Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل السياحة الداخلية مكلفة للمواطن اللبناني أكثر من السفر إلى الخارج؟

على رغم توافر كل المقومات في بلد الأرز كوجهة مثالية فإنه ينقصه تطوير ودعم قطاع الضيافة ليتمكن من منافسة وجهات أخرى في المنطقة

شكّل لبنان وجهة سياحية مثلى لكثيرين من المغتربين والسياح العرب والأجانب (أ ف ب)

ملخص

السفر إلى تركيا أو قبرص للاستجمام يبدو أقل كلفة للمواطن اللبناني من السياحة الداخلية

منذ انتشار وباء كورونا وفي ظل الأزمة الاقتصادية تراجعت فرص سفر المواطن اللبناني في فترات العطلات وفي موسم الصيف للاستجمام. فبعد أن اعتاد اللبنانيون، بمعظمهم، على السفر في الأقل مرة في السنة، أتت الجائحة ومعها الأزمة الاقتصادية للقضاء على هذا الحلم الذي كان متنفساً لهم، وراجت عندها السياحة الداخلية، وزاد اندفاعهم لاستكشاف مختلف المناطق اللبنانية التي لم يتعرفوا إليها جيداً. ومع بداية الأزمة انخفضت كلفة الإقامة في الفنادق والمنتجعات السياحية بشكل ملحوظ، خصوصاً لفئة معينة من اللبنانيين، ثم شيئاً فشيئاً أصبحت في متناول شرائح كبرى من المجتمع اللبناني، لكن سرعان ما عادت كلفة الخدمات المتوافرة للسياحة الداخلية وارتفعت بنسبة عالية، من مطاعم وفنادق ومنتجعات سياحية، هذا ما أعاد تلك الذهنية التي كانت سائدة سابقاً بأن السفر إلى دول معينة مثل تركيا وقبرص ومصر للاستمتاع في العطلات، قد يكون أقل كلفة من السياحة الداخلية لعدد الأيام نفسه، فهل يعتبر ذلك صحيحاً بالفعل في المرحلة الحالية؟

 


في انطلاقة السياحة الداخلية

مع بداية الأزمة شكل لبنان وجهة سياحية مثالية لكثير من المغتربين والسياح العرب والأجانب لما تتوافر فيه من مقومات السياحة بأسعار متدنية، بالمقارنة مع وجهات أخرى في المنطقة. عندما تراجعت قيمة العملة الوطنية ورزح المواطن اللبناني تحت الأعباء التي سببتها الأزمة وانخفضت القدرة الشرائية لديه، انخفضت أسعار الخدمات في القطاع السياحي مع تراجع الطلب عليها، ولم تكن حينها معدلات القادمين إلى البلاد من سياح ومغتربين تسمح برفع أسعار هذه الخدمات، أما بالنسبة إلى المقيمين فبدت السياحة الداخلية بديلاً أمثل عن السفر في العطلات، بما أنه لم يعد في متناولهم نتيجة الظروف المعيشية، إنما شيئاً فشيئاً تزايد الطلب على الخدمات السياحية في البلاد، وعادت فنادق كانت قد أقفلت أبوابها في العامين السابقين لتفتحها، كما زادت أعداد بيوت الضيافة في مختلف المناطق اللبنانية واستقطبت كثيراً من السياح والمغتربين والمقيمين، ومع ارتفاع الطلب على هذه الخدمات ارتفعت أسعارها حتى تخطت ما كانت عليه قبل الأزمة بتسعيرتها بالدولار الأميركي.

في ظل هذا الواقع يعود المواطن اللبناني ليفضل السفر إلى بلاد كتركيا أو قبرص أو مصر للاستجمام والاستمتاع بالعطلات، بدلاً من السياحة الداخلية التي أصبحت الكلفة المترتبة عنها أعلى، ويبدو أن سياسة التسويق المعتمدة في وكالات السياحة والسفر تلعب دوراً في ترسيخ هذه الذهنية لدى اللبنانيين، إذ تشير ساندرا فهد من إحدى وكالات السياحة والسفر في بيروت إلى أن وكالات السياحة والسفر تقدم في إعلاناتها عروضاً بأدنى الأسعار بهدف إغراء المواطن وجذبه ليختار هذه الوجهات، في إطار سياستها التسويقية، لكن عندما يندفع ويتخذ قرار السفر مع العائلة للاستجمام يتبين له أن الرزمة التي كانت بـ1500 دولار أميركي، كما يظهر في الإعلان، ترتفع في الواقع لتتخطى الـ2500 دولار للعائلة. وتؤثر معايير عديدة في ذلك كاختيار منتجع لائق ومناسب وفق الشروط المطلوبة، إضافة إلى ارتفاع الكلفة بحسب عدد أفراد العائلة، وهو لا يكتشف هذا الأمر إلا بعد اتخاذ قرار السفر على أساس السعر الذي رآه في الإعلان، ويتواصل عندها مع وكالة السياحة والسفر، وغالباً ما لا يتراجع عن هذا القرار الذي اندفع باتخاذه ولو تحمل كلفة إضافية.

كلفة إضافية كثيرة في السفر

يتطلب السفر إلى قبرص، بحسب فهد، الحصول على تأشيرة سفر خاصة، لها متطلبات عديدة ومنها توافر حساب مصرفي بمبلغ معين، وقد لا تكون مثل هذه الشروط سهلة للمواطنين اللبنانيين في الظروف الحالية، حتى إن الحصول على هذه التأشيرة يتطلب جواز سفر صالحاً لأكثر من ستة أشهر، مما يستدعي أحياناً الحصول على جواز سفر جديد أيضاً، كما أن الإقامة في قبرص تعتبر مكلفة لاعتمادها عملة اليورو، ومما لا شك فيه أن المواطن اللبناني لن يتحمل مثل هذه الكلفة لو أمضى عطلة نهاية الأسبوع في منتجع سياحي أو فندق في لبنان، كما تتاح حالياً للعائلات فرصة استئجار المنازل في مناطق مختلفة في لبنان، مما يسمح بالحد من كلفة السياحة الداخلية في مناطق تعتبر وجهات سياحية مثلى كالبترون (شمال) وجبيل (جبل لبنان) وصور (جنوب).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعتبر كلفة السفر إلى قبرص مرتفعة بالنسبة إلى المواطن اللبناني بالمقارنة مع تركيا مثلاً، لذلك تبقى تركيا منافسة لها كاختيار للسفر والاستجمام في العطلات، خصوصاً أنه يمكن السفر إليها من دون تأشيرة سفر. وبتوافر الرحلات المباشرة إلى تركيا يمكن الحصول على تذكرة طائرة بما لا يزيد على 240 دولاراً أميركياً للذهاب والإياب، إنما تبقى الكلفة الكبرى في الإقامة في الفنادق والمنتجعات السياحية، فمن المفترض أن يختارها السائح بحد أدنى من المقومات وأن تكون بمستوى خمس نجوم، لتكون الخدمات فيها ضمن المعايير المطلوبة "ارتفعت أسعار الفنادق والمنتجعات السياحية كثيراً أخيراً في تركيا بسبب الأزمة التي تشهدها البلاد، وذلك حتى تتمكن من الاستمرار والصمود، بعكس ما يتصوره كثير بأن الأسعار تسجل انخفاضاً. لا بد من تصحيح تلك الأفكار الراسخة بأنه يمكن لعائلة كاملة السفر إليها للاستجمام والترفيه بكلفة لا تتخطى 1000 أو 1500 دولار أميركي. فيستحيل تأمين رزمة بهذه الكلفة إلى تركيا مثلاً، فيما يمكن الاستمتاع بالسياحة الداخلية خلال أيام عديدة واكتشاف مناطق متنوعة في لبنان بكلفة أقل بكثير".

أما بالنسبة إلى السفر إلى قبرص فقد يكون ممكناً بكلفة أقل لشخص واحد، لكن غالباً ما تكون العائلات معنية هنا، مما يستدعي أيضاً تأمين رزمة متكاملة لتتأمن الوجبات خلال النهار، هذا ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في كلفة الرحلة إلى قبرص، بالتالي على رغم ارتفاع الأسعار في الخدمات السياحية في لبنان بنسبة عالية، يبقى من الممكن الاستمتاع بالعطل فيها بكلفة أقل للعائلات.

خدمات ينقصها الدعم

ولطالما كانت هذه الذهنية سائدة بين اللبنانيين الذين يفضلون الاستمتاع برحلة والسفر إلى خارج البلاد مرة في الأقل في السنة، بدلاً من تحمل الكلفة الباهظة للإقامة في فنادق ومنتجعات سياحية في لبنان.

ومن وجهة نظر صاحب إحدى وكالات السياحة والسفر في بيروت غدي سليمان "فهذا هو الواقع بالفعل لأن كلفة السفر إلى تركيا أو قبرص أو مصر أقل من كلفة السياحة الداخلية، فكلفة إقامة عائلة في أي فندق في لبنان أو منتجع سياحي لا تقل عن 250 أو 300 دولار أميركي لليلة الواحدة في غرفة مزدوجة، وقد تزيد بحسب أعداد الأطفال وأعمارهم. وينطبق ذلك على بيوت الضيافة في مختلف المناطق اللبنانية، وإن كان بعضها لا يقدم خدمات بالمستوى المطلوب حتى. ولا يتوافر في لبنان مفهوم الـAll Inclusive الموجود في الوجهات السياحية المذكورة، إذ يمكن أن يتناول أفراد العائلة الطعام والمشروبات طوال النهار بكميات غير محدودة من دون تحمل كلفة إضافية. لذلك إضافة إلى كلفة الإقامة في الفندق على المواطن اللبناني أن يتحمل كلفة المطاعم في منتجع أو فندق يمكث فيه أو خارجه فتكون الكلفة مرتفعة أيضاً عليه مع عائلته، يجب ألا ننسى أن المنتجعات والفنادق في لبنان لا تقدم أيضاً الخدمات الترفيهية المتوافرة في وجهات سياحية أخرى. فمفهوم الضيافة هنا يبقى ناقصاً بغياب وسائل الترفيه والفرق التي تقيم كل الأنشطة المطلوبة ليستمتع النزلاء بعطلتهم في المنتجعات مع أطفالهم. في المقابل هي متوافرة في المنتجعات التي يمكن اختيارها في تركيا أو قبرص أو مصر".

وتظهر المقارنة مع رحلة إلى أي من هذه الوجهات أنه من الممكن تأمين إقامة بكلفة 250 دولاراً أميركياً في منتجع سياحي خمس نجوم مع أكل ومشروب مفتوح ووجبات صغيرة وحلويات متوافرة طوال النهار وأنشطة ترفيهية لأفراد العائلة كافة، كما تتاح تجربة التسوق في هذه الوجهات أيضاً للسائح بكلفة أقل بالمقارنة مع لبنان، ولا يبقى للسائح إلا كلفة تذكرة الطائرة التي تتوافر غالباً بكلفة قليلة، خصوصاً بوجود الرحلات المباشرة إلى مثل هذه الوجهات، وانطلاقاً من خبرته في مجال السياحة والسفر، أكد سليمان أن فكرة السفر إلى الخارج بذاتها تجذب المواطن اللبناني فيميل إليها أكثر بطبيعته ليستمتع بعطلاته عندما تسمح له إمكاناته المادية بذلك.

في المقابل تبقى الطريق طويلة أمام السياحة الداخلية في لبنان لتحقيق التطور المطلوب من حيث الخدمات التي تقدمها حتى تستقطب المواطنين وتحفزهم على تفضيلها على السفر إلى الخارج، ويملك لبنان فعلاً المقومات المطلوبة كوجهة سياحية، إنما ينقصه الدعم للقطاع وتطوير مفهوم الضيافة لتحسين الخدمات التي يقدمها فيتمكن من منافسة هذه الوجهات السياحية التي استطاعت أن تحقق تطوراً ملحوظاً في هذا المجال.

المزيد من منوعات