Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف طوع بورقيبة "الإخوان" في تونس ووظفهم لصالحه في الخارج؟

يرى مراقبون أن الرئيس الراحل لم ينظر إلى الجماعة كمشروع ديني اجتماعي شمولي بل اعتقد أنها مجرد حركة سيتعامل معها ثم ينقلب عليها

لا يزال إرث بورقيبة السياسي يثير الجدل في تونس (أ ب)

ملخص

لا يزال الاختلاف سيد الموقف بين المؤرخين حول مدى نجاح بورقيبة في توظيف جماعة الإخوان لصالحه

لا يزال الإرث السياسي للزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وغيره يثير الجدل في البلاد، بخاصة أن الرجل الذي أرسى ركائز الدولة ومؤسساتها بعد الاستقلال في عام 1956 عرف بمواقف مثيرة لعل من أبرزها العلاقة مع تنظيم "الإخوان المسلمين" وفرعه في تونس.
ويعيد وضع حركة "النهضة" التونسية، الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان" المأزوم، بواجهة الأحداث السياسية في تونس، تاريخاً طويلاً من الاشتباك بين الحركة والسلطات التي تعاقبت على الحكم من بورقيبة وصولاً إلى الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
لكن علاقة بورقيبة مع "الإخوان" كانت تخضع لقواعد متناقضة في أحيان كثيرة من خلال الاحتفاء بالجماعة خارجياً لحسابات سياسية ارتبطت بحسب مؤرخين بالخلافات بينه وبين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وبين تضييق الخناق على الجماعة داخلياً من خلال الزج بمعظم قياداتها في السجون والحكم على زعيمهم في تلك الفترة راشد الغنوشي بالإعدام، في حكم نجا منه الرجل إثر انقلاب السابع من  نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 الذي وضع حداً لحكم بورقيبة.

على طرفي نقيض

وعلى رغم من أنه عرف بمواقف علمانية مثيرة للجدل في شأن تسيير الدولة وتنظيم الأمور الدينية فإن بورقيبة تقارب في فترة معينة مع جماعة الإخوان خصوصاً فرع مصر، وذلك بسبب الخلاف مع عبدالناصر، الذي تفجر أساساً بعد دعوة الرئيس التونسي إلى التفاوض مع إسرائيل لحل القضية الفلسطينية في خطاب أدلى به في أريحا في عام 1965.
وقال بورقيبة في الخطاب المذكور، إن الحل للعرب في صراعهم مع إسرائيل يكمن في اتباع سياسة المراحل من خلال القبول بمقترح تقسيم فلسطين ثم السعي إلى تحقيق مكاسب أخرى، لكن هذا المقترح لقي رفضاً من دول عربية عدة على رأسها مصر.
وقال المؤرخ التونسي عبدالجليل بوقرة، إن "بورقيبة والإخوان يقفان على طرفي نقيض في ما يتعلق بالمرجعية الفكرية والعقائدية، فبورقيبة من أنصار التيار التحديثي والتجديدي شأنه شأن سعد زغلول في مصر وغيره من التنويريين، بينما الإخوان يحملون مشروعاً تقليدياً لكن بورقيبة براغماتي في تعامله مع الإخوان الذين تعامل معهم عندما ذهب إلى مصر لاجئاً بعد عام 1945".
وتابع بوقرة "تعامل بورقيبة مع التنظيم للتعريف بالقضية التونسية ولكسب دعم النخب العربية، لكن بعد الاستقلال دخل في خلاف قوي مع جمال عبدالناصر وهو خلاف عقائدي أكثر من كونه سياسياً ظرفياً لأن بورقيبة من أنصار الفكرة الوطنية بينما عبدالناصر قومي، وانعكس هذا الخلاف سياسياً سواء على مستوى المواقف تجاه قضايا عدة، مثل القضية الفلسطينية والعلاقة مع أوروبا الغربية وغير ذلك، ووصل الخلاف إلى حد القطيعة. وفتح عبدالناصر والنظام المصري آنذاك أبواب البلاد أمام المعارضة التونسية التي استقرت في القاهرة وتم توفير آليات إعلامية وغيرها. ولعل أبرز رموز المعارضة التي احتضنتها مصر في تلك الفترة صالح بن يوسف وإبراهيم طوبال".
وزاد المؤرخ التونسي "كرد فعل على التوجه المصري، تعامل بورقيبة مع الإخوان، واستقبل في مناسبات عدة توفيق الشاوي الذي حضر الخطاب الشهير حول صوم رمضان وغيره، ولعل أبرز دليل على تعامل بورقيبة مع الإخوان في تلك الحقبة فتح أبواب دار الثقافة ابن خلدون بتونس لتنظيم أربعينية سيد قطب وهي أربعينية أشرف عليها مفتي الديار التونسية الفاضل بن عاشور بتكليف مباشر من الرئيس فيما تحدثت الصحف التونسية عن سيد قطب ومكانته ونددت بإعدامه".
ولم تتردد قيادات إخوانية أبرزهم توفيق الشاوي في التأكيد في وقت سابق على علاقتهم الوطيدة ببورقيبة حيث قال في مذكراته، "عندما خرجت من بيروت ذهبت إلى تونس وكانت معي زوجتي، استقبلنا بورقيبة في قصره، وشرحت له القضية، وقلت إن هدفي هو إنقاذ سيد قطب لأنني أخشى أن تنتهي المحاكمة بالحكم عليه بالإعدام، وهو شخصية فذة ومفكر إسلامي لا يجوز أن يُقضى عليه".
وأردف الشاوي وهو من الرعيل الأول لجماعة الإخوان في مصر وتوفي عام 2009، في مؤلفه ""نصف قرن من العمل الإسلامي"، أن "بورقيبة بعد الخلاف مع عبدالناصر حول القضية الفلسطينية وجد في قضية سيد قطب فرصة للتشهير بعبدالناصر، لقد أصدر أوامره للصحافة والحزب والبرلمان وكل من في تونس بالدفاع عن سيد قطب، وكان هذا الدفاع يأخذ في كثير من الأحيان صورة النقد والهجوم على الديكتاتورية الناصرية والاستبداد الناصري".


إخوان تونس

ومرت علاقة بورقيبة بجماعة الإخوان في تونس، بمحطات عدة قبل أن تصل إلى القطيعة التي قادت معظم قيادات الإخوان إلى السجون بعد نشاط دعوي قامت به في مسعى لتكريس قاعدة شعبية لنشاطهم الذي بقي في الظل وغير رسمي في إطار ما عرف لاحقاً بجماعة "الاتجاه الإسلامي".
ومن أبرز القيادات الإخوانية التي تم اعتقالها في فترة بورقيبة، رئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي.
وقال بوقرة "في تونس أيضاً تم غض الطرف عن نشاط الإخوان أو ما يعرف بحركة الاتجاه الإسلامي منذ عام 1968، فتجاهل بورقيبة نشاط الجماعة لمواجهة التيار اليساري في تلك الفترة في الجامعات، لكن بعد ذلك وفي أواخر السبعينيات تفطن إلى أن الإخوان ليسوا مجرد حزب سياسي يمكن التعامل معه للتصدي لتيار آخر ثم التخلي عنهم، لكن هذه الاستفاقة كانت متأخرة لأن بورقيبة تقدم في السن ونظامه ترهل والمؤسسات بدأت تضعف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مرحلة الصراع

وكان لبورقيبة مواقف عدة من النصوص الدينية وهو ما غذى صراعه مع جماعة الإخوان التي وصلت حد تكفيره خصوصاً بعد حديثه عن الإفطار في رمضان وغيرها من المواقف المثيرة للجدل.

وقال نائب رئيس حركة النهضة السابق عبد الفتاح مورو في وقت سابق إنه والإخوان "ضحية لنظام بورقيبة"، لكنه أقر بخطأ تكفيره، مشيراً إلى أن الرئيس التونسي الراحل أقام دولة وفق قوله ونجح في تعميم الدولة مثمناً ذلك.
ويتفق المؤرخون على أن بورقيبة تعامل ببراغماتية أيضاً مع الإخوان في تونس من خلال توظيفهم في التنافس مع اليسار الذي اكتسح الجامعات وبات يؤرق السلطات من خلال التظاهرات والمطالبات بإطلاق الحريات التي كانت مكبلة بشكل كبير في فترة حكمه.
وقال المؤرخ محمد ذويب، "في حقيقة الأمر تعامل الحبيب بورقيبة مع الإخوان وفرعهم في تونس وأعني حركة الاتجاه الإسلامي اتسم بنوع من البراغماتية في الداخل والخارج". وأكد ذويب أنه "عندما خرج الاتحاد العام لطلبة تونس (ذراع الأحزاب اليسارية في الجامعة) عن طوع الحزب الاشتراكي الدستوري وسيطر عليه الشق اليساري إثر مؤتمر قربة وحركة خمسة فبراير (شباط) أعطى بورقيبة رخصة للمنظمة الطلابية الإخوانية المسماة الاتحاد العام التونسي للطلبة، لتقسيم شباب الجامعات الذين كانوا وقتها في حالة اندفاع متأثرين بما جرى في الجامعات الفرنسية في مايو (أيار) 1968".

انقسام حول نجاح بورقيبة

ولا يزال الاختلاف سيد الموقف بين المؤرخين حول مدى نجاح بورقيبة في توظيف جماعة الإخوان لصالحه بخاصة أن فرع هذه الجماعة في تونس استغل ما عاشه في الثمانينيات وما تلا تلك الفترة من اعتقالات للوصول إلى سدة الحكم بعد انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.
ويرى كثيرون أيضاً أن الإخوان نجحوا في الترويج لمشروعهم من خلال النشاط الدعوي الذي استمر إلى حدود الثمانينيات وتحت أنظار السلطات التي لم تتحرك لمنع تلك الأنشطة الدعوية التي كانت تتم في المساجد وغيرها. وقال بوقرة "في الواقع، في تلك السنوات نجح الإخوان في ترسيخ جذورهم في السلطة، وربما كانت تلك السنوات الـ10 التي وجدوا فيها حريتهم كارثة ما زلنا نعاني منها إلى حد الآن".

وشدد المتحدث ذاته على أن "الحبيب بورقيبة بقدر ما هو معروف عنه الرؤية الاستشرافية ويستطيع أن يحدد المواقف السليمة والصحيحة للمستقبل ويضبط خطة ناجحة وناجعة كما فعل في الحرب العالمية الثانية عندما رفض التحالف مع النازيين رغم أن الألمان كانوا ضد الاحتلال الفرنسي لتونس في تلك الفترة وقدموا له الوعود في حال التحالف معهم، بقدر ما لم تنجح سياسته في علاقته بالإخوان".
ولفت إلى أن "بورقيبة لم ينظر إلى الإخوان كمشروع ديني اجتماعي شمولي، بل اعتقد أنها مجرد حركة سيتعامل معها اليوم ثم ينقلب عليها. وتقبلت قيادات إخوانية بارزة، مثل توفيق الشاوي وغيره، المشروع الوطني الذي يحمله بورقيبة وكان عبدالناصر يوافق عليه، بينما كان يرفضه حسن البنا".
لكن ذويب يعتقد أنه "بصفة عامة، أحسن بورقيبة التعاطي مع الإخوان في تونس وتعامل معهم ببراغماتية ووظفهم في صراعات ضد خصومه ولم يشركهم في السلطة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير