Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

خطى الخصخصة تتسارع في السعودية ولكن بشكل مختلف

الرياض تعمل على رفع وتيرة إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي لتصل إلى 65 في المئة

العاصمة الرياض (اندبندنت عربية )

ملخص

القطاع الخاص يمثل 43 في المئة من إجمال الناتج المحلي للبلاد

ثمة تغيرات اقتصادية لا تخطئها العين في ما يخص إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي للتحول من اقتصاد ريعي قائم على عائدات النفط إلى اقتصاد قائم على التنويع، إذ اتخذت من أجل ذلك استراتيجيات وبرامج طويلة المدى لترسخ قدراتها التنافسية إقليمياً وعالمياً، وبدأت بإعادة توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص عبر التوسع في سياسة الخصخصة.

وبعد درس وتقييم 147 قطاعاً حكومياً لأكثر من أربعة أعوام توصلت إلى اختيار 16 جهة جاهزة للتخصيص، كانت أبرزها القطاعات التي تمس الأفراد بالدرجة الأولى مثل الصحة والتعليم والإسكان والبلديات والحج والعمرة والاتصالات وتقنية المعلومات والنقل بجميع أشكاله والطاقة والصناعة والثروة المعدنية والتنمية الاجتماعية، ففي أبريل (نيسان) 2021 دخل نظام التخصيص حيز التنفيذ في السعودية، ولم يثر مصطلح اقتصادي النقاش والجدل واللغط في المجتمع وعلى منصات التواصل والمجالس والبرامج التلفزيونية مثلما حمل هذا المصطلح بجميع أشكاله، الخصخصة أو التخصيص أو الإسناد للقطاع الخاص، فقد كان له صوت مجلجل إبان الفترة الماضية، وتمحورت الجدلية حول الغايات المنشودة من عمليات التخصيص وقضية الموظفين وضمان عدم الإضرار بمصالحهم، لكن نقاش الخصخصة بدأ يخفت في الأوساط السعودية، فماذا يحدث لخطة الخصخصة؟

خصخصة بشكل مختلف

ويبدو أن البرنامج يمر بعدد من الإجراءات والمراحل المعقدة نسبياً، فالمتابع للشأن السعودي يرى بأن خطى الخصخصة تتسارع بشكل مختلف، فاصطلاحاً يفيد مفهوم الخصخصة تخلي الإدارة الحكومية عن بعض نشاطاتها لمصلحة القطاع الخاص بهدف تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، وتوسيع دور القطاع الخاص وجعله جزءاً مهماً في العملية الاقتصادية، ولكن في السعودية نجد أن من يقود زمام التخصيص هي الحكومة من خلال تأسيس شركات مملوكة لها مباشرة أو من طريق ذراعها الاستثماري صندوق الاستثمارات العامة، الذي يلعب دوراً محورياً في عملية خصخصة القطاع العام وإعادة تأهيله، وكانت آخر مشاريع الخصخصة التي أعلنها هي نقل ملكية الأندية الرياضية الكبرى في البلاد لصندوق الاستثمارات العامة السعودي بنسبة 75 في المئة.

وفي وقت سابق أعلنت وزارة الصحة تأسيس شركة وطنية قابضة لتشغيل المستشفيات التابعة لها تعمل على جميع الأنشطة المتعلقة بالخدمات الطبية وتشغيل القوى العاملة الوطنية وتهيئة إمكانات ومرافق التأهيل والبحث والتطوير، ونقل التقنية وتوطينها وتطويرها، والحال كذلك في التعليم، فقد أسست شركة "تطوير التعليم" القابضة والمملوكة بالكامل للدولة، وتؤدي دوراً استراتيجياً في مساندة وزارة التعليم في تطوير الخدمات التعليمية والنقل التعليمي والمباني وتقنيات التعليم.

ومن بين عدد هائل لا يمكن حصره لمشاريع الخصخصة التي أعلنها "الصندوق" خلال العامين الماضيين، عازماً على استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً داخل البلاد، ومؤسساً شركات تعمل في قطاعات متنوعة تمتد من العقارات إلى الرحلات البحرية الفاخرة، أعلن إنشاء شركة "لايفيرا" للصناعات الدوائية التي تعنى بتصنيع الأدوية وتخزينها وتوريدها عبر تطوير منشآت تصنيع عصرية عبر تأسيس شراكات محلية وعالمية، كما أسس شركة "طيران الرياض" التي يستهدف من خلالها تطبيق أفضل ممارسات الاستدامة والسلامة عالمياً المعتمدة في مجال الطيران، إلى جانب توفير أحدث التقنيات الرقمية للريادة في هذا المجال.

 كما أعلن الصندوق تأسيس شركة الطائرات المروحية التي تعد أول شركة محلية مشغلة للطائرات المروحية التجارية لتلبية الطلب المتنامي داخل السعودية في ما يخص خدمات السياحة الفاخرة والنقل الجوي.

وللإسهام في تطوير منظومة قطاع الطيران في السعودية أنشأ "الصندوق" شركة تأجير الطائرات "AviLease" التي تركز على خدمات التأجير والبيع وإدارة الأساطيل، ولم يغب قطاع الرحلات البحرية السياحية عن ذلك، إذ أسس "كروز السعودية" لتعزيز جهود البلاد كي تصبح وجهة سياحية على خريطة الرحلات البحرية السياحية الدولية، كما أعلن تأسيس شركات لتطوير المدن في الجنوب والشرق والغرب، وكذلك شركة "داون تاون السعودية " التي تهدف إلى إنشاء وتطوير مراكز حضرية ووجهات عدة ومتنوعة في أنحاء البلد الواسع، ويأتي ذلك في حين يثير غياب القطاع الخاص عن مشاريع التخصيص الكبرى كثيراً من التساؤلات حول ما إذا كان القطاع لا يملك فعلاً المقدرة على مشاركة الدولة في الصياغة الجديدة والمنافسة ضمن البيئة الاقتصادية الجديدة.

نشاط القطاع الخاص

ووصف المتخصصون الاقتصاديون العلاقة بين القطاعين العام والخاص في السعودية بـ "التبعية" إلى حد كبير، إذ يعتمد في نشاطه على مستويات النشاط الاقتصادي في القطاع العام، مما يعني أن هذا القطاع بهيئته الحالية لا يصلح لكي يكون رائداً في هذا الوقت، وبحسب وثيقة برنامج التخصيص "خطة التنفيذ 2020" فإن هناك تحديات تواجه القطاع الخاص، ومنها أن "الخبرات والمعارف والمهارات اللازمة لدى القطاع متدنية جداً، وأن معظم الخبرات والمعارف هي ذات طابع فني وتشغيلي بحت، ويرجئ ذلك أن الحكومة هي مقدم الخدمة الأساس في تلك القطاعات منذ أعوام، ولم يعط هذا مساحة كافية لنمو القطاع الخاص".

كما أشارت الوثيقة إلى أن هناك قلة في عدد الشركات المحلية التي تملك القدرة الفنية والمالية الكافية لتولي تقديم الخدمات وإن قل عدد الشركات المتاحة للتخصيص، مما يشكل تحدياً في البرنامج.

وأشار الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين إلى أن "قدرة القطاع الخاص أمر مهم في ملف الخصخصة، وأن هناك محورين رئيسين فيه، الأول خصخصة بعض القطاعات الحكومية القائمة، والثاني تنفيذ المشاريع الاقتصادية التنموية الجديدة وفق فلسفة القطاع الخاص، بحيث يتم تشكيلها من البداية وفق متطلبات القطاع الخاص لتكون جاهزة للطرح العام به إنجازها، ولذا تعتمد الحكومة إنشاء شركات تتولى مسؤولية تنفيذ وإدارة بعض المشاريع التنموية وإن أنفقت الحكومة عليها، كما أن تأسيس الشركات يسهل عملية الاستقلال المالي والاداري والصفة الاعتبارية المستقلة عن الحكومة، وهو إجراء مهم ومكمل لرؤية الحكومة تجاه الخصخصة الشاملة".

وعدّ المستشار المالي محمد العمرو أن "مرونة السعودية في تطبيق خطة الخصخصة أحد مميزات الخطة الإدارية الجيدة"، فهي من وجهة نظره تراعي تراتبية الأولويات مع القياس المستمر للمعوقات والأخطار والاستخدام الأمثل للموارد ورؤوس الأموال، مشيراً إلى أن "التغيير يحتاج إلى ضخ رؤوس أموال ضخمة في البداية، كما يحتاج إلى الكوادر البشرية والإدارية، وهذان المعززان يندران بشكل طبيعي في أوقات النمو المزدحمة تطويرياً".

وأضاف العمرو أن الأسوق الرأسمالية المحلية والدولية والقطاع الخاص لهما قدرة وطاقة محددة في استيعاب الجديد، فمستويات السيولة وشهية المستثمرين وحجم المخاطرة كلها متغيرات ترفع أو تحد من مستوى نجاح تجربة التوسع في الخصخصة.

الدعم الحكومي للقطاع

وبالنظر إلى 200 مشروع معلن على موقع المركز الوطني للتخصيص في أبريل (نيسان) 2023، فلم تخلو غالبيتها من الدور المتعارف عليه للقطاع الخاص، وهو البناء والدعم والتشغيل والصيانة لمباني بعض القطاعات المستهدفة.

اقرأ المزيد

وقال الكاتب الاقتصادي إبراهيم العقيلي إن "القطاع الخاص في السعودية لا يستطيع تحمل تبعات فشل القطاعات الكبرى، لهذا رأينا أن صندوق الاستثمارات العامة يقود عملية الخصخصة ويخطط للتنازل عنها شيئاً فشيئاً".

وأشار العقيلي إلى أن تغير الأنظمة وتحديثها يدفعان القطاع نحو التردد في الدخول إلى لمشاريع، وأن دخول "الصندوق" في مشاريع كبيرة وضخمة من دون خوف أو تردد يعكس إدارته من الجهة التي تسن الأنظمة بحكم اقترابه من طاولة صناعة القرارات الكبيرة، وتتم عملية مواءمة القرارات مع توجهات "الصندوق" الاستثمارية، وهي استراتيجية لا يحظى بها القطاع الخاص لهذا رأينا تردده في المبادرة وقيادة الخصخصة أو حتى الدخول في ما يطرح من فرص كبيرة.

ولم تتجاهل السعودية القطاع الخاص في البلاد التي تعلم اليوم أن الاقتصاد العالمي محور عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فهي تبدي اهتماماً مكثفاً بتفعيله ودعم دوره، وتعهدت بالعمل على رفع وتيرة إسهامه في الناتج المحلي حتى وإن كانت أسسه ضعيفة، فقد سجلت مشاركته في الناتج المحلي عام 2022 ما يقارب 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار) وهو ما يعادل 43 في المئة من إجمال الناتج المحلي، ويهدف للوصول إلى تريليوني ريال (533 مليار دولار) من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، والوصول بالنتيجة عام 2030 إلى ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص لتصل إلى 65 في المئة.