ملخص
كيف يعيش 13 مليون طفل سوداني بعد 70 يوماً من القصف المتبادل بين قوات الجيش و"الدعم السريع"؟
يهدد تصاعد القتال في السودان بكارثة صحية لا يمكن التنبؤ بمداها بعد مرور 70 يوماً من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، إذ لا تزال آلاف الأسر تعاني نقصاً حاداً في الأغذية، فضلاً عن خروج ثلثي مرافق الرعاية الصحية من الخدمة في مناطق الاشتباكات، وسط مخاوف من تفشي الأوبئة التي تتسبب بها الأمطار وما تخلفه من سيول.
وأدت المعارك الطاحنة إلى تفاقم المعاناة لنحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان البلاد بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، ويواجه السودان حالياً كارثة ثنائية تتمثل في الصراع المسلح والاقتصاد المتدهور لتفضي إلى نزوح ملايين وفقدان مصادر دخلهم، كما يحتاج أكثر من 13 مليون طفل إلى خدمات منقذة للحياة بحسب الأمم المتحدة.
محاذير عالمية
في غضون ذلك أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيراً من زيادة مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة في السودان في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية، بسبب الصراع الدائر بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إذ قال المدير الإقليمي لشرق المتوسط أحمد المنظري إن "القطاع الصحي في السودان يعاني بشدة، على رغم ما يبديه الأطباء والعاملون في المجال من بسالة وتفان في التعامل مع عواقب الأزمة، فإن الصراع على مدار الفترة الماضية، أسفر عن خسائر بشرية بلغت أكثر من 1081 حالة وفاة، ونحو 11714 إصابة".
وحدد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية آخر مستجدات تدهور الوضع الإنساني ومخاوف انتشار الأوبئة، منوهاً إلى أن "هناك مخاوف كبيرة من زيادة مخاطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه أو النواقل، وعلى رأسها الملاريا أو فاشيات مثل الحصبة".
وأضاف المنظري "نخشى من انتقال هذه الأمراض أو غيرها إلى البلدان المجاورة بسبب تجمع عوامل عدة مثل موسم الأمطار ونزوح السكان ومحدودية الحصول على مياه شرب آمنة، إضافة إلى تضاؤل الإمدادات الطبية بشكل كبير وفرار العاملين بالقطاع الصحي خارج البلاد".
تحديات وتنسيق
في موازة ذلك امتدح وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم جهود المنظمات الإقليمية والدولية والاستجابة السريعة في توفير الحاجات الضرورية والخدمات الطبية للمقبلين من العاصمة الخرطوم.
وطالب إبراهيم بضرورة توفير الحاجات الأساسية الموصي بها من وزارة الصحة الاتحادية، لافتاً إلى أن "أبرز التحديات التي تواجه القطاع الصحي في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد هي تشغيل المؤسسات الطبية التي أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة بجانب نزوح ما يقارب مليوني مواطن داخل السودان، مما انعكس على البيئة والصحة العامة".
وشدد وزير الصحة السوداني على التنسيق الكامل بين المنظمات والوزارات ذات الصلة والاتفاق على صيغة عمل موحدة لتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مطالباً بسرعة التدخل وتقديم الدعم لتجاوز التحديات التي تواجه البلاد.
انهيار كامل
وتحصد الملاريا كثيراً من الأرواح سنوياً في السودان، إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن 61 في المئة من الوفيات الناجمة عنها في منطقة شرق المتوسط تسجل في هذا البلد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الطبيب المتخصص في أمراض الأوبئة عامر محمد حسن إن "القطاع الصحي في السودان يفتقر إلى التمويل الكافي، من أجل تشخيص الأمراض أو علاج المرضى بطريقة فعالة، إذ إن الإنفاق الحكومي الأكبر كان يخصص للخدمات الأمنية بدلاً من الطبية، كما أن المستشفيات في العاصمة الخرطوم وصلت إلى حد الانهيار، فضلاً عن نفاد الأدوية نتيجة إغلاق الصيدليات بسبب الحصار ونيران القصف المتواصل، وإنهاك الطواقم الطبية التي ظلت تعمل ما يزيد على شهرين متتالية بلياليها".
وحذر حسن من انهيار القطاع الصحي خلال خريف هذا العام في ظل نظام صحي هش ومنهك، خصوصاً أن ظروف البلاد الاقتصادية وشح الموارد يضاعفان من مأساة المواطنين بخلاف الأضرار البيئية المتوقعة التي تسهم في تفشي الأوبئة، لا سيما بعد نزوح ملايين إلى أقاليم السودان في ظل تضاؤل الإمدادات الطبية بشكل كبير، كما أن المستشفيات غير مرتبطة بقاعدة بيانات وزارة الصحة الاتحادية".
وتوقع المتخصص في الأوبئة "انتشار الأمراض المنقولة بالمياه أو النواقل مثل الملاريا والحصبة لأن القاسم المشترك في كليهما هو تكاثر البعوض الناجم عن وضع بيئي متدن خلفته الحرب فضلاً عن انعدام الأمن الغذائي".
ويتابع حسن القول إن "مرض الحصبة يسببه فيروس شديد العدوى ويعتبر من أهم أسباب الوفيات بين الأطفال في القارة الأفريقية، وتشمل أعراضه الطفح وسيلان الأنف والتهاب العين والحمى والسعال، علماً أن الأطفال المصابين بسوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالشكل الشديد للمرض بخاصة الذين يعانون نقصاً في الفيتامين".
أوضاع حرجة
وتؤكد المنظمات الإنسانية باستمرار عجزها عن تقديم المساعدات اللازمة، كما أنها لا تستطيع نقل الإغاثة والأدوية إلى مختلف أنحاء السودان، لأن شاحناتها تعلق وسط النيران المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويري أحد المواطنين بمنطقة أم درمان ويدعى بدوي محمد فضل أن "الشعب السوداني غير محظوظ بعد أن تكالبت عليه المحن، ولم يكد يفرغ بعد من هواجس أجواء الحرب ومآسيها، شاء القدر أن تهدده الأوبئة في مرحلة حرجة من تاريخ البلاد، وإن كان من الصعب التنبؤ بما هو مقبل، إلا أنه من اليسير قراءة المستقبل على ضوء ما يجري حالياً من أوضاع إنسانية حرجة وظروف اقتصادية ومعيشية بالغة التعقيد تنذر بمجاعة وكارثة صحية يدفع ثمنها المواطنون في نهاية المطاف فاتورة غالية من أمنهم واستقرارهم".
وأشار فضل إلى أن "هناك عجزاً في الكوادر الطبية، إلى جانب المخزون الضعيف من الأدوية والمستلزمات الطبية ولقاحات فاشيات الحصبة، فضلاً عن خروج 70 في المئة من مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة".
وناشد المواطن السوداني المنظمات العالمية "سرعة الاستجابة بتنفيذ تدخلات علاجية ووقائية عاجلة قبل أن يتحول الوضع من حرج ومقلق إلى كارثي مزمن يصعب التعامل معه"، محذراً من خروج الوضع عن السيطرة حال التأخير في التدخلات المطلوبة من الحكومة والمنظمات الدولية خصوصاً في ظل عدم توفر الإمكانات والموارد اللازمة لمواجهة الأمراض والأوبئة".