ملخص
بطريرك الكلدان العراقيين يحرج حكومة السوداني بعد انسحابه من مقره في بغداد.
أحرج بطريرك الكنيسة الكلدانية بالعراق والعالم الكاردينال لويس روفائيل ساكو حكومة محمد شياع السوداني بانسحابه من مقر البطريركية في بغداد نتيجة ما قال عنه "أمام تحملي لكتائب بابليون المتعمدة والمهينة لي، والكل يعلم نزاهتي ووطنيتي، وللمكون المسيحي الذي عانى كثيراً، وغياب أية قوة رادعة لهم، وصمت الحكومة وإقدام رئيس الجمهورية على سحب المرسوم عني، أعلن الانسحاب من المقر البطريركي في بغداد والتوجه إلى إسطنبول حيث إني موجود لمهمة كنسية إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق".
أحداث غير مسبوقة
ووصف الكاردينال المسيحي ساكو ما تمر به الكنيسة في بلاده بالقول إن "كل هذه الأحداث الثقيلة والمصيرية التي لا نعرف بعد نهايتها ولا مآلها، واستقدامي إلى المحكمة مستمر بصفة المتهم، في حين أن المسيء معروف وهو حر طليق ومحمي، وهذا القرار اتخذته ليحقق حامي الدستور وحافظ النسيج العراقي الجميل رغبة بابليون بإصدار مرسوم تعيين ريان سالم داود (بابليون) متولياً لأوقاف الكنيسة، وشقيقه أسوان نائباً وشقيقه سرمد مسؤولاً للمال وشقيقه وسامة مسؤول الحماية إذا قبل، لأن أمواله تتضخم من إتاوات بلدات سهل نينوى وبيوت المسيحيين في تكليف، والوزيرة المسيحية التي تحمل الصليب فوق ثوبها أميناً عاماً للبطريركية، وصهره نوفل بهاء رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى لتكتمل اللعبة.
وأضاف المرجع الأعلى للطائفة المسيحية في العراق أن "من المؤسف أننا في العراق نعيش وسط شبكة واسعة من المصالح الذاتية والفئوية والنفاق، أنتجت فوضى سياسية ووطنية وأخلاقية غير مسبوقة تتجذر أكثر فأكثر، وليكن الله في عون المسيحيين والعراقيين الذين لاحول لهم ولا قوة".
طريقة غير لائقة
وأحدث بيان الكارنيال ساكو وانسحابه ضجة، وأحرج المرجعيات العراقية التي التزمت الصمت قبيل هذا الإعلان واعتبرته شأناً مسيحياً يخص تطورات داخلية للطائفة، لكن عقب البيان دعا المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في بيان إلى التواصل مع البطريرك ساكو، ليبدي أسفه على الطريقة التي تم التعامل بها مع نيافته خلال الآونة الأخيرة، مما يتنافى مع مكانته الدينية والوطنية، وعبر له عن أمله في أن تتوافر الظروف المناسبة لعودته لمقره في بغداد قريباً.
والبطريرك ساكو ليس برجل الدين الهين، بل يمتاز بالصلابة والعناد في تثبيت حق المكون المسيحي، وله حضوره الدولي الذي تعزز بعد زيارة قداسة البابا فرنسيس العراق، فقد كان عراب تلك الزيارة التاريخية عام 2021، لكن البطريرك لم يواجه تحدياً كالذي يمر به حالياً بصعود نجم زعيم بابليون ريان الكلداني المدعوم من الحشد الشعبي، القوة الضاربة في البلاد والتي ارتفع نجمها بعد قتال "داعش" والحملة الإعلامية الواسعة، فباتت بابليون تمثل البرلمان والحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما يرجح الكنسيون تحت زعامة البطريرك ساكو أنهم وراء الدفع باتخاذ رئيس الجمهورية قراراً بإلغاء المرسوم الخاص بتولية ساكو أوقاف الكنائس والأديرة المسيحية في العراق التي دعته إلى عرض الموضوع على المحكمة الدستورية ومقاضاة رئيس الجمهورية، لكن الرئاسة التي خالفت قرار الرئيس الأسبق جلال طالباني بررت سحب المرسوم بأنه بسبب غياب السند الدستوري والقانوني له.
وأوضحت أن رئاسة الجمهورية لا تصدر المراسيم بالتعيين إلا للعاملين في المؤسسات والرئاسات والوزارات والهيئات الحكومية، في وقت لا تعد المؤسسة الدينية دائرة حكومية ولا يعد رجل الدين القائم عليها موظفاً في الدولة كي يصدر مرسوم بتعيينه.
وأوضحت أن سحب المرسوم الجمهوري ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو، مشددة على أنه يحظى باحترام وتقدير الرئاسة.
غضب الطائفة على سحب التولية
لكن ردود فعل الطائفة المسيحية جاءت مشددة، واعتبرت ذلك نيلاً من قيمة مرجعهم الذي سحب عنه المرسوم من دون غيره من رؤساء الطوائف الأخرى الذين وردت أسماؤهم بالمرسوم الجمهوري ذاته قبل 10 أعوام، إذ شهدت الجاليات العراقية المسيحية في الداخل والخارج حراكاً غير مسبوق لمناصرة الكاردينال والدعوة إلى بقاء توليته على كنائسهم وأديرتهم وممتلكاتهم التي أجبرهم الإرهاب الذي شهده العراق على تركها والهجرة للخارج.
الباحث والناشط المسيحي رئد اسطيفان وصف رسالة الكارينال بأنها "صفعة بوجه قوى الشر التي كانت وراء استصدار المرسوم الجمهوري وإلغاء التولية التي هي استحقاق طبيعي للمرجع الأعلى للطائفة، مما جعل أبناء الكنيسة الكلدانية يقفون بقوة إلى جانب البطريرك، بل وتحدوا الحكومة العراقية التي تحاول أن تنتقص من مكانة مرجعنا المسيحي بتصرفات صبيانية".
خلاف قديم مع بابليون
ويعود أصل الخلاف المتنامي بين الكنيسة الكلدانية المتمثل في البطريركية وكتائب بابليون المسلحة التابعة للحشد الشعبي التي تأسست في سهل نينوى لظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، إذ قاتلت الأخيرة في نينوى وصلاح الدين وسواها كإحدى الفصائل المنضوية في الحشد المسلح.
وبحسب بيان للبطريركية فإن "أصل الخلاف يرجع لما ذكرته حول ألا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان الكلداني، ولا تمثلنا وأن ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب العراقي فقط"، كما تم إنكارها من قبل بعض أعضاء مجلس النواب في حينها وأبرزهم النائب يونادم كنا الذي أعلن أن رئيس هذا الفصيل المسلح لا يمثل المسيحيين والكتائب التي يقودها تمثله شخصياً، وهو بعيد من المسيحية ولا يمثلها، كما أن الكنيسة الكلدانية كررت تخليها عنه.
وتطور الموقف المناهض لبابليون حتى أدرج قائدهم ريان الكلداني على لائحة الإرهاب، وإلحاق اسمه ضمن لائحة العقوبات الخاصة بالخزانة الأميركية وتجميد أصوله المالية بسبب ما وصفه بارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
غير أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة عززت موقف ريان الكلداني وكتلته النيابية في الانتخابات بفوزه بجميع مقاعد البرلمان الخمسة عن نينوى، وحصوله على تمثيل وزاري في حكومة المحاصصة بوزارة الهجرة التي تتولاها فيان فائق يعقوب جابرو (كلدانية).
وتعزو الكنيسة ذلك إلى الدعم الذي تلقاه من الحشد الشعبي ومكافآته على موقفه في مقاتلة "داعش".
بابليون يطمحون إلى الوقف المسيحي
لكن أعضاء كتلة بابليون لهم رأي آخر مؤيد لإجراء رئيس الجمهورية القاضي بسحب المرسوم الخاص بتولية الكاردينال ساكو جعلهم يعجلون بإصدار بيان أكدوا فيه مساعيهم إلى إعادة النظر في التولية، وجاء فيه "نحن نواب كتلة بابليون مع رؤساء الكنائس المسيحية نعمل على تشريع قانون الأحوال الشخصية الذي سيضمن حقوقنا المشروعة دستورياً بعد تضمنيها في المنهاج الوزاري، وسنعمل على تشريع قانون إدارة الأوقاف والمؤسسات الدينية المسيحية بما يكفل كرامة رؤوساء الطوائف المسيحية كونهم المتولين شرعاً إدارة الأوقاف".
البيان الذي أصدره بابليون، وهم يمتلكون جناحاً مسلحاً تابعاً للحشد الشعبي ولهم خمسة نواب في البرلمان ووزيرة في حكومة المحاصصة، يؤشر على دخول المكون المسيحي في صراع جديد من داخل المكون هذه المرة، وانقسام بين 14 طائفة مسيحية، وغضب كثير من الكلدان في الداخل والخارج على ما وصفوه بالتدخل في المرجعية المسيحية العليا التي يعدونها مقدسة ووريثة للمجد الكنسي في العراق والعالم، وهو تحد جديد للطائفة وانشطارها وإعلان كثير من أبنائها بيان هجرة جديد يهدد بقاء 250 ألف مسيحي في العراق كانوا يعولون على مكابدة البقاء تحت الشرعية البابوية التي يمثلها بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال المنتخب لويس روفائيل ساكو.