة الحكومة لجهود إغاثة ضحايا الزلزال الذي خلف أكثر من 48 ألف قتيل، وتزايدت الشكاوى الغاضبة من تفاقم الدمار جراء سوء التخطيط الحضري والفساد، وفي أنحاء البلاد يعاني الاقتصاد تعثراً بسبب السياسات النقدية المثيرة لأردوغان، التي دفعت معدل التضخم لمستوى قياسي في خريف العام الماضي عندما بلغت 85 في المئة قبل أن تتراجع إلى 55 في المئة، مما أدى إلى ضعف الليرة التركية التي فقدت 60 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ أوائل عام 2021، وهو الأمر الذي شكل ضغوطاً كبيرة على الطبقة الوسطى، وأغرق مزيداً من الطبقات الدنيا في أوضاع معيشية سيئة، ناهيك بما عانته المعارضة التركية من قمع وعمليات تطهير منذ عام 2016. ومع ذلك، جاءت المفاجأة في جولة الإعادة بين أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، ليفوز الأول بفارق يزيد على أربعة في المئة.

الصندوق لا يسقط الطغاة

المشهد في تركيا دفع عديداً من المراقبين إلى القول إن من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إطاحة نظام استبدادي عبر صناديق الاقتراع. تلك الفكرة التي تناولها أستاذا السياسة ستيفن ليفيتسكي ولوكاس واى، في كتابهما "السلطوية التنافسية" الصادر عن جامعة "كامبريدج" في 2010، وأعادا شرحها في ورقة بحثية نشرتها مجلة "الديمقراطية" التابعة لجامعة جون هوبكنز في يناير (كانون الثاني) 2020، وانطوت على 35 بلداً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأورواسيا، بينها تركيا والمجر وبوليفيا وفنزويلا والفيليبين. يقول ليفيتسكي واى، إن مفهوم الأنظمة الاستبدادية، التي يسمح فيها الحاكم المستبد بانتخابات تعددية لكن في الوقت نفسه ينخرط في انتهاكات ديمقراطية، أصبح أكثر شيوعاً في مناطق عدة حول العالم في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف عالما السياسة أن من المعتاد أن ينشأ ذلك النموذج الاستبدادي بموجب ظروف تتعلق بضعف الديمقراطية، وفي بلدان ذات دخل منخفض ومؤسسات حكم ضعيفة وقطاع خاص متخلف، ففي السنوات الأخيرة صعد عدد من الأنظمة الاستبدادية التنافسية في المجر والفيليبين وتركيا، حيث المؤسسات والتقاليد الديمقراطية أكثر قوة، فضلاً عن قضاء مستقل إلى حد ما، وبدرجة أفضل تتوفر سيادة القانون، وحتى الاقتصادات أكثر تطوراً، والمجتمع المدني والقطاع الخاص نشطين، وأحزاب المعارضة أكثر قوة. وعلاوة على ذلك، فإن العلاقات الواسعة التي ترتبط بها تلك البلدان مع الغرب تعني أن حكوماتهم تواجه تدقيقاً خارجياً أكبر من تلك التي توجد في أفريقيا جنوب الصحراء أو دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. ومع ذلك، فإن تلك الحالات الجديدة يصبح التغيير فيها أصعب، ويحتاج إلى مهارة أكبر من المعارضة، واستراتيجيات أكثر تطوراً للتمكن من حشد العامة.

يعتمد أولئك الاستبداديون الجدد على التمكن من الفوز بأغلبية انتخابية كبيرة أولاً، ثم يبدأون في تنفيذ استراتيجيات تعتمد على الشرعية الانتخابية لتغيير القواعد الدستورية والانتخابية للعبة من أجل إضعاف المعارضين، وغالباً ما يتم تحقيق ذلك من خلال الاستقطاب الشعبوي أو القومي العرقي أو الديني. فعلى سبيل المثال، قام نظام الرئيس الراحل هوغو شافيز في فنزويلا، ونظام "العدالة والتنمية" في تركيا، بالحشد في خضم أزمات اقتصادية، مستخدمين خطابات شعبوية مكنت المستبدين المحتملين من دعم شعبي واسع وأغلبية برلمانية تسمح بتمرير تغييرات دستورية وتغييرات أخرى تكفل لهم البقاء، وهو ما حدث عندما تمكن أردوغان من تغيير نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي.

بحسب زينب تارديفو، الباحثة لدى جامعة "لويس غيدو كارلي" في إيطاليا، فإن الدراسات السياسية تظهر أن الأنظمة الاستبدادية التي تجري انتخابات هي أكثر قوة واستدامة من الأنظمة التي لا تجريها. فالانتخابات الاستبدادية مفتوحة للتلاعب لأن الأحزاب تفتقر إلى الحريات والموارد الديمقراطية، ونادراً ما يتم تعديل التشريعات الاستبدادية أو منعها من قبل المؤسسات الديمقراطية المفترضة. ففي الأنظمة الاستبدادية يتم تمرير 95 في المئة من مشاريع القوانين، مقارنة بـ76 في المئة في الأنظمة الديمقراطية.

حرة لكن ليست نزيهة

يتحدث مراقبون عن صعوبة سقوط الديكتاتوريات عبر صناديق الاقتراع بسبب عوامل عدة من بينها استراتيجيات شعبوية وقومية عرقية ودينية، وهي لعبة يجيدها أردوغان وإن لم يكن هو الذي اخترعها. ففي كتابه "معضلة الديكتاتور في صندوق الاقتراع" يقول ماساكي هيجاشيما إن "الطغاة يحسنون بشكل استراتيجي إدارة الانتخابات وفقاً لقدراتهم على التعبئة. فالديكتاتوريون الذين يحتكرون الموارد المالية ويسيطرون على المنظمات السياسية يمكنهم تحمل إجراء انتخابات حرة ونزيهة نسبياً مع تقديم أنظمتهم على أنها ديمقراطية أمام المجتمع الدولي والجمهور المحلي".

ويقول مراقبون، إنه خلال عقدين من حكمه، أعاد أردوغان تشكيل تركيا من خلال توظيف الدين وإضعاف نظام الحكم البرلماني وتحويله إلى رئاسي يرقى إلى حكم الرجل الواحد. وقام سلطان تركيا الحديث بتطهير المحاكم ووكالات إنفاذ القانون والخدمة المدنية ووكالات الاستخبارات وكادر الضباط في القوات المسلحة ووسائل الإعلام، مستبدلاً المعارضين أو حتى المحايدين بمجموعات من الموالين. كما يشير باحثون أتراك من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن إلى أن هناك قمعاً شديداً للناخبين في الأرياف بذريعة المخاوف الأمنية، كما تستغل الحكومة القضاء لترهيب وقمع المعارضين السياسيين.

في ورقة بحثية لمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن، ذكر سنان جيدي أستاذ دراسات الأمن القومي ومؤلف كتاب "الكمالية في السياسة التركية"، أن أردوغان "قد يفوز من دون تزوير الأصوات"، فالأمر لا يتعلق بصناديق الاقتراع، بل لا يزال النظام الذي أنشأه يحقق الفوز الذي يحتاج إليه.

من هذا المنطلق. يقول محمد أوزالب مدير مركز الدراسات الإسلامية والحضارة لدى جامعة "تشارلز ستورت" في أستراليا، إن انتخابات تركيا كانت حرة، حيث تمكنت الأحزاب السياسية من تقديم مرشحين والقيام بحملات انتخابية، كما كان للأحزاب الحق في أن يكون لها ممثلون في كل مركز اقتراع لضمان عد الأصوات بشكل صحيح، وكان الناخبون أحراراً في التصويت. ومع ذلك، كانت الانتخابات بعيدة عن أن تكون نزيهة.

يوضح أوزالب أنه تم استبعاد المنافس الرئيس المحتمل في السباق أكرم إمام أوغلو، في ديسمبر (كانون الأول) بعد الحكم عليه بالسجن بتهمة "إهانة شخصيات عامة." وكان أوغلو، عمدة إسطنبول، لقن حزب أردوغان هزيمة نادرة في الانتخابات البلدية عام 2019، وأظهرت استطلاعات الرأي أنه يمكن أن يفوز على أردوغان في الانتخابات الرئاسية بهامش مريح. ومن ثم يجادل البعض بأن قرار المحكمة بسجنه كان مدفوعاً سياسياً، فمع خروج إمام أوغلو من الصورة، كان على المعارضة أن تتحد خلف كليتشدار أوغلو الذي كان الأضعف بين جميع المرشحين البارزين.

السيطرة على الإعلام

جذب اهتمام المراقبين داخل وخارج تركيا في تحليل المشهد، القبضة التي استطاع أردوغان فرضها حول وسائل الإعلام التركية خلال السنوات الأخيرة الماضية عبر مجموعة من القوانين التي تم تمريرها في برلمان يهيمن عليه حزبه. فوفقاً لمؤشر النزاهة الانتخابية لمؤسسة "فريدوم هاوس"، فإن تركيا تسجل 33 نقطة فقط من أصل 100، حيث تخضع وسائل الإعلام لسيطرة الحكومة والرقابة الشديدة وتستخدم موارد الدولة حصرياً لدعم الحملة الانتخابية للحكومة.

خلص تحقيق أجرته وكالة "رويترز" في أغسطس (آب) الماضي، إلى أن "أكبر المنافذ الإعلامية تخضع لسيطرة شركات وأشخاص مقربين من أردوغان وحزبه، بعد سلسلة من عمليات الاستحواذ التي بدأت عام 2008". ويتم تنسيق الرقابة التحريرية الهرمية الصارمة من الأعلى مباشرة، حيث يشرف الأكاديمي السابق فخر الدين ألتون، رئيس مديرية الاتصالات الحكومية، على التعليمات المرسلة إلى غرف الأخبار.

ويوضح أوزالب أن أردوغان يتمتع بقبضة شبه كاملة على وسائل الإعلام التركية، من خلال ألتون، رئيس الإعلام والاتصال في القصر الرئاسي، فأصبحت وسائل الإعلام التركية إما مملوكة مباشرة لأقارب أردوغان، مثل صحيفة "صباح" التي يديرها سادات البيرق، أو خاضعة لسيطرة الحكومة من خلال رؤساء تحرير ومراقبين تم تعيينهم من قبل ألتون، بل حتى بعض المواقع الإخبارية المستقلة على الإنترنت مثل T24 تمارس الرقابة الذاتية حتى يسمح لها بالبقاء والعمل. ومع هذه السيطرة الإعلامية الهائلة، حرص أردوغان على أن يحصل على أكبر قدر من البث التلفزيوني، فتم تقديمه في وسائل الإعلام على أنه زعيم عالمي يتقدم بتركيا من خلال بناء المطارات والطرق والجسور. ومن جانب آخر، تم تنظيم حملة لتشويه المنافس وتصويره على أنه غير كفء لحكم البلاد.

مثلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد ما أداة مناورة يمكن للأتراك من خلالها كسر قبضة أردوغان على وسائل الإعلام. فبحسب دراسة نشرها مركز "التقدم" الأميركي عام 2020 فإن الأتراك يهاجرون "نحو مصادر الأخبار عبر الإنترنت التي لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها"، ومع ذلك فسرعان ما فرضت الحكومة الرقابة على العالم الافتراضي بعد أن أقر البرلمان تشريعات أكثر تقييداً.

ويقول أسلي أيدينتاشباش، زميل زائر لدى معهد "بروكينغز"، "مع قانون وسائل التواصل الاجتماعي الجديد المثير للجدل، أصبح للسلطات التركية الآن الحق في السيطرة، وإذا  لزم الأمر، تقييد حرية التعبير على الإنترنت بطرق لا يمكن تصورها في أي ديمقراطية أو حتى في تركيا قبل بضع سنوات". وهناك دائماً خطر السجن بتهم واهية ومبهمة بالتشهير أو إهانة الرئيس أو المسؤولين الحكوميين، التي أدت بالفعل إلى سجن 43 صحافياً إلى جانب سياسيين معارضين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير