Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بكين وواشنطن والشرق الأوسط... جدل البديل والتوازن

تتجه دول المنطقة لأن تصبح أكثر قدرة على موازنة مصالحها الاقتصادية والأمنية بشكل أفضل بين القوى الكبرى

تسعى الصين إلى لعب الدور الذي انفردت به الولايات المتحدة على مدى عقود (رويترز)

ملخص

من المحتمل أن يكون اختيار الصين وسيطاً قد تم عن قصد للإشارة إلى الاستقلال، فماذا يقول المحللون في هذا الصدد؟

منذ عقود كانت الولايات المتحدة الحليف الأمني الوحيد والقوة المهيمنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلا منازع، وكثيراً ما كان التدخل لفك الاشتباكات وحل الخلافات بين الجيران دوراً أساسياً لواشنطن التي تتمتع بنفوذ عسكري وأمني وسياسي كبير، بينما يتطلع قادة وشعوب تلك المنطقة للتدخل الأميركي باعتباره ضرورة تسهم في حل النزاعات وضبط المناخ السياسي، لكن في ظل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يقابله تراجع أميركي من المنطقة، أصبحت قوة أخرى قديمة مثل روسيا، أو حديثة مثل الصين، تسعى إلى لعب ذلك الدور الذي انفردت به الولايات المتحدة على مدى عقود.

خلال الأعوام الأخيرة تنامت مكانة الصين في الشرق الأوسط وحققت قفزة كبيرة عام 2016 عندما أبرم الرئيس شي جينبينغ عدداً من اتفاقات الشراكة الإستراتيجية، إذ استغل الصينيون التراجع الأميركي للإدارات المتعاقبة منذ الرئيس الأسبق بارك أوباما، وخلال جائحة "كوفيد-19" استخدموا "دبلوماسية اللقاح" بشكل كبير لمزيد من التقارب مع المنطقة.

يشير الباحث لدى مركز "ستيمسون" جيسي ماركس إلى أن عدم رد الولايات المتحدة على الهجمات الصاروخية الإيرانية على منشأة النفط السعودية في بقيق عام 2019 كان بمثابة نقطة تحول في تصورات السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لمصداقية الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، أسهمت التوترات مع إدارة جو بايدن والكونغرس في شأن ملف حقوق الإنسان وحرب اليمن، فضلاً عما كان ينظر إليه على أنه انسحاب غير كفء للولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، في عدم الرضا عن واشنطن في الرياض وعواصم عربية أخرى. كما اعترضت الإمارات على غياب رد أميركي حازم على هجمات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن واستيلاء إيران الأخير على ناقلات نفط.

بحثاً عن بديل

إضافة إلى الوجود الروسي في سوريا وحتى في أفريقيا، نجحت الوساطة الصينية في مارس (آذار) الماضي بعقد اتفاق بين السعودية وإيران لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأخيراً عرضت بكين الوساطة في محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين، وهذا التطور الذي يعيدنا بالذاكرة إلى السبعينيات عندما تخلت المنطقة عن تحالفها مع الاتحاد السوفياتي مقابل التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، ربما يدفع إلى تساؤلات عدة، هل المنطقة في حال بحث دائم عن بديل أو قوى دولية تتدخل في حل مشكلاتها؟ أم أن الشرق الأوسط بات أكثر استقلالاً في حل قضاياه بالنظر إلى اتباع لغة الحوار والدبلوماسية، فضلاً عن اتفاقات أبراهام التي شكلت نقطة تحول في علاقات دول المنطقة؟

للرد على تلك التساؤلات، تحدثت "اندبندنت عربية" إلى متخصصين داخل المنطقة وخارجها اتفقوا على أن ما يشهده الشرق الأوسط ليس محاولة للبحث عن بديل، بل هو انعكاس لتطور المشهد الدولي.

يقول الزميل لدى معهد "الشرق الأوسط" في واشنطن إبراهيم الأصيل إن هناك دائماً حاجة لوجود وسطاء دوليين في ظل غياب آلية حل نزاعات واضحة في المنطقة، وحاولت القوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي لعب مثل هذا الدور مع نجاح وفشل متفاوتين بحسب الملف والمعطيات، والآن نرى محاولة الصين الدخول على هذا الخط.

ويضيف أن بكين تسعى إلى ملء فراغ إستراتيجي في المنطقة مع تراجع دور الولايات المتحدة وضعف الثقة بالتزاماتها، ولكن لا يزال أمام الصين طريق طويل وشاق لإثبات قدرتها على لعب دور وسيط حيادي وفاعل وقادر على توفير الضمانات اللازمة.

في هذا الصدد، يرى الأستاذ بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد أن النزاعات بين الأطراف العربية، سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول وبعضها بعضاً، تبرز الحاجة لأطراف خارجية وسيطة، وفي حين أن محاولات تسوية الخلافات بين الدول في الوقت الحاضر، مثل مصر وتركيا والسعودية وسوريا، تمهد الطريق لكي تعتمد دول الشرق الأوسط على قدراتها الذاتية، لكن لم يصل الأمر إلى الاستقلال الكامل.

في المقابل، تشير كريستين ديوان من معهد "دول الخليج العربي" في واشنطن خلال لقاء سابق عقده مركز "ستيمسون" إلى أن الولايات المتحدة لا ينظر إليها على أنها تسعى إلى توفير الاستقرار في المنطقة، وأن الدول العربية ترى "نظاماً عالمياً بديلاً" لا تكون ملزمة فيه باتباع إملاءات واشنطن.

تعددية واستقلال

تتوسع شراكة الصين مع الشرق الأوسط على الصعيد الاقتصادي وهناك فرص محتملة لقدرة الصين المتنامية في ما يتعلق بالتوسط في حل الخلافات. فعلى سبيل المثال إن حقيقة أن الصين هي المشتري الرئيس للنفط الإيراني بمثابة عامل ضغط على طهران لعدم تنفيذ تهديداتها المتكررة بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة ناقلات النفط، بل إن مراقبين يعتقدون بأن بكين تحث حتماً النظام الإيراني على عدم تجاوز الخط وصنع أسلحة نووية.

مع ذلك فإن نفوذ الصين محدود في قضايا أخرى، فبالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يقول أستاذ الجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد إنه يمكن للصين أن تكتسب مزيداً من النفوذ في الشرق الأوسط بالتدخل لحل الخلافات بين بعض دول الشرق الأوسط وزيادة التبادل التجاري معها، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة في القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية لأنها لا تتمتع بهذه العلاقات الوثيقة التي تربط أميركا وإسرائيل، بالتالي لن تستطيع التأثير في سياسات الإسرائيليين ولا يمكنها في الوقت الحالي تقديم الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي الذي يقدمه الأميركيون لهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرفض آخرون فكرة أن قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتم استبدالها بقوة الصين، ويقول السيد إن نفوذ الولايات المتحدة متعدد الأوجه في الشرق الأوسط وما زالت فاعلاً مهماً في المنطقة ولديها نفوذ قوي في المؤسسات المالية الدولية، كما أنها مصدر للدعم العسكري لبعض الدول العربية مثل مصر والأردن ولديها نفوذ في العراق وعلى علاقة بالقوى السياسية الرئيسة هناك، وإجمالاً يمكن القول إن نفوذ الولايات المتحدة تضاءل، لكن لا يمكن الحديث عن بديل.

بحسب إيميل أفديلياني، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأوروبية ومدير دراسات الشرق الأوسط لدى مركز "جيوكيس" الذي تحدث إلينا عبر الإيميل، فإن "بكين لا ترغب حقاً في أن تتورط في المنطقة"، مؤكداً أن ما فعلته الصين لجهة تسهيل التقارب بين إيران والسعودية ليس بأية حال من الأحوال ادعاء بالسيطرة على الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن ترحب الجهات الفاعلة الإقليمية مثل السعودية أو إيران أو غيرهما بأية قوة أخرى في المنطقة، إذ "ترى طهران والرياض وغيرهما في هذا الزخم لبناء سياسة خارجية متعددة الاتجاهات فرصة تمكنهم من تعزيز نفوذهم الجيوسياسي النسبي".

ويضيف أن السعوديين والإيرانيين اختاروا بكين وسيطاً كجزء من جهودهم للعب سياسة خارجية تعددية ومن المحتمل أن يكون قد تم اختيارها عن قصد كوسيط للإشارة إلى استقلال كل من الرياض وطهران، ومن اللافت أن يحدث التقارب وسط حال من عدم اليقين بمكانة أميركا في الشرق الأوسط. وعلى رغم أن الولايات المتحدة وسعت وجودها في العراق وحافظت على تعاونها الأمني مع السعوديين ودول الخليج الأخرى، فإن التسهيلات الصينية ملحوظة ويمكن أن تكون نذيراً بالتغييرات المقبلة. لهذا السبب ربما تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم نوايا بكين وتوقعات دول الخليج. فعلى سبيل المثال ستحتاج إلى إعادة النظر في فكرة أن دول الخليج ستعتمد فقط على واشنطن عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية، ولكنها ستتعاون مع الصين في العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.

اتفاقات أبراهام

التطور الذي تشهده المنطقة على صعيد اتباع دبلوماسية الحوار بين الخصوم ليس الوحيد، فلقد مهدت اتفاقات أبراهام بين إسرائيل ودول عربية عدة إلى اتجاه المنطقة نحو مزيد من الاعتماد على الذات في حل الصراعات والخلافات الإقليمية.

يقول زميل معهد "الشرق الأوسط" إبراهيم الأصيل "إننا نشهد في هذه المرحلة تحسناً في العلاقات الدبلوماسية بين مختلف البلدان في الشرق الأوسط، سواء على الصعيد الثنائي أو لقاءات ثلاثية ورباعية، إذ باتت المصالح الاقتصادية والأمنية تشكل أهم الدوافع وراء فتح وتعزيز هذه القنوات، وما يؤكد ذلك أن عدداً من دول المنطقة يطور إستراتيجياته انطلاقاً من مصالحه وبحثاً عن سياسات أكثر استقلالية من القوى العظمى".

مع ذلك، يشير الأصيل إلى أنه لا يزال هناك غياب لمنظمات إقليمية تؤسس لعمل تشاركي طويل الأمد بين هذه الأطراف. ويخلص إلى القول "أعتقد بأن نجاح المبادرات الثلاثية والرباعية سيكون خطوة مهمة لتأسيس مثل هذه المنظمات ليكون لها دور حقيقي وفاعل في مستقبل المنطقة".

يتفق أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأوروبية إيميل أفديلياني مع الفكرة، لافتاً إلى أن دول المنطقة تصبح أكثر قدرة على وضع نفسها بشكل أفضل بين القوى الكبرى ومضيفاً "ما نراه في الوقت الحاضر بالشرق الأوسط هو إدراك عميق من قبل الجهات الفاعلة في المنطقة أنهم بحاجة إلى تحسين العلاقات الثنائية، بالتالي تقليل الحاجة إلى التدخل الخارجي. وتدعو الصراعات لاعبين غير إقليميين إلى التدخل، ومن المحتمل أن تكون دول الشرق الأوسط توصلت الآن إلى نتيجة مفادها بأن العلاقات الأفضل ستخلق زخماً للمنطقة للابتعاد عن منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين".

المزيد من تقارير